زارا مستو
بعد أن سيطرت الأنظمة الشمولية الاستبدادية على الحكم في الدول العربية دأبت إلى تغييب المواطن عن المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية بفعل مقصود لاحتكار السلطة والثروة معا.
وحصرت هذه الأنظمة في نفسها مؤسسات الدولة كلها,دون أن يلفت إلى الوطن والمواطن ومعاناته وهمومه وأماله لفتة حقيقية, والمهام الملقاة على عاتقها لمواكبة التطورات,في الميادين كلها, ونتجت عن هذه السياسة آثارا وتداعيات خطيرة على المواطن والوطن معا, غدا المواطن غريبا أسيرا في وطنه, لا يشعر بأي صلة حقيقية إلى الوطن, وفقد المواطن الثقة بالنظام وقوانينه وسياساته,حتى وصل بالمواطن إلى قناعة بأن بقاء الاستعمار كان رحمة, أو هروب من الوطن باتجاه إلى تلك الدول التي كانت تتصف بأنها استعمارية غدا أمنية.
ومن أهم السمات البارزة لهذه الأنظمة:
1- الفساد والاستبداد: اتحدت هذه الأنظمة مع فئات معينة من الشعب لاستمرارها في التسلط والسيطرة, واتسمت بالفساد والاستبداد,يقول الأستاذ نبيل علي صالح(1) :
مجتمعاتنا العربية محكومة بالفساد والاستبداد، ولا تزال تهيمن عليها ثلاث سلطات رئيسية هي :
أ- السلطة الرسمية (الحاكمة) : التي تعمل على تطويع وقسر الفرد ( وبخاصة الفرد المثقف) ، واعتقال فكره وعقله لصالح مقولاتها القبلية بمختلف الوسائل الترغيبية والترهيبية (معنوياً ومادياً) ، كمحاولة شراء ضميره وقلمه، أو محاربته بلقمة الخبز أو بالعزل والاتهام والسجن أو بالنفي..
ب- سلطة العادات والتقاليد الاجتماعية : التي أضحت مع مرور الزمن ديناً قائماً لوحده.
أصبح له دعاته ومناصروه في كل حدب وصوب.
ج ـ السلطة الدينية المزيفة (وعاظ السلاطين) : المتحالفة مع مراكز السلطة السياسية والأمنية من أجل الوصول إلى المصالح الذاتية المشتركة التي لا يمكن أن تتسع دوائرها إلا من خلال الإبقاء على حالة التخلف الفكري والنفسي ، وتكريس واقع التبعية والاستلحاق التي يرزح تحته أبناء المجتمع كلهم(..
انتهى.
2- والدولة أصبحت في ظل هذه الأنظمة تحتل رقما قياسيا في الانتكاس والتراجع في المجالات كلها,وهذا ما أكده الاديب العربي أدونيس في مقالة له(2) “يزداد العرب تراجعاً في كل الميادين – نسبياً وقياساً إلى تقدّم غيرهم – في التربية والتعليم، في النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، في حقوق الإنسان وفي الحريّات الديمقراطية، في السلطة وفي السياسة.
وماذا أقول عن موضوع صيانة البيئة؟ ..، ويزداد العرب تبعية للقوى الكبرى، الاقتصادية والسياسية، بحيث إنهم تحوّلوا إلى مستهلكين، وإلى قوة شرائية استهلاكية، على المستوى الكوني لا مثيل لها، إلى درجة أنهم تحوّلوا إلى «ثروة سوقيّة» هائلة للقوى المنتجة في العالم, ليس للعرب حضور سياسيّ فعّال على الخريطة السياسية الكونية، بوصفهم عرباً؛ وإنما ينحصر حضورهم في كونهم سوقاً، وثروة نفطية.
لهم بتعبير آخر، حضور بوصفهم أداة أو أدوات، وليس بوصفهم طاقة خلاّقة تشارك في بناء العالم” انتهى.
