المرحلة الثانية من عمر الثورة السورية

شــــــهاب عـــــبدكي 
 
بدأت مرحلة جديدة من مسيرة الثورة السورية ، بدخولها شهرها العاشر بوجود مراقبين عرب بعد التوقيع على الاتفاقية مع جامعة الدول العربية حول التفاهم على عدة نقاط ، قد يكون أبرزها انسحاب الجيش من المدن والسماح بحرية التظاهر السلمي.

 مرت الثورة السورية في انعطافات عديدة ، ولكن يبقى دخول مراقبين من العرب أهم حدث اكتسبه المتظاهرين في معركتهم السلمية والدبلوماسية مع النظام ، الذي أغلق جميع الأبواب حتى يفرض حلاً أمنياً طالما وثق به خلال أربعة عقود من السيطرة والاستبداد .
مع هذا الانعطاف المهم على صناع القرار في المعارضة ، تغير نمط التفكير الذي ورثوه عن النظام في الإقصاء والإنكار والتهميش ، والبحث عن آليات تقرب وجهات النظر بين جميع الأطياف ، وتتبنى ثقافة سياسية سليمة تأخذ بعين الاعتبار نتائج الثورة من جميع النواحي خلال الشهور التي مضت ، والعمل على دراسة المهام التي يمكن أن تساهم في التغيير وما بعد التغيير ، والإفصاح بشكل دقيق عن كل الأمور العالقة التي تهم جميع الشرائح الاجتماعية والدينية والسياسية ، وتبين ثوابتها ومبادئها وتُطمئن الدول الإقليمية والعالمية على أن سوريا ستكون ضمن الشرعية الدولية ، وضرورة التفاهم مع الآخرين حول نقاط الخلاف والاختلاف بشأن جميع القضايا التي تهم السوريين ، فالتشخيص الدقيق أهم  السبل للنجاح ، حتى يتم التخلص من الأوهام الخطيرة التي يمكن أن يواجهها المجتمع في المستقبل وما ورثه من أزمات  في العقود السابقة.
فالمعارضة أمام خيار وحيد وهو الجاهزية الكاملة سياسياً واقتصاديا ًواجتماعياً وتوظيف كل طاقاتها لتكون قادرة على قيادة المرحلة وإدراكها للظروف السياسية التي تمر بها سوريا ، حتى تتمكن من كسب ثقة المجتمع الدولي أولاً والداخل السوري بكل مكوناته ثانياً .
 صحيح إن النظام لا يساعد المجتمع الدولي على الخروج من الأزمة التي تعصف بسوريا ، المعارضة أيضاً لا تزال بعيدة عن مهامها السياسية التي يمكن أن تستجيب للمجتمع الدولي على إنهاء الأزمة ، وتحدد أولوياتها بدقة وهذه الملاحظات جديرة بالاهتمام في هذه المرحلة الحساسة ، فالركيزة الأساسية التي ستعطي للمعارضة مكانةً سياسية في العالم هي الاستفادة من أخطاء النظام داخلياً وخارجياً والتعامل مع الثورة بكل أبعادها .
أما وضع المراقبين العرب فهو في غاية الحساسية  والخطورة ، وسوف يكون محلاً لتجاذب وتطلعات المراقبين والسياسيين والمثقفين والعسكريين، بين إثبات سلمية الثورة أو الثور اللاعنفية وادعاءات النظام حول العصابات المسلحة ، فمهمة المراقبين في غاية الصعوبة لعدة أسباب :
أولاً –
الجامعة العربية لم تكن يوماً مراقباً دولياً في أزمات كبرى ، قد يكون هنالك أشخاص مهمين مثل الأخضر الإبراهيمي وبطرس غالي لعبوا أداوراً عبر الشخصية الدولية الاعتبارية إلا أنها محدودة وشخصية ، لذلك الصعوبة تكمن في عدم وجود تجربة  وخطة مُحكمة لمواجهة  التحديات ومعطيات ليست بالحسبان ، كما حصل من تفجيرات قبيل وصول البعثة , وقد يؤدي ذلك إلى إرباك في مهام المراقبين وتغيّر من مسارها .
ثانــــــياً-
النظام في سوريا حتى بعد التوقيع على الاتفاقية لم يغير من لهجته الإعلامية ، وحافظ على خطابه السياسي منذ بدء الثورة ، وبالتالي فإن الأدلة والإقناع والفرضيات العلمية لا تستطيع تحقيق تقدم في هذا المسار ، والذي يؤدي بالنهاية إلى تغيير سلمي أو انتقال سلمي , لذلك قد يتجه الوضع نحو أزمة أخرى أكثر تعقيداً.
ثالـــــثاً-
هنالك أكثر من جهة تحاول أن تمرر بعض السياسات إلى سوريا وتخلق نوعاً من البلبلة والخوف لدى شرائح المجتمع , وذلك من خلال ما يحصل يومياً من تشويش على الثورة السلمية وقد ينجر المنشقون إلى هكذا فخ ، حتى يتم إثبات مزاعم النظام حول العصابات المسلحة , بالتالي تمديد مهمة المراقبين لفترات طويلة يدفع ثمنها المتظاهرين السلميين وبسطاء من المجتمع .
الشعب السوري بكل مكوناته أمام تحديات ومهام جديرة أن تُأخذ بعين الاعتبار  أولها المحافظة على سلمية الثورة ، وثانيها الوضع الاقتصادي الذي يزداد صعوبةً مع مرور الزمن مما يصعب الأمور أكثر ، وثالثهما الابتعاد عن التطرف والنزاعات الطائفية .
 المطلوب هو الثبات والصبر والتعامل بوعي وإرادة مع كل المستجدات ، لأن النظام بدأ يخسر أوراقهُ أمام إصرار المتظاهرين على التغير ،بالتالي هناك من يريد التوجه نحو مأزق أكثر خطورة  خاصةً وأن مصطلح القاعدة بدأ يتداول  في الإعلام  الرسمي ، وهذا انعطاف خطير في توجهات التي لا تريد لسوريا الخير.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…