هوشنك بروكا
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر، هو الحملة التضامنية الجميلة، التي قام بها مجموعة من الفنانين الكرد الكبار، بينهم جوان حاجو، وشفان بروَر، ونظام الدين أريج (المعروف بفقي تَيران)، وهاني، لدعم الثورة السورية، وحقوق الكرد فيها.
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر، هو الحملة التضامنية الجميلة، التي قام بها مجموعة من الفنانين الكرد الكبار، بينهم جوان حاجو، وشفان بروَر، ونظام الدين أريج (المعروف بفقي تَيران)، وهاني، لدعم الثورة السورية، وحقوق الكرد فيها.
الحملةُ، بحقّ، جاءت جميلةٌ، بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى، ليس لأنّ دعاتها فنانون كبار فحسب، وإنما أيضاً لأنها تدعم الثورة السورية، وتريد لها الإنتصار، من خلال دعمها للحقوق العالمية، من حرية وعدالة ومساواة وأمن وسلام وديمقراطية.
الحملة إذن، رغم طابعها الكردي الخاص، إلا أنها حملةٌ وطنية بإمتياز، فيها من الدعم لحقوق سوريا كوطن لكلّ السوريين، بقدر ما فيها من حقوق الأكراد، وذلك من منطلق دعوتها إلى الحقوق المشار إليها آنفاً، والتي هي في المنتهى حقوقٌ عالمية، مابعد قومية، ومابعد طائفية، تستغرق كلّ الإثنيات، وكلّ الأعراق، وكلّ الأديان، وكلّ الإيديولوجيات.
من هنا، لا يمكن لأيّ مواطنٍ من هذا العالم، أياً كانت جهته ك”مواطنٍ صحيح”، إلا أن يكون مع هذه الحملة بمجمل حقوقها، ليس لأنها حقوقٌ سياسيةٌ “ممكنة”، في القادم من سوريا ما بعد الأسد، أو لأنها حقوق “سهلة المنال” في القريب العاجل من سوريا “الصعبة جداً”(قومياً وطائفياً وإقليمياً ودولياً)، وإنما لأنها “حقوقٌ جميلة” فحسب، يُريد لها أهل الجمال، هكذا جميلةً أن تكون.
هي، إذن، على المستوى المنظور من سوريا القادمة، حقوقٌ في “اللاممكن الجميل”، أكثر من أن تكون حقوقاً في الممكن من السياسة.
الكلّ يعلم، أنّ هناك غموضاً لا يزال يلف المشهد السوري، سواء على مستوى الراهن أو القادم.
فحتى هذه اللحظة، لا توجد لدى المعارضات السورية، بمختلف تياراتها واتجاهاتها وتحوّلاتها، والتي هي من المفترض أن تكون البديل القادم للنظام، أية خارطة طريقٍ، واضحة المعالم لسوريا القادمة، حيث تتجاذبها مصالح وحسابات وأجندات إقليمية ودولية مختلفة.
الموجود هو عبارة عن “كليشيهات” سياسية، و”وعود مطاطة”، و”تطمينات حذرة”، و”اعترافات خجولة”، لا تقدم من هذه الحقوق ولا تؤخرها، وخيرُ دليل على ذلك هو انقسام هذه المعارضات على نفسها، التي لم تتفق حتى الآن على خارطة طريقٍ واحدة، للإنتقال بسوريا من “سوريا الأسد” إلى سوريا من دونه، أو سوريا ما بعده.
هذا ناهيك عن الإصطفافات الطائفية والقومية والقبلية المكشوفة، التي تشهدها سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، في الخامس عشر من آذار الماضي.
والحال، نحن أمام سوريا قادمة، لن تكون سهلةً كأغنيةٍ جميلة، كما قد يُتوقع.
