الدكتاتور أفضل من البديل ؟!

د. علاء الدين جنكو

أرفض سوق الناس إلى المساجد قسراً لأداء الصلوات بحجة دعوة الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى، كما أرفض السماح بممارسة الدعارة بحجة أنها مسألة شخصية وحرية مطلقة في ممارسة المتعة .

أرفض إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب باعاء الحشمة كما أرفض دعوة من يطالب بحظر الحجاب وتقنين هذا الحظر وفرض السفور والتبرج عليهن بادعاء أن قطعة قماش على الرأس إنما هي إشارة سياسية !!
أرفض تجريم دعوة العلماني لفكره بالحوار والمنطق – وإن كنت غير مؤمن به – كما أرفض تجريم الدعاة والمفكرين للإسلام وفكرهم الديني بالحكمة والموعظة الحسنة .
مجتمعاتنا لها طابع خاص، وأفضل الأساليب لإدارتها هي منح الحرية والديمقراطية والشفافية المطلقة في ممارستهما، أما ادعاء البعض – علمانياً كان أو متدينا – بجهل الناس والخلق وعدم إدراكهم وعجزهم عن معرفة مكامن مصالحهم فهو دليل على عجز هؤلاء وفشلهم في إقناع الناس بأفكارهم وإثبات صلاحيتها وملاءمتها وجدوى فاعليتها .
إنه الوجه الفكري للدكتاتورية، فمصادرة حق التفكير والدعوة للمبادئ لا يمكن لأحد أن ينال منه مادام ذلك في نطاق احترام المعتقدات وعدم النيل من المقدسات .
وهنا اقول وبكل صراحة : من حق الإنسان ان يختار أي معتقد وفكر ليؤمن به ويجعله منهجا له في حياته حتى لو كان الإلحاد بعينه ! ولكن ليس من حق هذا الملحد وبأي مستوى علمي كان أن يشتم إله المتدين ويسيء إليه، أو يسمح لأحد أن يسيء إلى الأنبياء برسومات تنال منهم، فهل يقبل الملحد بهذه الرسوم لأبيه وأمه ؟!
لا يمكن أن أتصور هذه الإساءة لمعبود المؤمن إلا بالوقاحة اللاأخلاقية التي يحاول أن يقفز إليها الفاشل مدعيا المنطق لفرض رأيه دكتاتورياً !!
وكذلك بالنسبة للمؤمن من حقه أن يدعو الناس إلى الإيمان بالله والتنظير لإثبات صدق مبادئه وصلاحيتها، ولكن ليس من حقه أن يفرض قناعاته على الآخرين بدكتاتورية القداسة ، فإذا كان الله تعالى جل شانه في عليائه الصمد منح الشيطان حرية الكفر والحوار والعصيان ونشر فكره في إغواء واقناع الناس بها فعلى المؤمن بهذا الإله أن يكون مقتديا بتعليماته الربانية.
كما أن غير المتدين – العلماني – يجب ألا يكون أسوأ من الشيطان، في مخالفته وحواره مع غيره، فالشيطان مع حواره وتمرده وعصيانه وتحديه لم ينس الله وقدرته، بدليل : انه أقسم به بأنه سيقوم بغواية عبادة ، كما وردت في الآية الكريمة: ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) .
جدلية الحوار لإثبات الوجود مستمرة، واليوم ونحن نعايش ثورات شعبية لم يكن لطرف بمفرده الفضل بخلقها وإنجاحها على الرغم من الجهود الفردية المباركة في إشعالها، وهي أي – الثورات – إشارة زمنية وعلامة وقتيه بأن فكراً بعينه وإيديولوجية بذاتها لا تستطيع الادعاء بأنها – دون غيرها – صاحبة الامتياز في امتلاك ثمرات هذه الثورات .
الثورات جاءت بقدر الله، وهي من علامات غضبه وسخطة، على تلك الدكتاتوريات العفنه القابعة منذ عشرات السنين على رقاب العباد والتعجيل ببعض جزائهم في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم !!
وبرأيي: أهم نتائج هذه الثورات منح الأجواء الحرة لاختيار الناس ممثليهم سواء كان ذلك الاختيار للشخص أو الفكر !!
قد يبدو أن أكثر المستفيدين من هذه الثورات هم أصحاب التوجه الإسلامي، وهو امر طبيعي جداً، ولم يكن مستغرباً لا مني ولا من الكثيرين حتى العلمانيين العقلاء أنفسهم نتيجة أسباب عدة يمكن الحديث عنها في مقال آخر .
المستفيدون من هذه الثورات هم كل مطالب للحرية تواق لها متعطش ليرتويها، وأقول لكل من يخشى من النجاح الباهر الذي يحققه الإسلاميين في كل مكان : إن الشعوب التي أزاحت أسوأ وأعتق دكتاتوريات الظلم والفساد في العالم وأطاحت بها قادرة على الإطاحة بأية دكتاتوريات وليدة .
وأتصور بأن الجميع سأخذون مكانهم الحقيقي ويكون لهم حضورهم إلا إذا كان حضوره السابق الذي كان يرسمه أوهاماً وخيالات لا تمت للواقع والمجتمع بصلة، حينها لن يكون غيابه بسبب دكتاتورية غيره وإنما بسبب دكتاتورية الفشل القابعة على فكره، وبسبب ذوبان الأوهام الملحية المكومة عند هطول أولى زخات وقطرات غيث الحرية في أرض طالما عاشت قاحلة لا تعرف في ربوعها غير صخور صماء جاثمة على صدور خلق ..
والأعجب من كل ما قلت، من يسوق لفكرة بقاء الموجود خوفاً من الخلف المولود !!
 
