ماكبث – شكسبير
إبراهيم اليوسف
أول الدم:
بدهيٌّ، أن النظام السوري استطاع وعبرألف شخصية محلية، أو مستوردة عربياً-وخاصة من لبنان-وهم خطباء بلغاء، أو ساسة، أو رجال دين، أو ممثلون وممثلات أوراقصون وراقصات، استطاع أن يشكل حالة إعلامية، تجعل الطفل الذي قتل وهويرضع الحليب من صدرأمه، لوقيض له وعاد إلى الحياة، ليتابع أكاذيب إعلام هذا النظام، أن يؤمن لأول وهله، أنه كان مجرماً، وأن قاتله، ومعلميه محض أبرياء، وأن هؤلاء رموه بالورد، وليس بالقنبلة، أو القذيفة الصاروخية أو الرصاص.
فإن من تابع مداخلات المهرجين السفيرأحمد يوسف وبشارالجعفري، لظن في قرارته أن النظام السوري، كان على وشك استعادة فلسطين، والأندلس، والوحدة العربية، وإحلال السلام في الأرض، وتحويل سوريا والعالم كله إلى جنة، وأن لاسجين سياسياً في سوريا، وإن أجهزة الأمن السوري كلهم على حدود هذا البلد يمنعون المؤامرات بيد، ويقدمون أطباق الحرية والأمان لمواطنيهم، وأن سوريا لافساد فيها، ولا جوع فيها، ولم يطلق رجال الأمن الرصاص على مواطن بريء، لا في حماة، ولا في قامشلي، أو الرقة، أو حلب، وكل رصاصهم مطاطي، ولا أحد منع من السفر، ولا مجاعة في سوريا، وما يأكله أطفال بشارالأسد يأكله أبناء ريف”تل حميس” وغيره من مناطق سوريا المجوعة، وكأن هذا النظام لم يواصل العمل بمبدأ سلخ الجنسية عن المواطنين الكرد الذين كان من حقهم التواجد فيكل حكومة، أو دورة برلمانية، وأن أبناءهم يتعلمون بلغاتهم الأم، وإن لهم فضائيات وجرائد بلغتهم هذه، ومن المحال أن يسجن كردي لأن في جيبه قصيدة بلغته الأم ، أو كتاباً أدبياً بهذه اللغة.
إلا أن كل الوسائل التي لجأ إليها النظام المجرم لم تجد نفعاً، لأن صورته بدت على حقيقتها، كما هي للعالم أجمع، وإن هؤلاء الممثلين الرخيصين الذين استقتلوا دفاعاًً عن الطاغية، فإنهم فعلواذلك لأنهم مأجورون ويؤدون أدوارهم المكتوبة لهم من قبل أجهزة المخابرات السورية، لاسيما وأن فضائح إعلامية كبيرة تمت، عندما كان هذا الإعلام يقدم صوراً مفبركة يدعي فيها مظلومية النظام، وطهارته، وعفته، بعكس ما هو في الحقيقة كأسوأ نظام إجرامي يعيش الآن على هذه البسيطة.
ومن هنا، فإن دماء شهداء الثورة، استطاعت أن تكون هي رسالة هذه الثورة إلى العالم، لتبين مدى وحشية نظام دمشق المجرم، بل لتكون أعظم وسيلة إعلامية للعالم بأسره، إلا أنه-وللأسف- تم التعامل مع هذه الدماء من موقعين مختلفين، جسدهما كل من شعوب العالم من جهة، والأنظمة الحاكمة فيها، من جهة أخرى، لاسيما وأن هناك من بين هذه الأنظمة-كما حال تركيا- راح يستثمرهذه الدماء، ليوجهها رسائل متعددة الاتجاهات، من أجل مصلحته، أو مصلحة بلده، لتكون معبراً لأحلام أنانية، في الوقت الذي راحت تصعد على هذه الدماء من أجل رسائلها تلك، فافتقدت مصداقيتها، وبات ظهورأحد القادة الأتراك وهو ينهل من معجم التسويف، مايبعث على اشمئزاز السوريين،لاسيما أن هذا النظام بالإضافة إلى نظام ساركوزي هما وراء بلية تمديد عمرالنظام السوري الذي كان سيسقط منذ بضع سنوات، ولعل الكثيرمن الأنظمة العربية تعاملت مع الدماء السورية، بلغة دبلوماسية، لتحاول من خلالها أن ترضي شعوبها الهائجة، المتحمسة لنصرة الثورة السورية، عبر تصريحات رفع العتب، من دون أن تترجم هذه التصريحات، ولعل مايجري في الجامعة العربية هوخيردليل على ذلك، حيث لم يعد العالم بحاجة إلى معرفة أن النظام مجرم، وأن كل يصوت لإيفاد مراقبين، إنما هوعارف أن لاحاجة لهؤلاء، وأن السقوط المدوي والفاضح للدابي، لايزال ماثلاً أمام أعين جميعنا، وإنه حتى وإن تم تزيين الأمر، في هذه المرة، على أن ذلك سيتم بحضورأممي، لأن العالم كله، يرى مايجري وهوفي بيته، وقرار الجامعة العربية ينبغي أن يكون في اتجاه آخر تماماً، هومواصلة الحجرعلى النظام المفترس، المسعور، وعزله، وطرده، وحماية السوريين، قبل أية خطوة أخرى..!.
