خـطـاب النـظـام … وخـيـار الشـعب

  افتتاحية جريدة الوحدة (YEKITI) *

بات الخطاب الرسمي السوري أكثر وضوحاً وتعنتاً في اعتماد لغة التخوين والتهديد في التعامل مع الوضع القائم في البلاد منذ آذار الماضي ، لغة القبضة الحديدية والشتم والشطب مع من لايقف مع النظام من سوريين أو عرب أو أجانب ، النظام الذي بلغ مستوى عالياً من التشدد والغرور معتمداً على سياسة – دبلوماسية مراوغة تعمل على كسب الوقت وتراهن على المحور الإقليمي الداعم له وتستفيد من الأجواء الدولية المثقلة بأزمات وملفات مالية واقتصادية وأمنية عديدة في ظل ضعف إمكانات الجامعة العربية في مسعى فرض حلّ سياسي ما ، تساعدها الصين وتحميها روسيا التي جعلت الملف السوري بنداً في صراعها مع الغرب إلى جانب مقتضيات مصالحها ونفوذها في المنطقة وقد تعقد صفقات من ورائه ، وليست ثمة بوادر حصول تحول في موقفها على المدى المنظور.
سياسة إعلامية مبتذلة وفاقدة للمصداقية تصول وتجول لتبييض صفحة النظام وإرجاع أسباب أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها إلى مسؤولية أفراد فيه أحياناً وبالأكثر إلى عوامل ومؤامرات خارجية عنصرها الأساسي المعارضة في الخارج كما يدعي ، وخلق والبحث عن (مجموعات مندسة ، إرهابية ، متطرفة) تتحرك في الداخل على أنها معادية للشعب والبلد وأنها تتحمل مسؤولية الأزمة ، إلى جانب إبراز آراء المؤيدين للنظام والحديث عن إصلاحات صورية غير جذرية لا تغير بنيته الأساسية الشمولية ولا تلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، وكذلك تصوير المسيرات التي ينظمها حزب البعـث وأجهـزة الأمن بالإكراه والتخويف من الموظفين وطلاب المدارس والجامعات على أنها تمثل رأي وإرادة الشعب.
الخيار الأمني – العسكري في محاولةٍ للجم وتفريق التظاهرات السلمية وإضعاف الحراك الجماهيري الاحتجاجي الذي أصبح يعم معظم المناطق ويحظى بتأييد غالبية الشعب السوري ، والتمادي في العنف من ضرب واعتقال وقتل مخطط وممنهج وارتكاب المجازر باستخدام قوات الجيش والأمن وتسليح عناصر ميليشيات إلى حدٍ أصبحت بعض المناطق منكوبة ومقطعة الأوصال يعاني أهلها مآسي إنسانية جمة .
استغلال مؤسسات الدولة وإمكاناتها المختلفة في وجه الثورة السورية بعد أن استحوذ واستولى عليها كنظام شمولي استبدادي أفرغ مؤسسات المجتمع المدني من محتواها وحارب العمل السياسي على مدى عقود .
محاولة تأليب الرأي العام على الثورة وتخويف المواطنين المترددين من المستقبل الذي سيتمخض عنها ، والعمل على إحداث شروخ بين فئات المجتمع واللعب بشكل خفي على الوتر الطائفي ، وتهيئة المناخات للعنف المسلح لكي يبرر حملته الأمنية – العسكرية الدامية في المدن والأرياف .
إذاً هناك معطيات واضحة ، النظام لا يتراجع عن الحل الأمني – العسكري قيد أنملة ولا يتنازل باتجاه أي حل سياسي قد يؤدي إلى تفكيك بنيته – أولاً ، هناك محور إقليمي قوي داعم له في ظل أجواء أمنية تصب لمصلحته – ثانياً ، ضعف إمكانات الجامعة العربية ونأي بعض دولها عن فرض أو ممارسة أي نوع من الضغوط عليه – ثالثاً ، فشل مجلس الأمن عن إصدار أي قرار أممي بحقه – رابعاً ، ورغم أهمية الدور الإقليمي والعربي والدولي في عزل النظام وتقويض قوته وجبروته ، الذي يجب العمل على تبلوره وتعزيزه وتطويره دون كلل أو ملل … لا خيار أساسي أمام الشعب السوري والمعارضة الوطنية بمختلف أطيافها سوى تأطير قواها والاعتماد على الذات وحماية وتوسيع الحركة الاحتجاجية السلمية والحفاظ على اللحمة الوطنية من خلال طمأنة كافة الفئات بنيل حقوقها دون انتقاص أو مواربة في سوريا جديدة ضامنة لحياة ديمقراطية وللسلم الأهلي وللعدالة وتوفير الحريات.

* الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) – العدد (222) كانون الثاني 2012م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…

بوتان زيباري كوباني، تلك البقعة الصغيرة التي تحوّلت إلى أسطورة محفورة في الذاكرة الكردية والسورية على حد سواء، ليست مجرد مدينة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي مرآة تعكس صمود الإنسان حين يشتد الظلام، وتجسيد حي لإرادة شعب اختار المواجهة بدلًا من الاستسلام. لم تكن معركة كوباني مجرد مواجهة عسكرية مع تنظيم إرهابي عابر، بل كانت ملحمة كونية أعادت…

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…