الأسود في الشهر العاشر

دلور ميقري

تاجُ الوريث:
ذات مرّة، سخرَ الفرنسيون من أمبراطورهم الجديد، لويس بونابرت، عبْرَ رسم كاريكاتوريّ، يمثله وهوَ يُحاول وضعَ تاج عمّه، نابليون، على رأسه: ” يبدو أنّ رأس عمّي كان كبيراً “، يعترفُ مُحْبَطاً ـ كما يقول التعليقُ المرفق بالرسم.

أصلُ المسألة:

التوريث ليسَ مشكلة، بحدّ ذاته؛ طالما أنّ المشاكلَ موَرّثة بدورها.
الحكمة المؤبّدة:
” المؤامرة مستمرّة “، يُكررها الحاكمُ بأمره المرّة تلوَ الأخرى.


ما يفتأ حُكمُهُ مؤبّداً، ( هكذا يعتقدُ هوَ، على كلّ حال )، ستبقى تلك الحِكمَة خالدة، أبداً.
الجريمة:
العيبُ، بحسَب العقلية القروية، لا يكمن في فعل العيب؛ بل في نشره على الملأ، لينتقلَ من قرية لأخرى.
الفضائيات، في عالم المدنية اليومَ، ترتكبُ جريمة أمضّ من العيب؛ حينما تذيع ذاكَ العيب، القرويّ، على أثيرها المتنقل من بلدٍ إلى آخر.

المُحقق:
المدينة التي ازدهر شأنها، وصارت قرية كبيرة، لم يلبث المقدورُ أن ابتلاها بمصيبة داهمة: قاتلٌ سفاحٌ، دأبَ بدم بارد على سفك الدم الحارّ لضحاياه.

وبالرغم من أن تلك الجرائم كانت علنيّة، فقد أصرّ كثيرون على كون القاتل مجهولاً.
لحسن الحظ، فإنّ مدينة بعيدة اقترحت تقديم العون لأهالي القرية الكبيرة، في محاولة الكشف عن ألغاز القتل المتسلسل، المستمرّ لعدة أشهر.
” لقد تخلصنا من قاتل محترفٍ، رَوّعنا مطوّلاً، حينما أرسلناه بصفة ” مُحقق ” لتلك القرية الكبيرة، المنكوبة “، راحَ سكان هذه المدينة البعيدة يقولون بخبث.

من كتاب ” كليلة ودمنة “:
يُحكى أنّ الغابة ثارت يوماً على أسَدِها، فما كان من هذا الأخير سوى الدعوة لاجتماع عائليّ.
” هذه الغابة، المورّثة لي، كانت حتى الأمس مثالاً للطاعة “، استهلّ الأسدُ القولَ بتأثر ثمّ أضافَ ” فلا بدّ، والحالة كذلك، من الاعتقاد أن مؤثراً ما، خارجياً على الأرجح، هوَ وراء القلاقل الأخيرة “.
العائلة، حبّذت أيضاً رأيَ عميدها، مُقترحة ً عليه من ثمّ أن يُزيدَ حصتها في الطرائد والفرائس.

بُعيدَ انفضاض المجلس، استدعى الأسدُ الثعلبَ ليبلغه بما تمّ الاتفاق عليه عائلياً: ” يا وزيري الحكيم، ها أنتَ ذا في صورة الوضع.

فهل لديك من مَشورةٍ ما، نافعة، تستطيع إفادتنا بها “.

الوزيرُ، بقيَ لفترة على إطراقته، حتى جعلَ ملك الغابة ينفخ مُتضجراً، نافدَ الصّبر.
” مولايَ الملك “، بدأ الثعلبُ الكلامَ عندئذٍ، ” بل أنا أرى أن تخرجَ على رعيّتك غداً، لتبشرهم بتقليص حصّة العائلة من المغانم.

وبالمقابل، سترفق ذلك، عملياً، بزيادة عدد الطرائد والفرائس “.

استغربَ الأسدُ من هذا الاقتراح، واجداً فيه تناقضاً مُبيناً: ” ذلك معناه إثارة العائلة ضدّي، وفي آن، عدم تحقيق مطالب الرعيّة بتقليص الصّيد، العشوائيّ ؟ “
” يا مولانا، بما أنّ سبباً خارجياً هوَ أصلُ هذه الثورة، فالمهمّ الآن ألا يستغلّ أسود الغابات المجاورة وضعنا الحَرج لكي يتدخلوا في شؤوننا الداخلية “، أجابَ الوزيرُ.

بدوره، أطرق ملكُ الغاب برأسه مُطوّلاً قبلَ أن يفتح شدقه المُريع: ” فهمتُ عليكَ، أيها الثعلب المخلص “.
عشرة أشهر، على الأثر، وحضرَ الوزيرُ إلى عرين سيّده.

فلاحظ ثمة، أمام المدخل، أنّ أكوامَ العظام المتراكمة قد أضحت بحجم تلّ كبير، فهز رأسه بحركة تدلّ على الأسف.

فما أن مثلَ في حضرة الأسد، حتى بادره هذا بنبرَة متوجّسة: ” أعدادُ الضحايا لدينا، تزداد بشكل غير عاديّ.

والمؤامرة الخارجية لم تهدأ، بل إنها تستعرّ أكثر باقتراح جديد؛ وهوَ أن يحلّ أحدُ الحاشيَة بمحلي على رأس الغابة “
” من الطبيعي أن يزداد عددُ الضحايا، ما دام أهلكَ لا يعرفون الشبَعَ “
” وأنتَ أيها الثعلب النتن، المتطاول على أسيادك، ألستَ جشعاً مثلهم ؟ “، تساءلَ الأسدُ بغضب ثمّ استطردَ مُنذراً ” ولكنك غيرَ قلق، على ما يبدو، بشأن المؤامرة الخارجية ؟ “.

في اليوم التالي، مرّ ملكُ الغاب من أمام ذاك التلّ، المرفوع من عظام ضحاياه.

ثمة، في قمة التلّ، كانت تتكوّم أشلاء الوزير السابق: ” لم تفِدني، أيها الماكر، لا برأيكَ ولا بلحمكَ “، خاطبَ الأسدُ بتشفٍ ما تبقى من آثار الثعلب القتيل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…