السوريون، لا يزال أمامهم الكثير من “القومية الصعبة”، وا”الطائفية الصعبة”، و”القبلية الصعبة”، و”الإنتقام الصعب”، فضلاً عن التدخلات الإقليمية والدولية الصعبة، التي ستهدد كلّ إمكانية، من شأنها تجعل هذه الحقوق العالمية، حقوقاً سهلةً وممكنة.
فالطريق إلى هذه الحقوق، ليس مفروشاً بالورد، على أية حالٍ، كما قد يُعتقد، وإنما هو محفوفٌ بالكثير من مخاطر القومية والقومية المضادة، والطائفية والطائفية المضادة، والحزب والحزب المضاد.
الطريق إلى سوريا القادمة، والحالُ، لن يكون مُعبّداً بهذه الحقوق العالمية، التي حُرم منها الشعب السوري، طيلة زمانٍ كثيرٍ مضى، كسائر الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة.
الطريق إلى “سوريا الحرية والعدالة والمساواة”، كما يريد لها أهل هذه الحملة الكردية(الفنية بإمتياز) أن تكون، سيكون على الأرجح، محفوفاً بالكثير من الحق والحق المضاد، ناهيك عن حفافه بالكثير من الباطل والباطل المضاد.
لكنّ ما لفت انتباهي في هذه الحملة الجميلة، هو “يوتوبيا” الكبير جوان حاجو الجميلة، كفنه الجميل وعناده الأجمل، الخارج على كلّ قديمٍ، إذ يؤسس لعدالةٍ جميلة، أقل ما يمكن أن يُقال فيها، هو أنها “عدالةٌ فنية”، غير ممكنة، من قبيل”اللامفكر فيه”، ليس سورياً فحسب، وإنما على طول الشرق وعرضه أيضاً.
جوان الجميل في فنّه، كما في عدالته، يقول في سياق دعمه لسوريا الثورة:
“العدالةُ، هي أن ينال الكردي الإيزيدي أيضاً حقه، في أن يكون رئيساً لسوريا!”
حاجو، إذ يتعاطى مع عدالته الجميلة هذه، كأغنيةٍ، لا ينسى بالطبع حجم الإيزيديين في سوريا، الذي يكاد يساوي الصفر، أو فوقه بقليلٍ جداً، في السياسة ومعادلاتها الصعبة والسهلة في آنٍ.
هو، لا ينسى، تعداد الإيزيديين(وهو الذي عاش بينهم وعاشرهم كواحدٍ منهم)، كأقلية دينية لا ثقل لها، سورياً، في المعادلات الطائفية أو ما دون الطائفية أو مافوقها.
هو، إذ يطالب بعدالته هذه، الخارجة على كلّ السياسة، كفنّه، لا ينسى بأنّ الإيزيديين المهمشين في التاريخ كما في الجغرافيا، همشتهم السياسة وأخواتها أيضاً، ولا تزال.
هو، إذ يغني للعدالة/ اليوتوبيا، في سوريا القادمة، على طريقته الخاصة هذه، التي عوّدنا عليها طيلة عقودٍ من فنه الجميل، الخارج عن تقليد الماضي، والذي لا يشبه أحداً إلاه، إنما يريد الغناء لسوريا وطناً لجميع أبنائها، على أساس المواطنة، بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وآيديولوجياتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية.
جوان الجميل، إذ يغني للعدالة السورية القادمة، إنما يغني لسوريا “غير ممكنة”، أقل ما يمكن أن يُقال فيها، هو أنها “سوريا شبه مستحيلة”، لا وجود لها، لا الآن ولا بعده، في راهن السياسة وممكنها.
ما يريده حاجو الجميل كأغنيةٍ، لسوريا أن تكون، هو “يوتوبيا” جميلة، لا بل جميلة جداً، فيها من الفن أكثر من السياسة، ومن الخيال أكثر من الواقع، ومن الحلم أكثر من الحقيقة، ومن اللاممكن الجميل، أكثر من الممكن القبيح.
