المجلس الوطني الكردي وضرورة الانتقال من خطوة وظيفية إلى فاعل سياسي

حسين عمر

   في البداية، لابدّ من القول بأنّ انعقاد المؤتمر الوطني الكردي الذي أسفر عن تشكيل المجلس الوطني كان خطوة سياسية هامّة على الساحة الوطنية الكردية لا ينبغي الانتقاص من قيمتها وضرورتها وأهميتها في أيّ حال وتحت أيّ ذريعة.

ولكن أيضاً، لا ينبغي أن تحجب أهمية هذه الخطوة الحقّ في إبداء الرأي وانتقاد ومراقبة وتقييم أداء المجلس ومواقفه.

ومن هنا يأتي تحذيرنا من أن يتحوّل إلى مجرّد خطوة وظيفية هدفها التعويض عن حالة العجز التي كانت تعيشها الأحزاب المنضوية فيه في مرحلة ما سمّي بمجموع الأحزاب الكردية والتغطية على ذلك العجز والإفلات من الضغوط الكبيرة التي كانت تتعرّض لها من قبل الجماهير الكردية وفعالياته المجتمعية والشبابية.
  نعتقد أنّ المهمّة الوطنية الأساسية الملقاة على عاتق المجلس تتمثّل في محورين رئيسيين، هما:

أوّلاً: صياغة مشروع وطني كردي قائم على رؤية سياسية واضحة ومتكاملة تتمثّل في تصوّر سياسي لوضع الشعب الكردي في مرحلة ما بعد التغيير الذي نَشَدَه المؤتمر يرتكز أساساً وقبل كلّ شيء في انتزاع حقّ الشعب الكردي في إدارة شؤونه بنفسه في ظلّ علاقة دستورية واضحة مع النظام السياسي الذي طالب المؤتمر بأن يكون لا مركزياً، وليس فقط السعي للاعتراف بخصوصيته القومية وما يحمله هذا المفهوم من نزعة ثقافوية تطغى غالباً على الطابع الجوهري للقضية الكردية ألا وهو الطابع السياسي.
ثانياً: وضع إستراتيجية مفصّلة للعمل على تطبيق هذا المشروع.

ولا بدّ أن يكون حجر الزاوية في هذه الإستراتيجية هو استكمال بناء وحدة الصفّ الوطني الكردي، هذه الوحدة التي لا يتحقّق من دونها بناء الإطار التمثيلي المرجعي الوطني الجامع الذي لا يمثّل مطلباً طوباوياً وإنّما هدفاً استراتيجياً يمكن تحقيقه إذا ما تجاوزت قيادة المجلس العقلية التي سادت في مرحلة (مجموع الأحزاب) والتي كانت تقوم على التعاضد بين (الخصوم القدامى) في مواجهة (الخصوم الجدد) أي المنشقين الجدد وإقصائهم، وإذا ما تبنّت هذه القيادة رؤية جديدة تقوم على ضرورة أن يتجاوز المجلس، بشخصيته الاعتبارية كإطار وطني واسع، الاعتبارات الحزبوية والشخصية الكيدية والاستفزازية في التعامل مع الأطراف الحزبية والفعاليات المجتمعية التي لا تزال خارج إطار المجلس.

ولتحقيق هذا الهدف، لا بدّ من اعتماد مبدأ أن يكون لمن هو خارج المجلس ما لمن هو في داخله، بعيداً عن منطق التقزيم والاستفزاز.

فحينما يكون الصفّ الوطني الكردي موحداً، وإن تعدّدت في داخله المرجعيات الفكرية والسياسية، يمكن للكرد أن يقولوا نعم أو لا لخصومهم كما لحلفائهم، أمّا إذا تعدّدت الأطر السياسية فسيكون من السهل على خصومهم وحلفائهم جرّهم إلى لعبة الابتزاز واستجرار التنازلات منهم على حساب مصالحهم وحقوقهم المشروعة.


كما أنّ من الضروري أن يسرّع المجلس من خطوات استكمال بناء أطره ولجانه التخصصية في مختلف المجالات لتوفير أدوات تنفيذ إستراتيجيته السياسية على مستوى العلاقات مع الآخر ومع الجماهير التي لا يمكن تحقيق أيّ شيء من دون تفعيل طاقاته على الأرض.

 

إنّ عجز المجلس الوطني الكردي عن أداء مهامه على هذين المحورين وتوجّهه بدل ذلك إلى خطوات استعراضية أو ارتجالية سيفقده مصداقيته السياسية ولن يؤهلّه ليكون الممثّل السياسي الشرعي للشعب الكردي في سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…