3- شخصنة الوطن والمؤسسات:
هذه الأنظمة تختلف عن الأنظمة الديمقراطية التي تنتخب من قبل الشعب,فإن العاملين في هذه الحكومات والمؤسسات موظفين لدى الشعب, ويعملون لصالحه,أما المؤسسات عند الأنظمة الاستبدادية تنحصر في شخص الحاكم, والشعب ليس مصدر السلطات عمليا, وإنما الشعب ملك لشخص الحاكم, وحتى الوطن يعرف باسمه, والمجد والتاريخ يبدأان به, كل شيء قبله, ليس له معنى, لا معنى للحياة بدون وجود القائد, لا تستمر دونه, يستطيع القائد أن يغير الدستور بجرة قلم, القضاء بيد الحاكم واتباعه, المال العام هو ماله, وتنحدر من هذه الثقافة أحزاب سياسية لا تزال تعمل وفق هذه العقلية, في منطقتنا, بينما الدول الديمقراطية تقوم بمحاسبة رؤسائها وقادتها عندما يخترقون القوانين, ويمتثلون للمحاكم, وهناك أمثلة كثيرة.
4- أبدية الحاكم: الحاكم العربي عندما يستلم الحكم فهو يستلم إما من العائلة أو الحزب, فالشعب منحصر بهما, فهو قدر الشعوب ليس هناك بديل عنه إلا عندما يرحل عنا دون إرادتنا,ليس بمقدور المواطن المطالبة بتغيير الحاكم, فقط الموت يستطيع أن يغيره.
يقول الأستاذ فيصل القاسم في مقاله له(4)”كلنا يعرف أن الإنسان العربي كان محكوماً عليه بمعاصرة زعيم واحد أو اثنين على الأكثر خلال حياته حتى وإن تجاوز عمر المواطن التسعين عاماً، فهو يولد على وقع خطابات الزعيم ، ويتزوج، وينجب أطفالاً، وربما يزوج أبناءه وما يزال الزعيم حاكماً حتى لو كان على فراش الموت غير قادر على التحكم بوظائفه الفيزيولوجية أو فاقداً الوعي منذ سنين”
وإن صمم الشعب على تغييره, فهو مستعد أن يفعل ما يشاء في سبيل بقائه, قتل الآلاف وتدمير المدن والقرى, يقول المفكر السوري طيب تيزيني في تصريح له(5) إن”الأنظمة الاستبدادية تعيش على مبدأ «الأبدية في الحكم أو الموت وتدمير البلاد » ، لافتاُ إلى أن هذه البنية الثقافية للنظام تأسست عبر الممارسة الواقعية والعملية من خلال احتكار الثروة والسلطة والإعلام والحقيقة”.
5- إقصاء المعارضة وتخوينها: ليست هناك المعارضة في ظل هذه الأنظمة, وإن كانت هنالك, فهي معارضة مزيفة من صنيعتها, تقوم بدور معين,فإن هذه الأنظمة طاردت المعارضة ونفتها إلى خارج الوطن أو ودعتها في السجون أو ركعت لها كما تريد, وفق سياستها, لم يبق شيء اسمه المعارضة في هذه الأوطان, فإنّ كل رأي مخالف لخطابها مردها إلى المؤامرة أو إلى تخوين صاحبه, وارتباطه بالجهات المعادية للوطن, فبدل أن تبحث هذه الأنظمة عن الأسباب والعوامل والدوافع التي تعاني منها المجتمعات في المجالات كافة, فإنها تحمل الخارج أو المعارضة الداخلية مسؤولية فشلها, فإن المواطن في ظلّ هذه الثقافة مكبّل بمنظومة هيمنة النظام الشمولي وأدواته, حتى لا يستطيع أن يتحدث عن حفرة أو حادث سير في البلاد دون إذن مسبق.
إن هذه العوامل كلها جعلت الشعوب العربيةتثور في وجه هذه الانظمة الشمولية الاستبدادية, وتكون هي المعارضة الحقيقية, بعد أن وصلت إلى قناعة بأنهذه الأنظمة غير قابلة للإصلاح, ففضّلت إسقاطها وتغييرها,لتبني نظما ديمقراطية تعددية,تحترم المواطن وكرامته, وتحقق له ما تريده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- شامل عبد العزيز “ما بعد الربيع العربي , هل هي الطائفية ؟
الحوار المتمدن – العدد: 3585 – 2011 / 12 / 23 – 10:27”.