أقول كلّ هذا وأنا أعرف الجميل جوان، حق المعرفة أنه يريد لهكذا عدالةٍ أن تكون، فقط لأنه فنانٌ اختار لنفسه مكاناً جميلاً، لا يمكن أن يكون فيه للسياسة أيّ محلٍّ من الإعراب، ولا بأيّ حالٍ من الأحوال.
كان بودّي أن أهمس في أذن الجميل جوان، وهو الأعز الأكثر من صديقٍ، والذي لم أشكّ يوماً في عناده الفني الجميل، الأكبر من كلّ سياسةٍ، لأقول: “إذا كان ليس للكرديّ إلا الريح”، كما قالها الجميل الراحل محمود درويش، يوماً، ف”لن يكون للإيزيدي إلا ريح الريح”.
أما إذا كانت مشكلة الكردي في التاريخ والجغرافيا، وفي ما بينهما من سياسةٍ مشكلةً في “قبض” الريح مرةً واحدة، فإنّ مشكلة الإيزيدي (الكردي الأصيل) مع القبض عينه، والريح عينها، هي مشكلةٌ مرتين وأكثر: مرّةً مع الريح، في كونهم “أكراداً من أهل كردستان”، وأخرى في كونهم “أكراداً من أهل الشيطان”.
كذلك الأمر يمكن سحبه على عدالة جوان الجميل الأكثر من جميلة، حيث يمكن إعرابها، سورياً، كأختٍ لليوتوبيا مرتين: مرة عربياً، بإعتبار أنّ سوريا لا يمكن لها إلا أن تكون “جمهوريةً عربيةً” محكومة ب”الأغلبية العربية”(كما قالها رئيس المجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون، ذات مرّة)، وأخرى كردياً، بإعتبار أنّ “كردستان سوريا” لا يمكن لها إلا أن تحذو حذو شقيقتها الجنوبية، “مثلها الأعلى”، أيّ كردستان العراق، التي ليس فيها للإيزيدي إلى “مؤخرتها”، كما هو حاصل، منذ حوالي عقدين من الزمن.
فالإيزيدي (مثله في ذلك مثل الفيلي والكاكائي والشبكي)، الذي يسمى على مستوى الفوق الكرديّ ب”الكردي الأصيل”، وليس له إلا كردستان، كوطنٍ في الدين كما في الدنيا، هو في كردستان الآن، كرديٌّ مشكوكٌ فيه، مغلوبٌ على أمره، مقصوص الجناحين، مربوط اللسان، يتبع ولا يُتبَع، ولا يصلح إلا لركوب “مؤخرة” كردستان، حزباً ودولةً ومؤسسات.
لهذا ولأشياء أخرى كثيرة، قبل أن نغني لعدالةٍ جميلة في المكان الجار، علينا أن نغني لها(وإن على سبيل الإفتراض) في المكان الدار.
فهل هذه العدالة الجميلة، في كردستان الآن، حيث الوطن النهائي للإيزيديين، هي عدالةٌ قريبةٌ وممكنة؟
الجواب، هو طبعاً لا..ولا جازمة.
ف”عدالة” كردستان الآن لا تحجب عن “أكرادها الأصلاء”، كل شيءٍ اسمه فوقٌ، كفوق القضاء وفوق البرلمان، وفوق الحكومة، وفوق المخابرات، وفوق الحزب، وفوق الدولة فحسب، وإنما تحجب عنهم أيضاً، كلّ ما من شأنه أن يكون الإيزيديون حقهم في إدارة مناطقهم ذاتياً بأنفسهم.
إذا كانت “عدالة” الكرديّ لا تسمح لأخيه “الكردي الأصيل”(الإيزيدي هنا مثالاً) إلا أن يستقل “مؤخرة” كردستان، فكيف لنا أن نتصوّر عدالة الآخر المختلف، بأن تسمح للإيزيدي ذاته، المغضوب عليه مرتين، مرّة في الدين وأخرى في الدنيا، بأن يكون “رئيساً للدولة”؟
عدالة جوان العادل، لا شكّ أنها “يوتوبيا”، لكنها أكثر من جميلة.
