سوريا بين «الفشل الأممي» و«الفشل العربي»

هوشنك بروكا

بعد “الفشل الأممي” الأخير ووقوف روسيا والصين بالمرصاد، ضد تمرير أيّ قرارٍ يدين النظام السوري في مجلس الأمن، جاء دور الجامعة العربية، لتعلن هي الأخرى عن “فشلها”، وفشل كلّ ما وصفه وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل”،  ب”أنصاف الحلول”، التي زادت  الأزمة السورية تعقيداً، ودفعتها نحو المزيد من اللاحل واللاأمل.

على الرغم من النقلة النوعية للموقف العربي الجديد من الأزمة السورية، والذي جاء متناغماً مع موقف دول التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية، إلا أنّ الموقف، على تقدّمه، يحمل، على ما يبدو، من الفشل أكثر من النجاح، ومن المشكلة أكثر من الحلّ.
ليس لأنّ العرب لم يسعوا إلى الحلّ، ولم يريدوا لسوريا أن تكونه، وإنما لأن المشكلة السورية، صارت أكبر منهم، وأبعد من أن تُحل ضمن حدود إمكانيات جامعتهم المحدودة.
الأزمة السورية، والحالُ، لم تعد مشكلةً سوريةً، أو مشكلةً بين الشعب السوري ونظامه، وإنما تعدّت حدودها السورية، والعربية، وحتى الإقليمية، حتى غدت مشكلةً أمميةً بإمتياز.
فلا حلّ ممكنٍ لداخل سوريا، بدون حلٍّ بين اللاعبين الإقليميين، والأمميين الكبار، خارجها.
لا حلّ لسوريا، بدون حلٍّ  بين “هلال” إيران، و “قمر” العرب وتركيا أردوغان.
لا حلّ للداخل السوري، بدون خارجها، وهذا مستبعدٌ حتى الآن.
الموقف العربي الجديد، لا حلّ فيه، بل فيه مشكلةٌ، ليس للعرب وجامعتهم فيها يدٌ ولا حيلة.


المشكلةُ السورية التي تجاوزت حدود البيت العربي، أصبحت الآن، بعد شهورٍ من أنصاف المبادرات و”أنصاف الحلول”، مقفلةً، عصيةً على أيّ حلٍّ ممكن، عربياً.
لهذا لم يبقَ للعرب وجامعتهم، إلا أن يخرجوا من الحلّ، ويعودا منه بخفي حنين، وينفضوا أيديهم من كلّ محاولاتهم ومبادراتهم الميتة أصلاً، والتي ماعادت تنفع مع نظامٍ، يصرّ بكلّ الوسائل القمعية المتاحة، على قتل شعبه، ليدخلوا المشكلة، مضطرين، مجبورين، من أوسع أبوابها، وليكونوا طرفاً فيها، بعد أن فشلوا في أن يكونوا طرفاً مبادراً في حلّها.
فإعلان العرب، من خلال قرارات جامعتهم الأخيرة، عن “إنهاء مهمة بعثة المراقبين، ودعوة مجلس الأمن إلى استصدار قرارٍ، بتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة، للمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار، وفتح قنوات إتصال مع المعارضة السورية وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والمالي لها، وتشديد العقوبات الإقتصادية والتجارية على النظام السوري، ووقف كافة أشكال التعاون الديبلوماسي مع ممثليه في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية”، كلّ ذلك يعني بشكلٍ صريحٍ وفصيح، إعلان القطيعة مع النظام السوري، والإعتراف “الضمني” بالمعارضة، بإعتبارها ممثلاً بديلاً للشعب السوري.


