الإقليميات على طاولة الوليمة التي لم تنضج بعد «سورياً»

أحمد قاسم

ربيع عربي، ام خريف بطقس آخر.

كانت ربيعية المبتغى، تخللتها أجواء من الشتاء القارس احياناً وحرارة الصيف الداكن أحياناً أخرى، وقحالة الخريف في بعض الأحايين.

وذلك بدءً من تونس، ومروراً بمصر، فليبيا واليمن.

أما سوريا فلها طعم آخر، ونكهة أخرى، وأجواء لاتشبه الفصول وتفاصيلها.

     عشرة أشهر، ولم تستقر عليها الرؤى، وكذلك المواقف التي تبدوا متباينة في حدودها القاسية التي تشتم منها رائحة البارود والحرائق والدماء المحروقة.

عشرة أشهر، الناس في الشوارع يقتلون، والمعارضة تتجول بين العواصم فاقدة لبوصلتها التي تخطف كلما تستقر اتجاهها من قبل تجار السياسة والحروب على حساب دماء الشعوب المغلوبة على أمرها.

والنظام البائس اللا وطني تتوصل للعواصم الكبيرة، يعرض نفسه للمساومة من أجل البقاء ولو كلف ذلك فقداناً للسيادة الوطنية وقدسيتها عند الشعب الذي انتفض من أجل الحرية والكرامة.

 

     واكبت المجتمع الدولي أحداث سورية بتفاصيلها في وسط فقدان لوسائل الإعلام الحرة، معتمداً فقط على ما تبث من مشاهد حية بواسطة كامرات الموبايل، وعبر اليوتيوب، ومنها إلى شاشات التلفزة لتحرك الضمير العالمي على ما تجري في سورية من مذابح بحق شعب منتفض على نظام ديكتاتوري مستبد منذ خمسة عقود.

تسلسلت العديد من الإدانات بحق النظام وجرائمه من خلال مواقف دولية وبأشكال منفردة من دون أن تجتمع في مدونة قرار صادر من الأمم المتحدة، تشكل الموقف الروسي والصيني العائق الأساس لإتخاذ قرار جامع، هذا ما يصرحون به للإعلام على الأقل، أما حقيقة ذلك قد يكون هناك أمراً آخر يعيق الإتفاق على موقف الإدانة، والإدانة للقتل وانتهاك العرضات فقط، وهذا ما لا يستطيعون الوصول إليه لوقف سفك الدماء.

حيث جائت المواقف العربية المتباينة أيضاً كل حسب أجنداته الإقليمية والدولية، ضاربين في ذلك مراعات حقوق الإنسان عرض الحائط لتسويق سياسات رعناء على حساب دماء الشعب السوري المسكين.

صدق الشعب السوري كعادته نداءات الدول وجامعة الدول العربية وفقاً لخلفياته الفكرية والعقائدية، على أن المبادرة العربية هي الأقرب على المعتقد العروبي، وهي أكثر صوناً على السيادة وكرامة الشعب السوري، والذي رفض أصلاً التدخل الخارجي، معتمداً على نفسه وإرادته لإسقاط النظام والخلاص من الإستبداد بشكل سلمي ومن دون سفك للدماء مع صيانة السيادة الوطنية والحفاظ على الدولة السورية كوحدة سياسية وإدارية دستورية.

إلا أن في مقابل ذلك جاء موقف النظام أكثر عنفاً لمواجهة المبادرة من جهة، وارهاب الشعب من خلال فلتان عصاباته في المدن والأرياف وعلى الطرقات لإنتهاك كل المحرمات من جهة أخرى، وذلك من أجل تعقيد الحالة السورية كما قالها المعلم وغرق المبادرة مع مراقبيعا في عكرة المستنقع السوري.

شهر كامل يتخبط المراقبون بين المشاهد التراجيدية التي أودت بالنبيل العربي للإستجداء بأمين العام للأمم المتحدة لتدريب المراقبين الذين يبدوا عليهم لايمتلكون من الخبرة شيئاً لأداء واجباتهم لكن حقيقة الأمر يبدو أن الجامعة لاتريد أن تغرق نفسها في المستنقع السوري وتبحث عن مخرج ينجد نفسها من موقف لايحسد عليه.
وتلسلت المواقف من دون أن تردع النظام لوقف العنف.

حيث جاء الموقف القطري لمطالبة الجامعة بارسال قوات ردع عربية إلى سوريا وإجبار النظام للإنصياع ووقف العنف والخضوع لإرادة الشعب السوري فهل ستفلح قطر في اقناع الجامعة لإتخاذ قرار كهذا مقابل الرفض السوري القاطع مسبقاً؟
مقابل ذلك، هناك مواقف عربية داعمة للنظام السوري، كجزائر ولبنان والسودان وسلطنة عمان واليمن والعراق وموريتانيا وقد تتغير المواقف بين لحظة وأخرى وفقاً لتقلبات الطقس الذي لم يثبت أبداً ، متأثراً بالحراك الدولي الذي يحضر لوليمة اقليمية على طاولة دولية وأرضية سورية لم يحن بعد موعداً للإنضاج والشعب السوري وقوداً لايرحمه إلا من لامصلحة له مع النظام ومساوماته الدنيئة للبقاء.
وسط هذا الشد والجزب العربي والدولي تتحرك المعاضة السورية بتناقضاتها المصيرية على ثلاثة محاور:
المحور الأول: المجلس الوطني السوري الذي أعلنت الثورة السورية بجزئها العربي على انه يمثلها سياسياً وعلى المستوى الدولي بالتوازي مع وجود الجيش السوري الحر الذي أعلن للدفاع عن المظاهرات السلمية وصد هجمات الشبيحة وامن النظام ضد المتظاهرين…يحاول المجلس جاهداً تدويل الأزمة وتحويل الملف من الجامعة العربية الى المجلس الأمن الدولي.
المحور الثاني: هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي، التي ترفض تدويل الأزمة وتطلب بقاء الملف في اروقة الجامعة وأن يكون الحل عربياً ولوكلف ذلك ما يكلف من تضحيات، كما ترفض أن يكتسب جيش السوري الحر شرعية وجوده لعدم انجرار الثورة إلى التسلح حسب زعمه، ولا ترفض في آخر المطاف الوصول مع النظام إلى صفقة تشاركية، وتلك ما تشكل خلافا حاداً بين المحورين.
المحور الثالث: المعارضة الكردية التي تشكل في بنيتها المجلس الوطني الكردي واتحاد القوى الديمقراطية الكردية بالإضافة الى الحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا.

وهذه الثلاثية تختلف فيما بينها كيفية التقرب والتقارب مع المعارضة السورية من جهة وتبحث فيما بينها لإيجاد صيغة مشتركة توحد قواها في اطار مشترك، ومن ثم التفاوض مع المعارضة السورية بمحوريها وفقاً للمصلحة القومية الكردية.
كل ذلك يشكل عائقاً امام توحيد قوى المعارضة السورية، لتشكل بدورها عاملاً حاسماً في توجيه الإرادة الدولية لصالح الشعب السوري والوصول إلى نهاية حقبة الإستبداد وإنقاذ الشعب السوري من مرحلة طال عمرها على صدر الشعب لمدة خمسة عقود.

كاتب وسياسي كردي سوري
1812012

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…