هي، جميلةٌ كأغنية، لاممكنةٌ كحلمٍ، خارجة على كلّ السياسة كلوحةٍ سريالية.
عدالة جوان الجميل، هي عدالة “إفتراضية” من طينةٍ خاصة، كأغنيته، التي كانته، ولا يزال يكونها، رغماً عن أنف السياسة وفقهائها، من أقصى كردستان إلى أقصاها.
شكراً جميلاً، جوان الجميل لعدالتك الجميلة في أغنيتك
شكراً، لأغنيتك الجميلة في عدالتك.
hoshengbroka@hotmail.com
من هنا، لا يمكن لأيّ مواطنٍ من هذا العالم، أياً كانت جهته ك”مواطنٍ صحيح”، إلا أن يكون مع هذه الحملة بمجمل حقوقها، ليس لأنها حقوقٌ سياسيةٌ “ممكنة”، في القادم من سوريا ما بعد الأسد، أو لأنها حقوق “سهلة المنال” في القريب العاجل من سوريا “الصعبة جداً”(قومياً وطائفياً وإقليمياً ودولياً)، وإنما لأنها “حقوقٌ جميلة” فحسب، يُريد لها أهل الجمال، هكذا جميلةً أن تكون.
هي، إذن، على المستوى المنظور من سوريا القادمة، حقوقٌ في “اللاممكن الجميل”، أكثر من أن تكون حقوقاً في الممكن من السياسة.
الكلّ يعلم، أنّ هناك غموضاً لا يزال يلف المشهد السوري، سواء على مستوى الراهن أو القادم.
فحتى هذه اللحظة، لا توجد لدى المعارضات السورية، بمختلف تياراتها واتجاهاتها وتحوّلاتها، والتي هي من المفترض أن تكون البديل القادم للنظام، أية خارطة طريقٍ، واضحة المعالم لسوريا القادمة، حيث تتجاذبها مصالح وحسابات وأجندات إقليمية ودولية مختلفة.
الموجود هو عبارة عن “كليشيهات” سياسية، و”وعود مطاطة”، و”تطمينات حذرة”، و”اعترافات خجولة”، لا تقدم من هذه الحقوق ولا تؤخرها، وخيرُ دليل على ذلك هو انقسام هذه المعارضات على نفسها، التي لم تتفق حتى الآن على خارطة طريقٍ واحدة، للإنتقال بسوريا من “سوريا الأسد” إلى سوريا من دونه، أو سوريا ما بعده.
هذا ناهيك عن الإصطفافات الطائفية والقومية والقبلية المكشوفة، التي تشهدها سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، في الخامس عشر من آذار الماضي.
والحال، نحن أمام سوريا قادمة، لن تكون سهلةً كأغنيةٍ جميلة، كما قد يُتوقع.
السوريون، لا يزال أمامهم الكثير من “القومية الصعبة”، وا”الطائفية الصعبة”، و”القبلية الصعبة”، و”الإنتقام الصعب”، فضلاً عن التدخلات الإقليمية والدولية الصعبة، التي ستهدد كلّ إمكانية، من شأنها تجعل هذه الحقوق العالمية، حقوقاً سهلةً وممكنة.
فالطريق إلى هذه الحقوق، ليس مفروشاً بالورد، على أية حالٍ، كما قد يُعتقد، وإنما هو محفوفٌ بالكثير من مخاطر القومية والقومية المضادة، والطائفية والطائفية المضادة، والحزب والحزب المضاد.
الطريق إلى سوريا القادمة، والحالُ، لن يكون مُعبّداً بهذه الحقوق العالمية، التي حُرم منها الشعب السوري، طيلة زمانٍ كثيرٍ مضى، كسائر الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة.
