رغم المراقبة، إستمرار القمع في سوريا* (وجهة نظر ألمانية)

حسين جلبي

نبدأ اليوم بالخلطة المستحيلة، بِضعُ عشراتٍ من المراقبين، يتوجب عليهم وقف إرهاب الدولة و إنزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية، و ذلك في سوريا، الدولة التي تصل مساحتها إلى نصف حجم مساحة ألمانيا.

سيكون ذلك مستحيلاً بالطبع حتى لو إمتلك المراقبون إرادة طيبة، و في ذلك تتوافر أيضاً شكوكٌ يمكن تبريرها، فرئيس المراقبين هو جنرالٌ من السودان، ضابطٌ عند الدكتاتور بشير، المطلوب كمجرم حرب، و قد زعم بأنه لم يرى مطلقاً أي شئ غير إعتيادي في حمص، معقل الإنتفاضة، التي قتل فيها المئات، و هنا يتسائل المرء فيما إذا كان مثل هؤلاء المراقبين يرغبون بالمراقبة فعلاً، لكن لا توجد شكوكٌ في هذا المساء بأن مئات الآلاف يرغبون تقديم دليل ما لهؤلاء ليبرهنوا لهم عن شئ آخر.
حتى المساء يحتج الآلاف في كل البلاد ضد النظام، فبعد صلاة الجمعة بقليل، يقف مئات الآلاف يداً بيد، و على شفاههم الشعارات المعادية للأسد، و هذا ما تتضمنه غالباً أفلام الفيديو المنتشرة على الإنترنت، و التي يصعب التحقق منها، إنها الإحتجاجات الأكبر على الإطلاق، حيث يشعر الكثير من المحتجين بالتشجيع نتيجة حضور بعثة المراقبين العرب، و في كل مكان، عندما يظهر هؤلاء، يتعرضون لهجوم من كل الجهات، من قبل أشخاص فقدوا الكثير من أقاربهم، أو إختفى الكثير منهم، أو تعرضوا للمعاناة، يقول أحد المراقبين: (نعم ، لقد رأيت القناصة، لكن الأمر غير مفيد، فهكذا لا نفهم شكاويكم، و لا نستطيع كذلك أن نقوم بعملنا).
منذ البداية كانت هناك ظلالٌ من الشك تلقي بنفسها على البعثة، و ذلك بأن لا يتمكن مراقبيها من التحرك بحرية، و هذا ما يذهب إليه النقاد، فهنا مثلاً و قبل وصول الوفد أجبر أحد أصحاب المحلات على فتح محله، رغم أن البلاد في حالة إضراب، و قد أبلغ المحتجون البعثة بذلك، و يقول أحد ناشطي حقوق الإنسان في المهجر: (كان هناك في إدلب وحدها حوالي المائة و خمسون ألف متظاهر، لقد إنتظروا المراقبين، و لكن هؤلاء إكتفوا بنصف ساعة من وقتهم، ألقوا خلالها نظرة سريعة على المظاهرة، و عندما غادروا قُتل خمسة أشخاص برصاص القناصة)، إن قدرة المراقبين على حماية المعارضين محل شك، فعددهم قليلٌ  جداً مقارنة مع الأزمة المنتشرة في جهات البلاد الأربعة.
كما تظهر مسألة الخطأ في أهلية الشخص ليكون مُراقباً، و ذلك فيما يخص رئيس البعثة  المُعين الجنرال السوداني مصطفى الدابي، يقول الناشط الحقوقي المذكور: (كما يبدو لم يكونوا في موضع أن يختاروا من بين ثلاثمائة و خمسون مليون عربي شخصاً لائقاً لقيادة البعثة، فقبل كل شئ يفكر المرء بأن الرئيس الحالي للجنة كان في المخابرات السودانية).
لكن الكثير من المعارضين يرون أن الوقت الذي تتواجد فيه البعثة هو الفرصة الوحيدة المتاحة لإحداث تغييرٍ ما.
حسين جلبي
مُترجم، خبير ثقافات
* المقال عبارة عن ترجمة الخبر الرئيسي في نشرة أخبار التلفزيون المركزي الألماني (تست دي إف) مساء أمس.
رابط الخبر:

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…