2- شامل عبدالعزيز “مابعد الربيع العربي , هلهيالطائفية؟
الحوار المتمدن – العدد: 3585 – 2011 / 12 / 23 – 10:27”.
3- أدونيس”كميا كوردا.
4- فيصل القاسم : الشرق القطرية.
5- ولاتي مه
1- الفساد والاستبداد: اتحدت هذه الأنظمة مع فئات معينة من الشعب لاستمرارها في التسلط والسيطرة, واتسمت بالفساد والاستبداد,يقول الأستاذ نبيل علي صالح(1) :
مجتمعاتنا العربية محكومة بالفساد والاستبداد، ولا تزال تهيمن عليها ثلاث سلطات رئيسية هي :
أ- السلطة الرسمية (الحاكمة) : التي تعمل على تطويع وقسر الفرد ( وبخاصة الفرد المثقف) ، واعتقال فكره وعقله لصالح مقولاتها القبلية بمختلف الوسائل الترغيبية والترهيبية (معنوياً ومادياً) ، كمحاولة شراء ضميره وقلمه، أو محاربته بلقمة الخبز أو بالعزل والاتهام والسجن أو بالنفي..
ب- سلطة العادات والتقاليد الاجتماعية : التي أضحت مع مرور الزمن ديناً قائماً لوحده.
أصبح له دعاته ومناصروه في كل حدب وصوب.
ج ـ السلطة الدينية المزيفة (وعاظ السلاطين) : المتحالفة مع مراكز السلطة السياسية والأمنية من أجل الوصول إلى المصالح الذاتية المشتركة التي لا يمكن أن تتسع دوائرها إلا من خلال الإبقاء على حالة التخلف الفكري والنفسي ، وتكريس واقع التبعية والاستلحاق التي يرزح تحته أبناء المجتمع كلهم(..
انتهى.
2- والدولة أصبحت في ظل هذه الأنظمة تحتل رقما قياسيا في الانتكاس والتراجع في المجالات كلها,وهذا ما أكده الاديب العربي أدونيس في مقالة له(2) “يزداد العرب تراجعاً في كل الميادين – نسبياً وقياساً إلى تقدّم غيرهم – في التربية والتعليم، في النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، في حقوق الإنسان وفي الحريّات الديمقراطية، في السلطة وفي السياسة.
وماذا أقول عن موضوع صيانة البيئة؟ ..، ويزداد العرب تبعية للقوى الكبرى، الاقتصادية والسياسية، بحيث إنهم تحوّلوا إلى مستهلكين، وإلى قوة شرائية استهلاكية، على المستوى الكوني لا مثيل لها، إلى درجة أنهم تحوّلوا إلى «ثروة سوقيّة» هائلة للقوى المنتجة في العالم, ليس للعرب حضور سياسيّ فعّال على الخريطة السياسية الكونية، بوصفهم عرباً؛ وإنما ينحصر حضورهم في كونهم سوقاً، وثروة نفطية.
لهم بتعبير آخر، حضور بوصفهم أداة أو أدوات، وليس بوصفهم طاقة خلاّقة تشارك في بناء العالم” انتهى.
3- شخصنة الوطن والمؤسسات:
هذه الأنظمة تختلف عن الأنظمة الديمقراطية التي تنتخب من قبل الشعب,فإن العاملين في هذه الحكومات والمؤسسات موظفين لدى الشعب, ويعملون لصالحه,أما المؤسسات عند الأنظمة الاستبدادية تنحصر في شخص الحاكم, والشعب ليس مصدر السلطات عمليا, وإنما الشعب ملك لشخص الحاكم, وحتى الوطن يعرف باسمه, والمجد والتاريخ يبدأان به, كل شيء قبله, ليس له معنى, لا معنى للحياة بدون وجود القائد, لا تستمر دونه, يستطيع القائد أن يغير الدستور بجرة قلم, القضاء بيد الحاكم واتباعه, المال العام هو ماله, وتنحدر من هذه الثقافة أحزاب سياسية لا تزال تعمل وفق هذه العقلية, في منطقتنا, بينما الدول الديمقراطية تقوم بمحاسبة رؤسائها وقادتها عندما يخترقون القوانين, ويمتثلون للمحاكم, وهناك أمثلة كثيرة.
