الحوار جميل… ولكن اي حوار؟

 فوزي الاتروشي *

   الحوار سلوك حضاري جميل لا احد يحيد عنه، وحتمية انسانية راكمها واغناها التاريخ البشري وتغنى بها ونشرها كل المفكرين والفلاسفة والمبدعين.

ولكن للحوار بيئة واسس ومناخ ودرجة حرارة مناسبة تنمو فيه وبدون ذلك يكون قبض ريح وشعارا يثير الضحك.

فهل ثمة حوار بين الدبابة والصدور العارية الا من نزيفها، وبين القاتل والضحية والذئب والحمل الوديع؟ هل ثمة حوار بين اطفال يحلمون بالبشائر والحلوى والحرية وجنود مدججين بالذخيرة الحية, ام ان الجرح يمكن ان يتحاور ويتسامح مع السكين.
   هذا هو الحوار العجيب الذي يدعو اليه حراس الفكر الواحد والحزب الواحد في سوريا بعد ان اختزلوا الوطن في حزب هو اصلا مختزل في شخص واحد وبعد ان جردوا القومية الثانية في سوريا وهي القومية الكردية من الجنسية، والغوا على الورق انتماءها الى الارض التي ولدوا وترعرعوا عليها.

   انطلقت جمعة (لا حوار) في سوريا لا كرها بالحوار ولا حبا بالمواجهة الملحة عوضا عن السجال والنقاش.

شعار (لا حوار) مغزاه ان النظام السوري لايتحاور من اجل الحل والاعتراف بالخطيئة والتنازل عن ارث الغرور، بل من اجل اطالة امد الحكم وبدء مرحلة الترقيع وردم بعض الثغور الشكلية واجراء عملية تجميلية لا تمس الا الجلد الخارجي ولا تدخل في الخلايا والمسامات حيث يكمن القيح والجرح الغائر وهشاشة العظام.
    لم ينجح النظام في ان يجعل الحوار حقيقة على الارض  لانه غير مصمم الا على شيء واحد هو البقاء لاطول مدة ممكنة انتظارا لمعجزة تنقذه من الهلاك.

لذلك جاءت الحوارات في الداخل لتكوين الصورة المتلفزة ولاشغال الاعلام العالمي ولو لساعات بحوار يقال انه المطلوب فلماذا اذن تتواصل الاحتجاجات؟ ولان الشارع السوري بلغ درجة الغليان ولكون المعارضة الاساسية في الداخل والخارج ترى الحقائق المفزعة يوميا من قتل وضرب واعتقال في ظل منع اي منبر اعلامي او منظمة حقوقية ذات مصداقية لمعاينة الواقع والتحري والتقصي، لذلك اصبح الكلام عن الحوار نكتة مرة يتداولها الجميع وادت الى خفض مضاعف لسمعة النظام وصدقيته على المستوى العالمي.
   الحوار، يامفكري حزب العصرنة والتحديث يكون اولا بسحب العسكر من المدن ووضعه على الحدود حيث مكانه الطبيعي، وسحب قوى الامن وما أكثرهم بالملابس المدنية من مفارق الطرق، والايعاز للشرطة بان المظاهرات احد حقوق المواطنة وليس جريمة تستوجب المطاردة.

هنا يكون الجو قد تهيأ والسحب تكون تناثرت ليبدأ الكلام والبحث عن حلول من موقع الندية وتساوي الاطراف في القوة والحجة وحرية الطرح دون ضغوطات.

وفي هكذا حوار باشراف جهات حقوقية محايدة وبحضور الاعلام العالمي وشهادة الجهات الدولية ذات العلاقة يكون للحوار مغزى ويكون لشجرته غصون وثمار.

ثم ان الحوار لن يكون حول الشكل والنتوءات الصغيرة والزعانف و(الاخطاء والهفوات) التي ارتكبها بعض رجال الامن دون رغبة من (الزعيم القائد).

بل سيكون حوارا في الصحف والفكر وفي تاريخ حزب يريد ان يلغي شعبا وقضية ويحتكر الوطن كملكية خاصة، وسيكون حوارا يمتد الى الدستور والقانون ومجمل النسيج السياسي الحاكم على مدى عقود حتى تحنط وفقد اهلية الأستمرار، وتكلس فلم تعد له رئة يتنفس هواء العصر واعتراه الغباء فتناسى ان زمن الانترنت والفيسبوك يقتحمه ويعريه امام الكاميرا من حيث يدري ولا يدري.

وهكذا حوار لن يقبله النظام السوري لانه الحوار الذي يحمل بشائر موته واضمحلاله الى الابد.

* كاتب وسياسي كردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…