مصلحة شعبنا الكردي تكمن في الثورة السورية ، لا سواها !!

  افتتاحية جريدة آزادي
بقلم رئيس التحرير

خلال تاريخ طويل مليء بالمصاعب لم يلق الشعب الكردي في سوريا الراحة والهدوء ، بل عانى الكثير من الويلات والمآسي من لدن العقلية الشوفينية والسلطات الاستبدادية الجائرة ، والجاثمة على صدور أبناء مكونات المجتمع السوري عموما والشعب الكردي خصوصا ولعقود خلت ، ولا يخفى على أحد ما مارستها الحكومات المتعاقبة على دست البلاد ، من أشد السياسات الشوفينية قسوة بحق الشعب الكردي وطبقت عليه صنوف القوانين والمشاريع التي تقطر عنصرية وتمييزا ، بدءا بالإحصاء الاستثنائي عام 1962 ومرورا بالتعريب المستمر للقرى والمدن والبلدات ومختلف الأماكن التجارية والجغرافية ،
 و كان الأكثر إيلاما في هذا الصدد هو مشروع الحزام العربي الهادف إلى تغيير الطبيعة الديمغرافية للمناطق الكردية ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى درجة محاربة الكرد في لقمة عيشهم ، وتهجيرهم ألقسري إلى ضواحي المدن الكبيرة ، وحتى خارج الوطن بعد تجريدهم من حقوقهم المدنية ، ومن حقهم في الانتفاع بالأراضي الزراعية وتملك العقارات ، وحتى العمل سواء في دوائر الدولة أو لدى القطاع الخاص بفرض إجراءات تعجيزية ولاسيما للمجردين من الجنسية ، وطالت سلسلة تلك الإجراءات والقوانين وكان آخرها المرسوم 49 الخاص بالعقارات الذي حد من تداولها بيعا وشراء وبناء في المناطق الكردية ، كل هذا إلى جانب سياسة القمع والتنكيل بحق أبناء الشعب الكردي ، حيث لم تخل السجون والمعتقلات من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدنيين ولآماد طويلة ، كما وصل الأمر إلى التصفيات الجسدية بدءا بالشهيد سليمان أدي في نيروز دمشق عام 1986 ، وسقوط عشرات الشهداء في انتفاضة آذار التاريخية عام 2004 ، واختطاف الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي عام 2005 واغتياله غدرا ، وظلت الاغتيالات مستمرة حيث استشهد في نيروز عام 2008 المحمدون الثلاث في مدينة القامشلي ، وكذلك في نيروز الرقة عام 2009 سقط عدد من الشهداء الكرد هناك ، هذا إضافة إلى اغتيال العشرات من الجنود الكرد الذين يؤدون واجب خدمة البلاد ، كل ذلك وصولا إلى اغتيال القيادي البارز المناضل مشعل تمو بتاريخ 7 / 10 / 2011 وفي وضح النهار ، واستشهاد شابين من خيرة شبابنا وجرح آخرين في اليوم التالي ، إثناء تشييع جنازة الشهيد مشعل ..

