إحدى الاشكاليات التي تظهر بين الفنية والأخرى بين الحركة الوطنية الكردية في سوريا ، أو التي تظهرها هي ، مازالت عالقة منذ ما يقارب الاربعين عاماً ، وما زال شعبنا الكردي بمثقفيه وكتابه وأكاديمييه بعيدون عن معالجة تلك الإشكالية بمنطق علمي وجدل فكري قد يصلوا إلى ايجاد حلٍ لتلك الإشكالية إذا ما بحثوا في معالجتها ، وكإن هناك هوةً بين الحركة السياسية الكردية ، ومجموع المثقفين الذين باتوا في قوقعةٍ تشتم منها رائحة الانتهازية
وما أقصده بالمثقفين ، ليس اولئك كتاب المقالات اليومية ، أو الاسبوعية أو المناسباتية ، بل أقصد اولئك المثقفين الاكاديميين الذين بينهم وبين ابجديات الفكر رابطةً قوية ، اولئك الذين نهلوا من الدراسات والعلوم الانسانية ثقافتهم ، وكإن المسألة لا تعنيهم ، فهم بذلك يتخلون عن إحدى إشكاليات الحركة السياسية الكردية ، في موضوعٍ يدخل في إطار منهلهم الاكاديمي ، تاركين فصائل الحركة السياسية الكردية تتقاتل على الاختلاف في تفسيراتهم لها ألا وهي موضوع ، الشعب والارض والاقلية ، وقد نشرت بحثاً قصيراً عن الموضوع نفسه بعنوان مفهوم – الشعب – وتطوره التاريخي ، في ايار 2006 ونشر في أغلب المواقع الالكترونية الكردية باللغة العربية ، بعد أن طرحت الحركة السياسية الكردية رؤيتين ، على أمل – مثلما ذكرت في المقدمة – أن تجعل الحركة الكردية منها هدياً وتتخلص من صراعها فيما بينها على الوجود القومي الكردي أو على وجود الشعب الكردي كقومية ثانية في البلاد ، وطرحت حينئذٍ مقولة الشعب الكردي الأصيل ، أي الوجود الأصلي للشعب الكردي في سوريا ، استناداً الى القانون الدولي .
وأعود ثانيةً لأكرر، بما ان الموضوع قد ترك من قبل المثقفين الاكاديميين الى الحركة السياسية الكردية ليتناحروا على التفسير، أقول بان الكتابة فيها وخاصة بعد أن نشر الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا في العدد 494 من جريدته المركزية – التقدمي- ورد لجنة التنسيق الثلاثي المؤلفة من تيار المستقبل الكردي وحزبي آزادي ويكيتي الكرديتين ، بان الكتابة في الموضوع هو أمر وبالتأكيد سيلاقي استهجاناً من إحدى الطرفين ، ومن الكثير من المتابعين ، ومع ذلك أعتبر الكتابة في ذلك الموضوع ، أفضل من الانطواء والانزواء في زاويةٍ عفنة ،لا بل انما هو واجب وطني وانساني كون المواضيع الفكرية تخص البشرية جمعاء .
لنعود أربعين سنة الى الماضي من تاريخ الحركة الكردية ، في حينها كان الحزب الديمقراطي التقدمي يعتبر الأكراد في سوريا أقلية ، ليس بمعنى انهم مهاجرون من الشمال الى الجنوب ، بل كان يعتبر ذلك مقابل الاكثرية حيث العرب ، وكانت فصائل الحركة الكرية تنهال على الحزب المذكور، وتصفه بكل ما هو غير وطني ، معتبرين إن الكرد في سوريا شعباً ، وكان القصد من الشعب ، انه يعيش على أرضه التاريخية ، معتبراً إن مقولة الشعب الكردي هو طرح كافٍ ، لان كلمة الشعب تشمل الأرض أيضاً .
والإشكالية تكمن في هذه النقطة ، فقبل أربعون عاماً أرادوا من الحزب الديمقراطي التقدمي أن يترك مقولة الاقلية جانباً ويطرح مقولة الشعب ، ولكن منذ عدة سنوات مضت بدأ الإشكال يتجدد – رغم تبني الحزب الديمقراطي التقدمي مقولة الشعب في بدايات الثمانينات – بين الحركة الكردية ، ويظهرفي مقولة قضية – شعب وأرض – ، فلو توقفنا عند هاتين الكلمتين – الشعب والارض – نرى من خلال تلازم الكلمتين بانه لا علاقة للشعب بالارض ، أي إن مفهوم الشعب لا يشمل الأرض ، ولذلك رافقته كلمة الأرض حتى أصبحتا متلازمتين بالضرورة ، بمعنى إن كلمة الشعب منفصلة عن الأرض .
