الكرد السوريون واستحقاق المرحلة القادمة

د.

آلان كيكاني

لا حق لمن لا قوة له , والقوةُ الحقُ … هذه العبارات ثقيلة على الأذن ولكنها أثبتت صحتها منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا , والحديث عن الحق والعدالة والمساواة هو صنيع خيال الشعراء والكتاب وأحلام الضعفاء والمقهورين على سطح الأرض الذين لا حول لهم ولا قوة , فالقوة حكمت وتحكم في السلم والحرب وإن تغير مفهومها في كثير من الأحيان , فمن غير الضروري أن تتأتى القوة من البندقية والدبابة بل قد تأتي من الوحدة والتكاتف والتعاضد , في الشارع , أو في صناديق الاقتراع ووحدة الكلمة , أو تكون اقتصادية أو ثقافية وذلك طبقاً للعصر الذي عاش فيه الإنسان .
 صفحات التاريخ , القديم منه والحديث , مليئة بشواهد تأكد صحة ما نذهب إليه , ففي القديم كثيراً ما تعرض الآمنون في بيوتهم لغزوات وقتل وسلب ونهب وسبي بذريعة نشر رسالة الله على الأرض , وفي العصور الوسطى كان المد الاستعماري للغرب القوي في العالم الضعيف يتحجج بنشر الوعي والثقافة والإنسانية المبطنة بالتبشير بالمسيحية , ومن ثم حاول الشيوعيون الانتشار باسم السلام والتقدم وأعقبهم الأمريكيون  بحجة بث الديمقراطية ونشر الحرية وثقافة حقوق الإنسان ..

على أن المحرك الكامن خلف كل هذا التمادي عبر التاريخ كان القوة وليس غيرها , فلم يُعرف عن ضعيف غزا , أو استطاع الحفاظ على ملكه , ولم يثبت التاريخ أن أمةً غزت أمةً أخرى لتصلح شؤونها وترقي بأحوال رعيتها وإنما غزت الأممُ الأممَ لتستعبدها وتستحل أرضها وعرضها .

لسان حال المنطق السياسي يقول دائماً : لا تحدثني عن استحقاقاتك بل حدثني عن قدرتك على نيل هذه الاستحقاقات والحفاظ عليها فإذا كنت عاجزاً عن هذا فلا حق لك , ومن الأولى لك أن تصمت , وإلا سوف تعاني الويلات فقد امتنع الفلسطينيون عن الصمت وهم على ما كانوا عليه من الضعف والانقسام وتصدع الصف فكان ما كان في شأنهم .

ووفق هذا المنطق فالكرد أولى بالصمت من جميع شعوب العالم التي لها  قضية عادلة تنتظر حلاً , لأنهم باختصار لم يكونوا في وضع قوي في التاريخ المنظور كي يستحقوا حقوقهم وينالوا مستحقاتهم .

وضعفهم على مر التاريخ لم يكن وليد تقاعسهم عن مطالبتهم بحقوقهم بل كان وليد تفككهم إلى احزاب وتيارات سياسية متناحرة لأسباب جلها كانت شخصية وليست أيديولوجية .
إن الأمر لا يحتاج إلى تفكير عميق لأن يستنتج المرء أن أياما عصيبة هي الآن في طريقها إلى سورية , ستنهار فيها الدولة ويحدث فيها فراغ في السلطة وفقدان في الأمن أكثر مما هو عليه الآن , هذا إن لم يتطور الأمر إلى حرب أهلية تحصد أرواح الآلاف بل عشرات الآلاف من الأبرياء , لا سمح الله , ويتم فيها نهب للممتلكات وانتهاك للأعراض , وأن هذه المرحلة القادمة تحتاج إلى عمل جاد لحماية الكرد ونيل حقوقهم والمساهمة في ترتيب البيت الوطني السوري وفق مقاييس جديدة أكثر حضارة ومدنية .

 والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو هل يحسب الكرد السوريون لهذه الأيام بحكمة ؟ وهل من استعداد لذلك ؟ بالتأكيد لا , فواقع الانشقاق والشرذمة والفرقة لا يزال سيد الشارع الكردي في سورية , والأنكى أنه لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ فيه عن حزب أو كيان أو تجمع جديد في وقت يحتاج فيه الكرد إلى التماسك ووحدة الصف والموقف , فما اجتمع ثلاثة أكراد إلا وفكروا بتشكيل حزب ومن ثم تتراكم الأحزاب لتشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الإنسان الكردي بدل من أن تكون أداة لإيصاله إلى تحقيق هدفه في العيش بكرامة وعلى قدم المساواة مع أخيه العربي .
لا ريب أن امتحاناً صعباً ينتظر الكرد السوريين قريباً كما هو ينتظر السوريين عموماً , وهذا الامتحان لم يتم التحضير له بشكل جيد ومسؤول , فلا دراسة متعمقة ولا علاقة مميزة مع المعلم أو المدير القادم ولا حتى قدرة على الغش في سلوة لمراقب الامتحان , وهذا لا شك أمر مؤسف وسيدفع الكرد السوريون ضريبته غالياً , وقد يكلفهم العودة إلى المربع الأول ولسان حالهم يقول : وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.


تحقيق الحق الكردي يتطلب من الكرد لملمة أطرافهم وتجميع قواهم  وابتعادهم عن الفوضى السياسية والأنانية وتقديم المصلحة القومية على المصلحة الحزبية الضيقة وإيثار الشأن العام على المنفعة الشخصية الأضيق , وبغير هذا سوف لن يرحمهم التاريخ في المستقبل كما لم يرحمهم في الماضي .
لا زلت أؤمن أن الوقت لم ينته بعد , وأن هناك المزيد منه إن حاول الكرد إصلاح ذات البين وعدَّ العدة للأيام القادمة والاستعداد للاختبار الحاسم , فإما النجاح , وإلا الرسوب .

وفي حال الرسوب ما على الكرد إلا أن يلوموا أنفسهم ويجلدوا ذواتهم ولا يلعنوا الظروف ولا يشتموا المتربصين والمتشفين ممن لا يتمنون لهم الخير والنجاح .

” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم “.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…