إن من يتأمل تلك اللوحة الواسعة من الإجراءات والسياسات الجائرة ، وما ارتكبتها أجهزة قمع سلطات الاستبداد من الإجرام والتنكيل بحق هذا الشعب الأعزل ، لا يستنتج سوى حقيقة واحدة لا سواها ، وهي لا تكمن في محاولة الحد من نشاط هذا الشعب السياسي أو منعه من تحقيق تطلعاته القومية المشروعة أو ..الخ ، بل تكمن في استهداف وجوده بأسلوب عدواني سافر ، تجلت هذه الحقيقة بوضوح في الدراسة الشاملة حول محافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية وما ينبغي لها من الإجراءات تجاه الخطر الكردي المزعوم ، تلك التي وضعها ضابط الأمن محمد طلب هلال ، والتي غدت منهج عملي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في سوريا منذ تولي حزب البعث زمام السلطة في آذار عام 1963 وحتى الآن ..
ومع إطلالة ( الربيع العربي ) في مطلع العام الحالي 2011 ، الذي بدأ بالنهوض الجماهيري السلمي العارم تجاه الأنظمة الشمولية المستبدة الجائرة ، وتجسد في الثورات السلمية المتتالية التي حققت نجاحات باهرة بدءا من تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن وسوريا ، وفي هذه الأخيرة ، رغم اشتداد تفاعلات أحداث هذه الثورة  ورغم استخدام النظام أعنف آلة القمع والقتل والتنكيل في مواجهة الصدور العارية ، رغم كل ذلك تزداد الجماهير وطليعتها التنسيقيات الشبابية زخما وعنفوانا نحو المزيد من العمل والنشاط المتواصل من أجل تحقيق أهدافها التي تمثل تطلعات هذه الجماهير برمتها ، وعموم القوى الوطنية في الحرية والديمقراطية ، وبناء دولة المؤسسات التي تخلق التفاعل الأمثل بين مختلف المكونات الوطنية من قومية ودينية وسياسية في صنع القرار السياسي ، وتحقيق الشراكة العملية في السلطة والثروة وتوفير مستلزمات التطور والتقدم لوطننا سوريا ..
من جانب آخر ، ورغم احتضار النظام المضطرد في الداخل ، وانعزاله عن المجتمع الدولي ومحيطه العربي ومعاناته من العقوبات المفروضة عليه ، رغم كل ذلك فإنه مازال يمارس سياسته العصماء في المراوغة والتضليل ، ويسعى لإيهام الآخرين في الداخل والخارج ، بوعوده المعتادة في الإصلاحات الشاملة ، عبر المزيد من القرارات والقوانين والمراسيم الشكلية التي لا ترى لها أي ترجمة حقيقية في الواقع العملي ، كما لم يتوان عن مساعي التشويش والخداع لبعض القوى الوطنية والديمقراطية تحت حجج وذرائع شتى ، تارة بالتهديد أو التخويف من العوامل والتدخلات الخارجية أو حدوث حروب أهلية داخلية بين المكونات المجتمعية  ، وأخرى بترغيبها بالمكاسب والمنافع الآنية ..
أما الجانب الكردي ، الذي عانى الأمرين كما ذكرنا أعلاه ، فإنه ينبغي أن ينأى بنفسه عن ادعاءات النظام ودعواته المتتالية للحوار بدعوى معالجة قضايا البلاد ومعضلاتها الأساسية ، بما فيها القضية القومية لشعبنا الكردي ، لأن أي انحراف عن خط الثورة السورية أو الخروج عن السياق العام للمعارضة الوطنية في الداخل والخارج ، تحت هذه الحجة أو تلك الذريعة والوقوع في براثن شرك نظام معروف بأساليبه الماكرة ، نظام مجرب خلال عقود من الزمن ، إنما هو ضرب من اغتيال الذات أو الانتحار السياسي ، وإضعاف للثورة وتأخيرها ، ينبغي تجنبه أو الحيطة والحذر منه ومن مثل تلك الأحابيل الواضحة ، لأن مصلحة مجمل مكونات المجتمع السوري وألوان طيفه الوطني ومن بينها مصلحة شعبنا الكردي لا تكمن إلا في هذه الثورة الوطنية السلمية الجماهيرية التي يجب الاستمرار في مشاركتها بمزيد من الهمة والاقتدار ، عبر الجماهير والشباب والقوى والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني ، لأن المرحلة القادمة هي للجميع ، وهي تقتضي عمل وتفاعل الجميع عبر تضافر الجهود من أجل وحدة الصف والموقف الكردي أولا ، ومن ثم وحدة المعارضة السياسية ثانيا ، وتوحيد النشاطات الميدانية بما هي فعاليات الشباب والجماهير ثالثا ، وهكذا يمكن توفير عوامل انتصار ثورتنا الوطنية ، من أجل بناء غد أفضل ، ينعم فيه الجميع بحقوقه وحرياته الديمقراطية ، ويرفل بمعاني العزة والكرامة التي يتعطش لها عبر عقود خلت وليعيش الجميع معا في تعاضد ووئام ..

* افتتاحية العدد439 لجريدة آزادي التي يصدرها الإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا

لقراءة مواد العدد انقر هنا

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…