4- أبدية الحاكم: الحاكم العربي عندما يستلم الحكم فهو يستلم إما من العائلة أو الحزب, فالشعب منحصر بهما, فهو قدر الشعوب ليس هناك بديل عنه إلا عندما يرحل عنا دون إرادتنا,ليس بمقدور المواطن المطالبة بتغيير الحاكم, فقط الموت يستطيع أن يغيره.
يقول الأستاذ فيصل القاسم في مقاله له(4)”كلنا يعرف أن الإنسان العربي كان محكوماً عليه بمعاصرة زعيم واحد أو اثنين على الأكثر خلال حياته حتى وإن تجاوز عمر المواطن التسعين عاماً، فهو يولد على وقع خطابات الزعيم ، ويتزوج، وينجب أطفالاً، وربما يزوج أبناءه وما يزال الزعيم حاكماً حتى لو كان على فراش الموت غير قادر على التحكم بوظائفه الفيزيولوجية أو فاقداً الوعي منذ سنين”
وإن صمم الشعب على تغييره, فهو مستعد أن يفعل ما يشاء في سبيل بقائه, قتل الآلاف وتدمير المدن والقرى, يقول المفكر السوري طيب تيزيني في تصريح له(5) إن”الأنظمة الاستبدادية تعيش على مبدأ «الأبدية في الحكم أو الموت وتدمير البلاد » ، لافتاُ إلى أن هذه البنية الثقافية للنظام تأسست عبر الممارسة الواقعية والعملية من خلال احتكار الثروة والسلطة والإعلام والحقيقة”.
5- إقصاء المعارضة وتخوينها: ليست هناك المعارضة في ظل هذه الأنظمة, وإن كانت هنالك, فهي معارضة مزيفة من صنيعتها, تقوم بدور معين,فإن هذه الأنظمة طاردت المعارضة ونفتها إلى خارج الوطن أو ودعتها في السجون أو ركعت لها كما تريد, وفق سياستها, لم يبق شيء اسمه المعارضة في هذه الأوطان, فإنّ كل رأي مخالف لخطابها مردها إلى المؤامرة أو إلى تخوين صاحبه, وارتباطه بالجهات المعادية للوطن, فبدل أن تبحث هذه الأنظمة عن الأسباب والعوامل والدوافع التي تعاني منها المجتمعات في المجالات كافة, فإنها تحمل الخارج أو المعارضة الداخلية مسؤولية فشلها, فإن المواطن في ظلّ هذه الثقافة مكبّل بمنظومة هيمنة النظام الشمولي وأدواته, حتى لا يستطيع أن يتحدث عن حفرة أو حادث سير في البلاد دون إذن مسبق.
إن هذه العوامل كلها جعلت الشعوب العربيةتثور في وجه هذه الانظمة الشمولية الاستبدادية, وتكون هي المعارضة الحقيقية, بعد أن وصلت إلى قناعة بأنهذه الأنظمة غير قابلة للإصلاح, ففضّلت إسقاطها وتغييرها,لتبني نظما ديمقراطية تعددية,تحترم المواطن وكرامته, وتحقق له ما تريده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- شامل عبد العزيز “ما بعد الربيع العربي , هل هي الطائفية ؟
الحوار المتمدن – العدد: 3585 – 2011 / 12 / 23 – 10:27”.
2- شامل عبدالعزيز “مابعد الربيع العربي , هلهيالطائفية؟
الحوار المتمدن – العدد: 3585 – 2011 / 12 / 23 – 10:27”.
3- أدونيس”كميا كوردا.
4- فيصل القاسم : الشرق القطرية.
5- ولاتي مه