صلاح بدرالدين
الاستقلالية في القرار لاتعني رؤية المصالح الوطنية بعين واحدة أو رفض مصالح الآخرين أو الانعزال في زاوية ضيقة فنحن جزء من هذا الكون نتشارك مع المحيط القريب والأبعد بالتزامات العيش المشترك ومواثيق الأمم المتحدة ومبادىء الحرية والسلام واحقاق الحق واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير وكما نتمسك بثوابت مصالحنا الوطنية والقومية والاقتصادية والانسانية والثقافية كأولويات في خياراتنا المصيرية الى حد الدفاع عنها بكل الوسائل فعلينا قبول مصالح الغير واحترامها وبشكل خاص دول الجوار في ظروف عالمية – عولمية – أفرزت قيما وحقائق جديدة وسوابق مستحدثة في قانون العلاقات الدولية تتشابك فيها الارادات والرؤا الى درجة رضوخ الجميع لعملية اعادة تعريف السيادة الوطنية وتعديل وصفات الأمن القومي للشعوب والأمم على الصعيد الاستراتيجي ورفع القدسية عن الحدود الدولية التي رسمت نتيجة موازين القوى التي سادت بعد الحربين واهتزت في حقبة الحرب الباردة بين الشرق والغرب واختلت مرة أخرى بعد توقفها لصالح المركز الرأسمالي العالمي .
ماندعو اليه في مسألة انجاز القرار الوطني المستقل من جانب حراكنا الثوري المعارض بكل مكوناته وأطيافه ومشاريع جماعاته السياسية المتعددة التي لم تكتمل حتى الآن شروط وحدتها المركزية في مؤسسة تمثل مصالح ومواقف الشعب والثورة ولو بالحدود الدنيا هو الانطلاق من بديهية غير قابلة للنقاش في مسألة العمل من أجل اسقاط نظام الاستبداد وتفكيك بناه ورموزه ومرتكزاته الآيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والتهيء لاعادة بناء الدولة التعددية الديموقراطية التشاركية ويمكن ومن خارج سياق هذه البديهية الثابتة التي لايعلى عليها شيء ويحرم مقايضتها في الصفقات والمناقصات في أي حال من الأحوال نقول يجوز من بعد ذلك التعامل مع المحيط الاقليمي والدولي بكل مرونة ومزيد من التفاعل الايجابي والانفتاح على قاعدة الالتزام بكل التعهدات المبنية على العدل والتعايش السلمي وحل القضايا العالقة على أساس الشرعية الدولية واعادة الحقوق الى أصحابها بما في ذلك عودة الجولان الى حضن الوطن والتعامل مع جميع الأطراف الدولية وفق مبدأ توازن المصالح وعدم التدخل في شؤون البعض الآخر .
ان عملية تطبيق القرار الوطني المستقل ليست بنت اليوم بل بدأت معالمها – الصراعية – منذ اليوم الأول لبناء النواة الأولى في المعارضة السورية قبل أكثر من عشرة أشهر بأشكال وعناوين مختلفة من أبرزها :
1 – في مشاهد الشد والجذب بين عواصم اقليمية لها مشاريعها وأجندتها حول مصير المنطقة منها مجاورة لسوريا من جهة ونخب تمثل تيارات سياسية وطنية كانت واعية لقانون الصراع ومآلات المسألة السورية واذا ما تركز الاشتباك حينها على أمور تبدو في ظاهرها شكلية مثل مكان اجتماعات المعارضة ونوعية الحضور وهل نمثل الداخل المنتفض أم نعبر عنه الا أنها كانت تعبر ومن دون اعلان عن خلافات عميقة تتعلق بوسائل النضال تظاهرات من أجل الاصلاح أم انتفاضة ثورية من أجل التغيير الجذري والموقف من النظام نحاوره أم نعمل على اسقاطه وجوهر المشكلة وطرق حلها والأهداف القريبة والبعيدة وأية سوريا نريد وعنوان المعارضة ودور الاسلام السياسي ومسألة تعددية المجتمع السوري وحقوق مكوناته والسبيل لحل القضية الكردية .
2 – معظم أنظمة دول الاقليم المعنية المجاورة لسوريا وغيرها لديها مشاريع جاهزة وواضحة المعالم حول حاضر ومستقبل المنطقة ومآل القضية السورية وخاصة تركيا وايران واسرائيل أما النظام العربي الرسمي في اطار الجامعة العربية فلايملك أي مشروع بل أن بعض أطرافه يجند نفسه لخدمة احدى المشاريع المطروحة الثلاث والبعض الآخر يتردد في اتخاذ أي موقف حاسم يترقب المشهد على شكل عين على النظام وعين على المعارضة غير راض عن الأول ومتهيب من الثاني اذا تحول الى نظام ديموقراطي أما المعارضة السورية – أم العروس – الافتراضي فان أطرافها التي أبرزتها الاعلام الخليجي عن سابق تصميم فلم تبلور حتى الآن كافة جوانب مشروعها لمرحلتي القضية السورية نجاح الثورة واعادة البناء ومما لاشك فيه فان المشهد العام هذا قد ألقى بظلاله وحال دون اكتمال شروط انجاز مهمة القرار الوطني المعارض المستقل .
3 – ليس سرا أن قرار – المجلس الوطني السوري – الذي لم يظهر بشكل ديموقراطي بل جاء في ظروف اشكالية تحت مظلة جماعات الاسلام السياسي باستبعاد العديد من التيارات والشخصيات الوطنية المناضلة واقصاء من يمثل تاريخيا وراهنا الحركة الكردية ويعبر عن تطلعات الشعب الكردي وشبابه الثائر يفتقر الى الاستقلالية بتشكيلته الراهنة بل يخضع الى مراقبة وتحكم قوى اقليمية مثل تركيا وقطر أساسا اللذان يراعيان بشكل أو بآخر مواقف النظام العربي الرسمي المتردد أولا ومواقف ايران وبعض الأطراف الاقليمية والدولية ثانيا وأقرب مايكون الى الحلول الوسطية بالتوازن بين النظام الحاكم والثورة والمعارضة وهذا ما يجعل المجلس مرتبكا يواجه الاخفاق لدى كل حادث .
4 – – هيئة التنسيق – التي لاتستحق أن تحمل اسم المعارضة فانها بغالبية مكوناتها جاءت من حول النظام وتأتمر بتوجيهاته رغم كل أنواع الديماغوجيا واللعب بالعبارات التي تمارسها وبالتالي قرارها ليس مستقلا بل راضخ لارادة النظام الحاكم وهذه حقيقة باتت معروفة لدى مختلف الأوساط الوطنية السورية .
الثورة السورية والمعارضة السياسية في الداخل والخارج أحوج ماتكون اليوم الى مؤسسة سياسية مناضلة تحمل هموم الشعب وتعبر عن أهداف الثورة وشبابها على قاعدة التكامل بين الداخل والخارج تتأطر في حركة ديموقراطية ائتلافية تمثل كل المكونات السورية ترتقي الى مستوى الحدث وتلتزم بقواعد ومبادىء القرار الوطني المستقل خلال التعامل والتواصل مع المحيطين الاقليمي والدولي والتعبير عن مصالح السوريين في كل زمان ومكان .