وهنا ألاحظ بانه عندما كان الطرح هو ، الشعب الكردي ، لماذا كان الطرح مقبولاً ، ومعتبراً إنه يعيش على أرضه التاريخية ؟ .
واليوم لا يقبل به إلا إذا تلازم مع كلمة الأرض ؟ لذلك المطلوب من الحركة الكردية أن تعطي تفسيرها للشعب ، وإذا ما كان الاكتفاء بالاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي في سوريا هو كافٍ أم لا .
علماً بانني في مقالتي المذكورة – مفهوم الشعب وتطوره التاريخي – أوضحت بإنه لا علاقة للشعب بالأرض ، فيمكن أن يطلق على مجموعة بشرية ليست على أرضها التاريخية أيضاً بالشعب ، وقد بينت أيضاً رأيي في طرح الجبهة والتحالف وآزادي ويكيتي في رؤيتيها بالنسبة للوجود القومي الكردي ووجود الشعب الكردي كقومية ثانية في البلاد .
ففي رؤية الجبهة والتحالف بالنسبة للاعتراف بالوجود القومي الكردي ، دون أن تلازمها كلمة أرض ، ما يفهم بانهم يعتبرون إن الوجود القومي الكردي يشمل الأرض التاريخية ، وقد جاءت مقالتي المذكورة مخالفةً لتلك الرؤية .
أما في رؤية آزادي ويكيتي ، فقد جاء في المجال السياسي ، البند الأول ، الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي كقومية ثانية في البلاد – وبغض النظر عما جاء في الديباجة أو المقدمة – لكنه أتى خالياً من كلمة الأرض ، وهذا ما يفسر عندهم بان مقولة الشعب الكردي ، يشمل الأرض أيضاً ، وهنا يكمن السؤال : لماذا إذاً طرح كلمة الارض وضرورة ملازمتها مع كلمة الشعب ، إذا كان الشعب يشمل الأرض ؟
وفي نفس الفقرة أرى ان هناك لبساً آخر .
فالاعتراف بوجود الشعب الكردي كقومية ثانية في البلاد ، لا يعني الاعتراف بان الشعب الكردي يعيش على أرض التاريخية .
بل يعني اعتبار الكرد احصائياً من حيث العدد قوميةً ثانية في البلاد .
حيث الاعتراف لا يعود على الملك – الارض – بل يعود الى ترتيبه العددي بين القوميات الاخرى .
وفي هذه المناسبة أدعوا بل أرى إن إزالة مقولة ، كقومية ثانية في البلاد ، هو أمر ضروري عسى ولعل أن يستطيع حزباً آزادي ويكيتي ازالتها ، لانها تحصيل حاصل لايحتاج الى الاعتراف وخاصة إذا ما تم الاعتراف بوجود بالشعب الكردي .
وانطلق مرة أخرى من رؤية آزادي ، في المجال السياسي ألا وهو التالي :
الاعتراف الدستوري بوجب الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد ، وحل قضيته القومية حلاً ديمقراطياً عادلاً .
حيث أرى بان مقولة – حل قضيته القومية – بمعنى ان قضية الشعب الكردي هي قضية قومية ، فهل تعتبر القضية القومية قضية أرض وشعب ؟ إذا اعتبرنا ان القضية القومية هي قضية أرض وشعب فهذا يحيلنا الى رؤية الجبهة والتحالف – وصحتها ضمناً عند ازادي ويكيتي – حيث الوجود القومي الكردي ، يشمل الأرض والشعب .
مما يدل بالنتيجة الانحطاط الفكري في صياغة النصوص ، واتمنى أن تصل فصائل الحركة الكردية بمجملها الى صياغة تعبر عن حقيقة الوجود الكردي لإزالة كل الشبهات والإلتباس والتمسك في طرحهم بالوجود الاصلي للشعب الكردي في سوريا ، حيث ان مقولة الوجود الاصلي للشعوب تعني وجودهم على أرضهم التاريخية .
———-
* دراسات عليا في القانون العام