إذن، النظام السوري، أصبح الآن عملياً في حكم “الساقط” شرعياً، وفقاً ل”الشرعة العربية”، ما يعني الإعتراف “الضروري” بالمعارضة، ودعمها بكافة السبل والوسائل العربية الممكنة، لدفعها نحو كسب المزيد من الشرعية الدولية.
لكن ماذا يعني ذلك على مستوى مستقبل المشكلة السورية، في ظلّ موت كلّ هذه المبادرات و”أنصاف الحلول”، التي أدار لها النظام السوري ظهره، راكباً الخيار الأمني والعسكري، منذ حوالي 11 شهراً، تاركاً وراءه ألاف القتلى، وآلاف المشرّدين، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمفقودين، فضلاً عن العشرات من المدن والبلدات والقرى شبه المدمّرة؟
إلى أينَ تتجه سوريا، إذن، بعد انحدارها من “الفشل الأممي”، إلى “الفشل العربي”؟  
“إسقاط” العرب “الضمني” للشرعية عن النظام السوري، يعني دخولهم ك”أشقاء” للشعب السوري، معه في مواجهة “مستترة”، عبر فتح قنوات مع المعارضة السورية، وتقديم كافة أشكال الدعم لها، ما يعني انحدار سوريا نحو  حربٍ أهليةٍ، باتت شبه مؤكدة؛ حرب “أصدقاء الشعب السوري” المستترة، ضد “أصدقاء النظام”، وحرب كلّ سوريا على كلها، أو “حرب الجميع ضد الجميع”.
التدخل الدولي في سوريا، عسكرياً، حتى الآن، هو خيارٌ غير مطروح، على الطاولة الأممية.
فلا أميركا، ولا الغرب الأوروبي، ولا العرب، ولا حتى المعارضة السورية، تريد لهكذا تدخل دوليٍّ أن يكون، هذا ناهيك عن رفض روسيا والصين وإيران وعراق(ها) وجيبها اللبناني الممثل بحزب الله، لأيّ تدخلٍّ مباشر أو غير مباشر من هذا النوع، في شئون سوريا “الداخلية”.
السيناريو الأقرب حدوثاً، إذن، في ظلّ كلّ هذه التجاذبات والصراعات السياسية، الإقليمية والدولية، التي تشهدها الأزمة السورية، هو دخول سوريا، بمساعدة “أصدقاء الشعب السوري” ضد “أصدقاء النظام”، في الحرب مع نفسها:
أيّ الحرب بين جيشين: جيش النظام وجيش المعارضة.
العالمان العربي الشقيق، و”الأممي الصديق” للشعب السوري، ليسا مستعدين أن يدخلا في مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام السوري، كما حدث في الحالة الليبية، لأنّ ذلك قد يعني حرباً إقليمية، أو ربما دولية، لا طائل منها.
سوريا الشعب ستكون ليبيا قادمة، لكن بدون “أصدقاء أممين” أو “أشقاء عرب”، يحاربون معها في مواجهة “سوريا الأسد”، مواجهةً مباشرة.
ليس لسوريا القادمة إلا الحرب على نفسها؛ حرب المعارضة ضد النظام، والتي قد تنحدر إلى حرب “استزاف داخلية”، أي حرب الشعب ضد الشعب أيضاً، والطائفة ضد الطائفة، والمعارضة ضد المعارضة، وكلّ سوريا ضد كلّها.
لا شكّ أنّ هذه الحرب التي ستدخلها سوريا ضد نفسها، رغماً عنها، هي خيار النظام منذ البداية.


الحرب “مخرجاً”، كانت ولا تزال، خياره الأول والأخير.


الحربُ هي مبتدأه، كما ستكون خبره.


أنها، إذن، حرب “ضرورية”، لا مفرّ منها، طالما أنّ رأس النظام السوري، ممثلاً برئيسه بشار الأسد، قال كلمته منذ البداية: “أنا أو لا أحد”!
فلا النظام يمكن له، في سوريا المتحولة، أن يحكم ك”نصف نظام” ب”نصف سلطةٍ”، ولا الشعب يريد أن يحكمها ك”نصف شعبٍ” ب”نصف ثورة”.


النظام يريد سوريا بدون شعب، والشعب يريد سوريا من دون نظام.
سوريا المتأرجحة، منذ 11 شهراً من القتل المتواصل، بين “الفشل الأممي” و”الفشل العربي”، ليس أمامها، على الأرجح، إلا هذه الحرب “الإضطرارية” على نفسها.
حرب سوريا على سوريا، بات كما يبدو، “شراً” لا بدّ منه.
فهل ستكون حرباً على الفشل، أم حرباً إلى مزيدٍ من الفشل؟
hoshengbroka@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…