حسين عمر
ويتجلّى الضعف في أداء الحركة الوطنية الكردية أساساً في غياب أو لنقل عدم تبلور إستراتيجية واضحة وملائمة لهذه المرحلة، إستراتيجية ينبغي لها أن تُصاغ انطلاقاً من محدّدات أساسية ربّما أهمّها:
1.نحن الكرد السوريون معنيون على قدم المساواة مع بقية مكوّنات المجتمع السوري بمستقبل وطننا سوريا.
2.التناقض الرئيسي لشعبنا وحركته الوطنية هو مع نظام الاستبداد.
3.القضية الكردية قضية وطنية ديمقراطية تعني السوريين جميعهم.
4.الشعب الكردي كغيره من المكوّنات المجتمعية السورية صاحب مصلحة حقيقية في التغيير الديمقراطي الجذري والشامل في البلاد.
5.شمولية القرار الوطني الكردي واستقلاليته مبدأ أساسي يجب التمسّك به.
6.المنهج النضالي للحركة الوطنية الكردية هو منهج ديمقراطي سلمي رافضٌ للعنف ونابذٌ للتباغض والتحاقد.
انطلاقاً من هذه المحدّدات، ثمّة حاجة ملحّة لصياغة إستراتيجية وطنية مستجيبة لمستلزمات المرحلة النضالية التي يمرّ بها شعبنا تعتمد العناصر التالية:
1.وحدة الصفّ الوطني الكردي: هذه الوحدة التي لا تُنجَز من دون استكمال عمليات بناء وحدة الصفّ الوطني الكردي بما يضمّ كل الأطراف الموجودة على الساحة الوطنية الكردية وصولاً إلى إطار تنسيقي وطني ديمقراطي شامل وفعّال يقوم على القواسم الوطنية المشتركة ولا يُلغي تعددية المرجعيات الفكرية والسياسية المثرية للعمل الوطني.
إنّ هذا الجهد يتطلّب قبل كلّ شيء وعي المرحلة التي نمرّ بها وإدراك حجم المسؤولية الملقاة على عواتقنا مثلما يتطلّب التحلّي بدرجة كبيرة من نكران المصالح الحزبوية والجهوية الضيّقة والاستعداد للقبول بالآخر والتفاعل معه بعيداً عن منطق الإقصاء والتهميش.
من دون عملية الاستكمال هذه، لا يمكن لأيّ جهة الإدّعاء بتمثيل الشعب الكردي في سوريا تمثيلاً كاملاً أو على الأقلّ سيكون هذا الإدّعاء محلّ التشكيك والطعن.
2.التحالف مع الآخرين لا الاندماج فيهم: إنّ بناء إطار تمثيلي شامل وجامع سيؤدّي إلى تشكيل كتلة وطنية كردية مستقلّة ينبغي لها أن تصيغ علاقتها مع الآخرين من المعارضة السورية وفق مبدأ التحالفات وليس الاندماج في إطارٍ من أطر المعارضة.
لا بدّ من الابتعاد عن نزعة الاستقزام المتمثّلة في السعي إلى الاندماج في إطارٍ من أطر المعارضة، كما ينبغي رفض نزعة الاستلحاق التي تتعامل بها بعض أطر المعارضة مع الجانب الكردي.
أي لا بدّ أن تكون تحالفات الجانب الكردي قائمة على قواسم مشتركة تجمعها بالمعارضة ولا تلزمه بكلّ شعاراتها وإطروحاتها.
3.تنظيم الحراك الشعبي الكردي وتفعيله: إنّ تجنّب الحركة للانخراط في الحراك الشعبي منذ انطلاقته بل ومحاولات بعض الأطراف منها التشكيك فيه إلى حدّ الطعن في بعض الأحيان خلق مناخاً من عدم الثقة بين الفعاليات الشبابية المنخرطة في الحراك والمبادرة إليه والحركة الكردية، تعمّق بمرور الوقت وتفاقم من جرّاء انعدام الإطار الوطني الجامع الذي يضمّ كلّ القوى والفعاليات الوطنية الكردية.
كما خلق ذلك ردّات فعل سلبية من طرف الحراك الشبابي بحيث بدأنا نشاهد لافتات ونسمع هتافات لا تمتّ لا إلى الإرث النضالي الوطني الكردي ولا إلى الواقع السياسي الكردي بصلة.
وفي هذا الإطار، ينبغي التعاطي مع الفعاليات الشبابية باحترام وعلى أساس كونها قوى ناشئة أفرزتها الثورة ويجب أن يكون لها دور في الحياة السياسية الكردية وليس النظر إليها على أنّها ظاهرة مبتسرة وغير ناضجة والتعامل معها باستصغار كأدوات ووسائل وظيفية مؤقّتة.
4.التمسّك بسلمية الثورة: من المهمّ جدّاً بالنسبة لشعبنا التمسّك بسلمية الثورة ورفض بل وإدانة الدعوات إلى عسكرتها.
فالعنف المسلّح والتطرّف الديني المشوب بالخطاب الفائح بروائح طائفية لا يمكن لهما أن يؤدّيا إلى بناء دولة ديمقراطية تعددية علمانية، بل هو وصفة لقطع الطريق أمام أيّ محاولة لبناء هذه الدولة المنشودة.
5.تعزيز وتمتين العلاقات مع شركائنا في الوطن: نحن بأمسّ الحاجة في هذه المرحلة كما كان الأمر دائماً إلى تعزيز وتمتين أواصر الإخاء والعيش المشترك بين مكوّنات مجتمعنا السوري والوقوف في وجه ثقافة التحاجز والتباغض والتحاقد والتنافي.
فمصيرنا واحد ومستقبلنا مشترك.
وكما ينبغي تجريم إراقة الدم السوري، يجب تأثيم ثقافة الكراهية.
وتتضاعف أهمية هذه العلاقات في مناطقنا ذات التداخل والتنوّع السكانيين وذلك درءاً لأيّ توتّر أو أيّ محاولة للعب على وتر الفتن.
6.نشاط دبلوماسي مكثّف ومدروس: مع تصاعد وتيرة محاولات التدخّل في الشأن الداخلي لبلدنا، لا بدّ من بذل جهود كبيرة لشرح عدالة قضيتنا ومشروعية حقوقنا، والعمل على إحباط الأجندات الإقليمية التي لا يهمّها مستقبل بلادنا وشعبنا بقدر ما يهمّها مدّ نفوذها وتحقيق مصالحها ومحاولة صياغة اللوحة السياسية بما يتلاءم مع رؤيتها ومصالحها ونخصّ بالذكر، الجهات الإقليمية التي تحاول أن تلعب دور الوصي وتفرض بكلّ السبل طيفاً سياسياً محدّداً ليكون مطيّة لها في خططها الرامية إلى قطع الطريق أمام أيّ دور للشعب الكردي وحركته أو أي صيغة لحلّ قضيته حلاً واضحاً، ويُستشفّ هذا الأمر بوضوح من خلال التصريحات المحطّة من شأن شعبنا وقضيته التي يطلقها السياسيون المتطفلون على موائد تلك الجهات.
بطبيعة الحال تحتاج هذه الإستراتيجية إلى أدوات ووسائل الممارسة التي ينبغي أن تتمثّل في فرق ولجان عمل تضمّ كفاءات شعبنا بغضّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية حيث يبقى المعيار الأساسي في العمل السياسي هو الفعالية التي لا تتحقّق من دون ترشيد الأداء السياسي والتمييز الدقيق بين ما هو واقعي وما هو موهوم من المعطيات السياسية.