أرحب بالتعليقات على الموضوع في صفحتي على الفيس بوك على الرابط المباشر التالي : https://www.facebook.com/profile.php?id=100000781732439&ref=tn_tnmn#!/photo.php?fbid=296321537070568&set=a.121095487926508.9747.100000781732439&type=1&theater

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

المقدمة

تتزايد الحساسيات تجاه “إيران” يوماً بعد يوم. والسبب في ذلك ما يلي:

أولاً: أصبح نظام ولاية الفقيه على حافة الانهيار على يد الشعب ومقاومته، وتحيط به أزمات قاتلة.

ثانياً: يستعد الشعب ومقاومته لاتخاذ الخطوة الأخيرة لهزيمة الدكتاتور.

ثالثاً: إن المجتمع الدولي قد تجاوز المرحلة الحرجة في مسألة “إيران”، وقرر الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ودعم مقاومته…

شيرزاد هواري

رغم مرور ما يقارب سبع سنوات على الوضع الاستثنائي في منطقة عفرين، وعجز كافة الجهات والأطراف والأحزاب الكردية عن إيجاد حلول إسعافية، بدءًا من المجلس الوطني الكردي كإطار سياسي وتنظيمي بمختلف تكويناته، ومؤتمر الإنقاذ والمجالس المحلية السبعة التي تميزت باستعداد معظم كفاءات المنطقة للتعاون، مفضلين مصلحة أهل عفرين على مصالحهم الشخصية، ومخاطرين بأنفسهم لإنجاز…

في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقة عفرين، نتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة المتعلقة بالتجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في المنطقة.

إن هذه الفصائل لم تكتفِ بفرض سيطرتها المسلحة على المنطقة، بل تجاوزت ذلك بالتدخل السافر في الشؤون المدنية والممتلكات الخاصة للمواطنين الكُرد. فقد تم إلغاء الوكالات القانونية التي منحها المغتربون لأقربائهم وذويهم،…

صلاح بدرالدين

الان ولنا كلمة بعد انقضاء امد الدعاية الانتخابية او حلول الصمت الانتخابي ….

من الواضح ان الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق : الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني قد دخلا مبكرا معترك الدعاية الانتخابية البرلمانية بكل قواهما البشرية ، والاعلامية ، حتى موعد اجرائها في العشرين من الشهر الجاري ، وقد وصلت نشاطات…