من هؤلاء الرجال ذلك المتثقف والمتثاقف الوطواطي الذي يكون أفضل فترة للطيران لديه والخروج من وكر قذارة أفكاره هي الأجواء المغبرة والضبابية فهو يشكل مع السياسي الانتهازي والنفعي لوحة رمادية واحدة لا ترتاح لها النفس والعيون وتثير السخرية والضحك هذه الأيام .
فطوبى للذي يفكر ويعمل بجد ويناصر قضايا قومه وإنسانيته فنخر له ساجدين ومسكين من يفكر بمشاعر ووجدان مشلول ونحن له من الداعين .
لقد ثبت بأن المتثاقف في الوجدان والضمير أخطر من الجهل وعدو لدود لما حوله ويصبح عثرة في طريق التقدم عندما يعد نفسه في صفوف المثقفين وليس لديه فكر ولا ثقافة وعدو القراءة والكتابة وليس له رسالة بذاتها تجاه ما يدور حوله ولا أحد يعيره الانتباه والاهتمام .
فبدلا أن يسعى لنقده الذاتي وتجاوز نقاط ضعفه والوقوف عليها يقوم بتشهير غيره للتقليل من شأنهم وخاصة الشباب في حراكهم المجيد وأصحاب الأقلام الذين لهم رسالة .
العجب والغرابة أن يبقى سلوك تلك الفئة كما الأمي المتخلف والسلف المدمر ونحن نقر بأن أغلبية المجتمع الكردي لم يتحرر بعد من هيمنة زبالة الفكر المبتذل والايديولوجي والثقافة البالية ومنهج التحزب والولاء للخصوصية الذي انتهى مدة صلاحياته ولا نزال نعيش حياة الرتابة وحالة الأمية المقننة والمقنعة في مختلف الجوانب الحياتية ولا نقصد تماما أمية القراءة والكتابة بل أيضاً أمية الفكر والوجدان وثقافة التعامل والتفاعل والسلوك الجمعي واكتشاف الذات وأمية العصر من المعارف والعلوم والتقانة ..الخ هذه المظاهر المتخلفة المشبعة بأمية العصر ما زالت تخيم على كيان المجتمع الكردي و تشكل العامل الأساسي في التخلف العام والتعثر للنهوض من أجل التقدم والتغيير والارتقاء نحو الأفضل هذا من جهة وإذا ما أخذنا بالمقاييس القديمة لمعنى الأمية أيضاً يمكن القول إن الكرد من أكثر الشعوب أمية في المنطقة فهم لا يقرؤون الكتاب كثيراً ويكرهون الثقافة المكتوبة إلى حد بعيد وخاصة الفئة المتعلمة والتي تدعي النخبة زوراً باستثناء عدد قليل جدا قد لا تصل نسبتهم إلى 1% من المجموع العام من جهة أخرى.
فهناك فئة متثاقفة خريجة الشارع العام وواثقة من نفسها إلى حد الغرور ولا تمتلك من الفكر والمعرفة والثقافة إلا الندر اليسير حيث جل ثقافتها العامة عندية وشفاهية وملمومة من بين زبالة الآخرين ومشوبة و متداخلة ومركبة من ثقافات كثيرة (كوكتيل) انتهت مدة صلاحية أغلبها منذ زمن ولم تفد الكرد في حياتهم العملية بشيء واغلب الظن أنها سبب بؤسهم وشقائهم إلى هذا اليوم .
تلك اللوحة أعلاه هي برسم البيع”ببلاش” وهي لوحة رمادية لشخوص وثقافة اغتربت عن واقعها تزعم بتناولها الثقافة وتعكس واقع وحقيقة المتعلم أو المثقف الذي يتناول الثقافة وليس منتجا لها (المثقف بفتح القاف الذي هو غير المثقف بكسر القاف حيث الأول اسم مفعول والثاني اسم فاعل وشتان بين الفاعل والمفعول) ويتواجد هذا النموذج بكثرة في المجتمع الكردي من أصحاب الشهادات العلمية والمهنية العالية.
تلك اللوحة بألوانها تشبه إلى حد كبير لوحة السياسي البائس في أعلى المستويات وقد دخلوا معاً إلى عالم الأمية المقنعة بإرادتهم وتتجلى في مظهرها مفردات وألوان باهتة منها الفكر السلفي والمجرد والاغتراب عن الواقع وحقيقة الكردايتي وفرط الأنانية والمنهج النفعي الأناني وعدم مجاراة العصر والبلادة في حل المشاكل والتسكع السياسي والتنظيمي والأنا القزمة وتكريس الجبن والاحتراف في فنون المكر والفجور والتضليل والكلام الزائد عن اللزوم والتدخل في شؤون الداخلية للغير والوهن والوهم بالوصول إلى أعلى درجات العلم والمعرفة والثقة المفرطة بالذات في كل مسائل الحياة والانعزال عن المجتمع واحتراف ثقافة العبودية والميل نحو نزعة الاستسلام والفوضى المنظمة والهروب من النقد وخاصة الذات.
هذه هي الألوان الرئيسية في تكوين اللوحة المعروضة للبيع وهي الآن تزين الساحات والشوارع وتحتل واجهة المحلات والدكاكين الثقافية والفكرية حالياً وتعيش في عصرها الذهبي لما تتوفر لها من بيئة طبيعية من الحرارة والضوء والماء والتراب .
الآن وفي الواقع الراهن تعيش تلك الشخوص أفضل أيامها وكل الشروط والظروف ملائمة لنموها وتكاثرها كما الفطر في شهر نيسان فلو لم يكن الأمر كذلك ربما كان وضع الكرد أفضل مما هم عليه ومما زاد في الأمر سوءا هو وجود مقود عربة الكردايتي بيد نظير هؤلاء في الطرف الآخر من السياسة وأنصاف السياسيين وهي فئات تضع نفسها أوصياء على المجتمع وتدير شؤون الثقافة والسياسة بمقاييس خارج العصر كما السلف لا بمنطق وقواعد الثقافة المنتجة وفقه السياسة الحديثة التي تتخذ من منطق العلوم التجريبية منهجاً لها.
للأسباب المركبة أعلاه وأخرى موضوعية لا تزال عربة الكرد تتعثر هنا وهناك ومغروز في مستنقع النموذج المتطفل بلا محرك ومعطلة أغلب أيام السنة فهي تحتاج إلى الدفع (الدفش) ولا من مستجيب حيث الدافش والمدفوش في ركون أزلي وأصبح الدافش مادة دسمة للتهريج به وموضوع النقد وما كل ما كتب عن هذه الأزمات والعلل في جسم الحراك العام وغياب الفعل والنشاط الميداني من كل الجوانب والواقع المعاش لخير دليل على صحة القول.
خلاصة القول: نقر ونعترف أنه ليس كل ما يعانيه المجتمع الكردي من مآسي وتشتت سببه السياسة والسياسي فقط والآخرين أبداً بل يتحمل ثلثي الوزر والإثم رجال الثقافة إن وجدوا.
هنا حضر إلى الذاكرة قول المرحوم أوصمان صبري الذي كنا في استضافته ذات يوم حينها قال: حذاري من أن يقودكم أيها الشباب رجال ليس لهم عهد ولا وعد ..
يتصفون بالمكر والخداع … يفترون على شعبهم ويقولون ما لا يفعلون وهم أشبه بـ ……..وقال كلام آخر لا يباح به هنا.