الطريق إلى “سوريا الحرية والعدالة والمساواة”، كما يريد لها أهل هذه الحملة الكردية(الفنية بإمتياز) أن تكون، سيكون على الأرجح، محفوفاً بالكثير من الحق والحق المضاد، ناهيك عن حفافه بالكثير من الباطل والباطل المضاد.
لكنّ ما لفت انتباهي في هذه الحملة الجميلة، هو “يوتوبيا” الكبير جوان حاجو الجميلة، كفنه الجميل وعناده الأجمل، الخارج على كلّ قديمٍ، إذ يؤسس لعدالةٍ جميلة، أقل ما يمكن أن يُقال فيها، هو أنها “عدالةٌ فنية”، غير ممكنة، من قبيل”اللامفكر فيه”، ليس سورياً فحسب، وإنما على طول الشرق وعرضه أيضاً.
جوان الجميل في فنّه، كما في عدالته، يقول في سياق دعمه لسوريا الثورة:
“العدالةُ، هي أن ينال الكردي الإيزيدي أيضاً حقه، في أن يكون رئيساً لسوريا!”
حاجو، إذ يتعاطى مع عدالته الجميلة هذه، كأغنيةٍ، لا ينسى بالطبع حجم الإيزيديين في سوريا، الذي يكاد يساوي الصفر، أو فوقه بقليلٍ جداً، في السياسة ومعادلاتها الصعبة والسهلة في آنٍ.
هو، لا ينسى، تعداد الإيزيديين(وهو الذي عاش بينهم وعاشرهم كواحدٍ منهم)، كأقلية دينية لا ثقل لها، سورياً، في المعادلات الطائفية أو ما دون الطائفية أو مافوقها.
هو، إذ يطالب بعدالته هذه، الخارجة على كلّ السياسة، كفنّه، لا ينسى بأنّ الإيزيديين المهمشين في التاريخ كما في الجغرافيا، همشتهم السياسة وأخواتها أيضاً، ولا تزال.
هو، إذ يغني للعدالة/ اليوتوبيا، في سوريا القادمة، على طريقته الخاصة هذه، التي عوّدنا عليها طيلة عقودٍ من فنه الجميل، الخارج عن تقليد الماضي، والذي لا يشبه أحداً إلاه، إنما يريد الغناء لسوريا وطناً لجميع أبنائها، على أساس المواطنة، بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وآيديولوجياتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية.
جوان الجميل، إذ يغني للعدالة السورية القادمة، إنما يغني لسوريا “غير ممكنة”، أقل ما يمكن أن يُقال فيها، هو أنها “سوريا شبه مستحيلة”، لا وجود لها، لا الآن ولا بعده، في راهن السياسة وممكنها.
ما يريده حاجو الجميل كأغنيةٍ، لسوريا أن تكون، هو “يوتوبيا” جميلة، لا بل جميلة جداً، فيها من الفن أكثر من السياسة، ومن الخيال أكثر من الواقع، ومن الحلم أكثر من الحقيقة، ومن اللاممكن الجميل، أكثر من الممكن القبيح.
أقول كلّ هذا وأنا أعرف الجميل جوان، حق المعرفة أنه يريد لهكذا عدالةٍ أن تكون، فقط لأنه فنانٌ اختار لنفسه مكاناً جميلاً، لا يمكن أن يكون فيه للسياسة أيّ محلٍّ من الإعراب، ولا بأيّ حالٍ من الأحوال.
كان بودّي أن أهمس في أذن الجميل جوان، وهو الأعز الأكثر من صديقٍ، والذي لم أشكّ يوماً في عناده الفني الجميل، الأكبر من كلّ سياسةٍ، لأقول: “إذا كان ليس للكرديّ إلا الريح”، كما قالها الجميل الراحل محمود درويش، يوماً، ف”لن يكون للإيزيدي إلا ريح الريح”.