وإذاكانت روسيا، قد استطاعت عرقلة قرار الجامعة العربية على هزله، وعدم ارتقائه إلى مستوى نقطة دم سورية، فحسب، فهي لما تزل قادرة عبرفيتوهاالأسود، أن تعين شريعة القتل والدمار على استمرارها، للتحكم برقاب السوريين ومصائرهم، بيد أنها وكما أرى”تقتل نفسها” بقتلها أطفال سوريا، لتصبح العبارة “روسيا تقتل نفسها”، أو “روسيا تأكل نفسها”، وباتت هيبتها تسقط في أكثرمن مستوى داخلي، وأممي، لاسيما وأن الخطوة التالية، التي لابد منها، وهي أن سبعين دولة صديقة للشعب السوري، باتت تهبُّ لنصرة أطفال هذا البلد الكليم، المضمخ بجراحاته، مادام أن طفلاً كل أربع ساعات بات يقتل، دون ذنب اقترفه، وبعد أن أعيا العالم كله من إقناع النظام المجرم بالرحيل، استجابة لمطلب الثورة، لأنه ربيب عقلية “الغاب” و”العنتريات الهوجاء الفارغة”، لاسيما وأن القاتل السوري من ذلك الأنموذج الذي لايمكنه النوم في بيته، إلا وهو محاط بالحرس،وقد ضاقت به الأرض، على شكل خرم إبرة، نتيجة قصوره الفكري والحياتي، وهوغيرالقادرعلى إدارة محل سوبرماركت، كما قلت ذات مرة، بل هو الأحوج إلى الرعاية…!.
إن سلمية الثورة، أرعبت النظام، لذلك فهو راح يسلِّحها، وهي لما تزل في مهادها، وكانت المسيرات المسيَّرة من قبله، تردُّ على أكاذيبه، لأنه وعلى امتداد أحدعشر شهراً، لم يؤذ أحد من” الجماعات الإرهابية المسلحة” متظاهراً موالياً، بينما تتعرض الاحتجاجات السلمية-وبالصوت وبالصورة- لحمم من ألسنة نيران الصواريخ والأسلحة متوسطة المدى، والقنابل، كما أن النظام استقوى علناً عبرفضائياته، وعبر تصريحات وتهديدات أربابه-في الخارج-بحق الثورة،وكسرأيادي الثوار، وكأنَّ ذلك حقٌّ حصريٌّ على هذا الولد المدلل، كما أن عنجهية هذا النظام أوصلت بلدنا إلى مزالق التدخل الأجنبي من قبل إيران وموسكووغيرهما، بيد أن النظام والمراهنين عليه، لا يعرفون أنهم أمام شعب جبار، فريد، استثنائي، هو الشعب السوري، العظيم، والنبيل، الذي أكد للعالم كله أنه صاحب رسالة، بل وأنه الأعظم إرادة، وبسالة…!
كانت الثورة السورية، في الحقيقة، جدَّ ضرورية، ليس لأنها ستضع سوريا على مسارها الصحيح، حتى وإن كانت الضريبة التي دفعها شعبنا غالية، بل لأنها كانت اختباراً حقيقياً لضميرالعالم، فكيف أن هناك من يبكي أطفالاً في بلد ما، بينماهو يقتل أطفال بلد آخر، جرياً على سياسة المجرم الذي يبكي أبناء بلد ماـ بينما هو نفسه يقتل أطفال بلده!.
“ماكبث” في ترجمة سورية:
إن سقوط القاتل السوري، في مستنقع الدماء، سيدعوه على طريقة “ماكبث”* أن يعلم وهو يواصل الجريمة والخيانة، أنه يعالج الدم بالدم، فهو العارف كماماكبث” أن بحارالعالم لن تكفي لغسل يديه من الدم”، كما أن ما يجري في سوريا، يستعيد تماماً أكثرمن مسرحية شكسبيرية، يمكن قراءتها الآن**، و الوقوف على توأمة أسطورة غريزة القتل والواقع لدى بطل مريض، فصاميِّ، أوصل البلد إلى الهاوية..!.
سوريا تكتشف أصدقاءها:
واثق، أن الضميرين العربي والعالمي، لن يستمرافي حالة العطالة والعطب، إزاء مايجري في سوريا، فالنظام المجرم استنفد كل أوراقه، في حدود إمكاناته، وفتح الأبواب أمام التدخل الأجنبي على مصاريعها، ولم تعد في جعبة أحد من هؤلاء الخيِّرين، أية ذريعة، للسكوت، وأداء الدورالأممي المطلوب تجاه شعب تمارس بحقه أبشع المجازر، وذلك في إطارالدعم الكفيل بإسقاط هذا النظام، واستعادة شروط الحياة الحرة الكريمة، ليقطع شعبنا الأبي الطريق-بنفسه- أمام من يريد أن يستعيد دورة استبداد آخر، لا تتماشى مع الروح المدنية، التعددية، الديمقراطية التي يتوق إليها السوري، في لحظته الوطنية، وهويحمي مكتسباته التي صنعها، بيده، لئلا يكون غيابها عامل إذلال لإنساننا السوري، وهويصنع سوريا العظيمة، في صورتها الجميلة التي ننتظرها جيلاً بعد جيل….!.
*ماكبث بطل مسرحية لشكسبيربالاسم نفسه
** دعوة لاستعادة قراءة شكسبيرفي ظل جريمة سفك دماء الأبرياء من قبل آلة الإجرام.
elyousef@gmail.com