افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ)
وبقراءةٍ بسيطة لبنية حزب البعث ونظام الحكم في سوريا من الناحية الفكرية والتنظيمية نجد أنها تستند إلى الشمولية الاستعلائية الاقصائية والمركزية المفرطة التي بدأت تطبيقاتها بإعلان مجلس قيادة الثورة في آذار 1963 حالة الطوارئ في البلاد امتدت لعقود رافقتها صراعات داخلية بين أهل الحكم لم تخل من مظاهر العنف والقمع حُسمت لجهة شخصنة الحزب والسلطة في 1970 وإعلان دستور دائم فيما بعد يشرّعن ويقونـن منطلقـات البعـث النظرية والتنظيمية لتطبع حياة البلاد بسياسات الحزب الواحد والاستحواذ على مؤسسات الدولة والتعامل الأمني مع قضايا المواطن وتضخيم وتوسيع الأجهزة الأمنية ومنحها الصلاحيات المطلقة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع على حساب مؤسساتها الرسمية والمدنية مع ترويج مفاهيم الطاعة والولاء في هيئاتها وإضعاف شخصياتها الاعتبارية ، ولايغيب عن البال أن قطاعات لابأس بها من القوى السياسية والنخب الثقافية السورية أيدت حزب البعث ونمطية حكمه وغضت النظر عن سياسات مجحفة وتعسفية خلقت أزمات عديدة.
إذ تعاملت السلطة السورية بقسوة وعنف على مدى عقود مع أية بوادر احتجاجية تجلت في الاعتقالات الكيفية والعشوائية والأحكام الجائرة والاختفاء القسري والتعذيب والقتل التي بلغت أَوْجها في أحداث الثمانينات وأعياد نـوروز الكردية وأحداث القامشلي في 2004 وأخيراً في الأشهر العشر الماضية حيث اُسْتُخدم الرصاص الحي والضرب المبرح والغازات المسيلة للدموع والقنابل الدخانية لمواجهة التظاهرات السلمية منذ اليوم الأول للحركة الاحتجاجية إلى جانب الاعتقال العشوائي والتعذيب في السجون والمعتقلات إلى حد الموت أحياناً ، وذلك بحشد قطاعات من الأمن والجيش بأسلحتها الخفيفة والثقيلة وعناصر ( الشبيحة ) داخل المدن والبلدات والأماكن العامة وبانتهاك صارخ ومفضوح لحقوق الإنسان وحرمة المنازل والجامعات والمشافي ومباني المؤسسات ، وبتغطية إعلامية فاقـدة للمصداقية والشفافية تروي قصصاً مفبركة عن مندسين وعصابات مسلحة ومتطرفين إسلاميين وتنظيم القاعدة وتهريب وتخزين الأسلحة .
إن إمعان النظام في خياره العنفي مع المحتجين السلميين والذي نجم عنه إلى الآن أكثر من ثمانية آلاف شهيد وضحية بين مدنيين وعسكريين من رجال ونساء وأطفال وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والمشردين وفق سياسة ممنهجة ارتقت إلى مستوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية حسب تحقيقات وتقديرات منظمات حقوق إنسان عالمية والقرار الذي اتخذه مجلس حقوق الإنسان في اجتماعه الخاص بسوريا – جنيف يوم الجمعة 2/12/2011 يدين فيه الانتهاكات ” الجسيمة والمنهجية ” لحقوق الإنسان ويحث مؤسسات الأمم المتحدة على ” اتخاذ الإجراءات المناسبة ” .
كما أشارت تقاريرٌ وأخبار إلى إعدام بعض العسكريين فوراً لدى رفضهم أوامر بإطلاق الرصاص على المحتجين، ووجود قناصة بلباس مدني لقتل المتظاهرين، وافتعال تفجيرات وأعمال تخريب ، وتوليف تلك الأفعال على أنها من صنع العصابات المسلحة وبالتالي ليُبَررَ الحل الأمني العسكري ، كما تحدثت عن اتخاذ عقوبات جماعية أحياناً من قطع الاتصالات والكهرباء والماء والغذاء والمحروقات عن بعض الأحياء والمدن المحتجة .
وأثناء وجود بعثة الجامعة العربية لم تتوقف دوامة العنف وقُتل العشرات يومياً ، البعثة ذات الإمكانات المحدودة لم تستطع أن تخلق أملاً بأن المبادرة العربية ستجد طريقها إلى التطبيق وتتراجع عمليات القتل والقمع ، بل يحاول النظام لفلفة مهمتها بالمراوغة والتحايل وإقناعها بوجود مسلحين ضده وأنه يقوم بواجبات الدولة في الحفاظ على الأمن .
هذا العنف القاسي الدامي أدى إلى اختفاء التظاهرات السلمية الكبيرة في مدن درعا وحماه وحمص وتلبيسة والرستن وغيرها نحو تظاهرات متفرقة عديدة درءاً للمخاطر ولتؤكد أن نبض الثورة مستمر مع إطلاق هيئات ولجان الثورة نداءات النجدة والحماية من البطش والتنكيل ، وكذلك إلى بروز بعض مظاهر العنف المضاد في بعض المواقع وانشقاق أعداد من الجنود والضباط وبناء هرمية عسكرية في وحدات تابعة لقيادةٍ تقيم في إقليم هاتاي التركي ، ودعوات البعض للتسلح وعسكرة الثورة .
وإذا كانت ردود الأفعال العفوية في مواجهة عنف النظام لها تبريراتها ، لكن ليست جميعها مفيدة وناجعة لتحقيق هدف التغيير الديمقراطي المنشود، بل أن أخطر ما يهدد الثورة السلمية ومستقبل سوريا هو تحولها إلى ثورة مسلحة بشكل كلي أو جزئي حيث تُستكمل حلقة العنف التي كان النظام يبحث عنها منذ البداية لأنه أَهونٌ عليه محاربة مجموعات ( ثورية ) مسلحة يتفوق عليها عسكرياً بالعَدد والعتاد من مواجهة مواطنين عُزَل يخرجون في تظاهرات عارمة وينادون بالحرية والكرامة، وسط أجواء إقليمية ودولية غير مؤهلة على المدى المنظور لاتخاذ قرار أممي حاسم لأنها مثقلة بملفات أمنية واقتصادية وسياسية ساخنة وبتجاذبات معقدة خاصة بالوضع السوري .
يبقى الشعب السوري بكل أطيافه وقواه الديمقراطية الوطنية صاحب الشأن والأساس في اختيار السبل الكفيلة للخروج من الأزمة الحالية ونجاح الثورة في تحقيق أهدافها النبيلة في وقتٍ باتت دوامة العنف عنوانه الأبرز والإنسداد في أفق الحلول السياسية يقلق ويخيف الغيورين على البلد ، وكذلك الإرتباك والمزاجيات والتشتت وأجندات مختلفة تعيق عمل المعارضة السياسية في الداخل والخارج التي لم تستطع بعد تبوء مكانةً تليق بالشعب السوري وثورته وحجم تضحياته.
أما المجلس الوطني الكردي في سوريا فقد أصبح عنواناً للمجتمع الكردي وحراكه الجماهيري ويحظى باحترامه ، يسعى أن يبني مع القوى الوطنية المعارضة ائتلافاً موسعاً يقود الشعب والثورة في هذه المرحلة العصيبة على أساس الشراكة الوطنية الحقيقية وسوريا بلداً لجميع أبنائه.
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي في سوريا (يكيتي) – العدد (221) كانون الاول 2011
yekiti_221