أما إذا كانت مشكلة الكردي في التاريخ والجغرافيا، وفي ما بينهما من سياسةٍ مشكلةً في “قبض” الريح مرةً واحدة، فإنّ مشكلة الإيزيدي (الكردي الأصيل) مع القبض عينه، والريح عينها، هي مشكلةٌ مرتين وأكثر: مرّةً مع الريح، في كونهم “أكراداً من أهل كردستان”، وأخرى في كونهم “أكراداً من أهل الشيطان”.
كذلك الأمر يمكن سحبه على عدالة جوان الجميل الأكثر من جميلة، حيث يمكن إعرابها، سورياً، كأختٍ لليوتوبيا مرتين: مرة عربياً، بإعتبار أنّ سوريا لا يمكن لها إلا أن تكون “جمهوريةً عربيةً” محكومة ب”الأغلبية العربية”(كما قالها رئيس المجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون، ذات مرّة)، وأخرى كردياً، بإعتبار أنّ “كردستان سوريا” لا يمكن لها إلا أن تحذو حذو شقيقتها الجنوبية، “مثلها الأعلى”، أيّ كردستان العراق، التي ليس فيها للإيزيدي إلى “مؤخرتها”، كما هو حاصل، منذ حوالي عقدين من الزمن.
فالإيزيدي (مثله في ذلك مثل الفيلي والكاكائي والشبكي)، الذي يسمى على مستوى الفوق الكرديّ ب”الكردي الأصيل”، وليس له إلا كردستان، كوطنٍ في الدين كما في الدنيا، هو في كردستان الآن، كرديٌّ مشكوكٌ فيه، مغلوبٌ على أمره، مقصوص الجناحين، مربوط اللسان، يتبع ولا يُتبَع، ولا يصلح إلا لركوب “مؤخرة” كردستان، حزباً ودولةً ومؤسسات.
لهذا ولأشياء أخرى كثيرة، قبل أن نغني لعدالةٍ جميلة في المكان الجار، علينا أن نغني لها(وإن على سبيل الإفتراض) في المكان الدار.
فهل هذه العدالة الجميلة، في كردستان الآن، حيث الوطن النهائي للإيزيديين، هي عدالةٌ قريبةٌ وممكنة؟
الجواب، هو طبعاً لا..ولا جازمة.
ف”عدالة” كردستان الآن لا تحجب عن “أكرادها الأصلاء”، كل شيءٍ اسمه فوقٌ، كفوق القضاء وفوق البرلمان، وفوق الحكومة، وفوق المخابرات، وفوق الحزب، وفوق الدولة فحسب، وإنما تحجب عنهم أيضاً، كلّ ما من شأنه أن يكون الإيزيديون حقهم في إدارة مناطقهم ذاتياً بأنفسهم.
إذا كانت “عدالة” الكرديّ لا تسمح لأخيه “الكردي الأصيل”(الإيزيدي هنا مثالاً) إلا أن يستقل “مؤخرة” كردستان، فكيف لنا أن نتصوّر عدالة الآخر المختلف، بأن تسمح للإيزيدي ذاته، المغضوب عليه مرتين، مرّة في الدين وأخرى في الدنيا، بأن يكون “رئيساً للدولة”؟
عدالة جوان العادل، لا شكّ أنها “يوتوبيا”، لكنها أكثر من جميلة.
هي، جميلةٌ كأغنية، لاممكنةٌ كحلمٍ، خارجة على كلّ السياسة كلوحةٍ سريالية.
عدالة جوان الجميل، هي عدالة “إفتراضية” من طينةٍ خاصة، كأغنيته، التي كانته، ولا يزال يكونها، رغماً عن أنف السياسة وفقهائها، من أقصى كردستان إلى أقصاها.
شكراً جميلاً، جوان الجميل لعدالتك الجميلة في أغنيتك
شكراً، لأغنيتك الجميلة في عدالتك.
hoshengbroka@hotmail.com