آلان كيكاني
فاستغل لقاءً معه ليسأله عما يرمي إليه بغيابه المتكرر عن بيته فقال له الأعرابي : اعلم أيها الضيف العزيز أن والدي كان في تجارة في الشام قبل مجيئك إلينا بأسابيع واختفى هناك , وحين اقتفيت اثره تبين لي أن رجلاً شامياً قتله ومن يومه أتردد إلى الشام بين الحين والآخر بحثاً عن قاتل أبي لأنتقم منه .
وعند السؤال عن التفاصيل اتضح للضيف جلياً أنه هو نفسه القاتل , فهو الذي قتله في الشام لطمع في ماله وهرب إلى العراق ليبتعد عن موطن الجريمة وأهل المقتول حسب توقعه .
وما كان منه إلا أن كشف عن رقبته لمضيفه وقال له ها هو قاتل أبيك أضرب عنقه بالسيف فإن القدر جاء بي من الشام إلى هنا لأختفي في بيت من قتلته دون علم مني لأنني لم أكن أعرف أن من قتلته هو غريب عن البلد أصلاً .
وهنا سرت دماء النخوة والمروءة في عروق البدوي وقال : ما نحن من نقتل ضيوفاً لجأوا إلينا يطلبون الاحتماء بنا وإن كانوا قاتلي أبينا فاذهب فإني سامحتك وأنت بريء من دم أبي .
أما كان يتصرف موظفو مطار أربيل بنصف ما تصرف به الأعرابي العراقي منذ ألفٍ من السنين رغم أن السيد عبدالرزاق عيد لم يقتل أبا أحد منهم بل كرس الرجل جزءً من حياته دفاعاً عنهم في أيام عصيبة من تاريخ كردستان العراق ؟ هب أن السيد عيد لا يحمل تأشيرة دخول ولا حتى دعوة من ممثلية حكومة إقليم كردستان , هل هناك مبرر للتعامل معه بالطريقة التي ذكرها ؟ سيما أن هيئته وسنُّه لا يوحيان أن الرجل يجلب معه مشكلة ما للإقليم , فهو ستيني وحسن المظهر ولا يلتحي بلحية سلفي إرهابي ولا يحمل ملامح بعثي عنصري , ليس شكله شكل متسول يبحث عن مال ولا متشرد يروم ملجأً , ومن كلمتين من فمه سيكتشف المرء أنه يحمل ثقافة وقيماً عليا , فلمَ حدث بحقه ما حدث ؟
هل هؤلاء هم نحن الأكراد ؟ وهل هذه هي قيمنا ؟
نعامل بهذه الطريقة المهينة ضيفاً أحبنا ودافع عنا يوم كان أطفالنا يختنقون من فعل السلاح الكيماوي ويوم كان البعثيون العنصريون يتشفون منا في سوريا والعراق .
ألا يحمل هذا المطار رمزية ما , على أنه واجهة أو مضافة للبازاني الخالد الملا مصطفى الذي أفنى عمره من أجل حقوق شعبه , وأن ضيفه يجب أن يُحترم مادامه لا يحمل أي حقد تجاه شعبه بل يحمل معه الحب والاحترام ؟
طالما راودتنا – نحن الكرد – فكرة وردية منذ طفولتنا وهي أن كردستاناً محررة لو كانت في يوم من الأيام ستكون مثلاً للحرية والديمقراطية والتسامح ومنبعاً للفكر والثقافة وملجأ لأحرار العالم وقبلة للشعوب المضطهدة , لا لموّرثة ذهبية تميز خلية الإنسان الكردي , بل للظلم والاضطهاد الذي مورس بحقه طيلة قرابة قرن من الزمن وصل إلى حد استخدام السلاح الكيماوي ضده أملاً في إنهاء وجوده على سطح الأرض .
إلا أن وقائع كثيرة ومنذ سنوات أثبتت أن الفكرة التي كنا نحلم بها ما كانت إلا اضغاث أحلام بعيدة عن الواقع وأننا الكرد لسنا سوى شريحة من هذا المجتمع الشرق أوسطي بكل علله , بثقافته المهترئة وسلوكه العنيف الذي يحتاج إلى الكثير من الصقل والتشذيب .
حقاً أن ما حصل لا يمكن تبريره .
أن تدعو صديقاً إلى بيتك لفائدة لك وعندما يطرق بابك تصد الباب في وجهه وتمنعه من الدخول .
هل يمكن لذي عقل أن يتقبل هذا الفعل ؟ وخاصة إذا كان صاحب الدعوة هو السيد عبدالزاق عيد ذو الشهرة والصيت الكبيرين في أوساط الكرد السوريين ويكاد يكون المثقف السوري الأول الذي يعترف بحق الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان وهو الذي أدار وجهه إلى الكرد وأيدهم يوم أدار المثقفون العرب ظهرهم للقضية الكردية وعادوها .
وإذا كانت سلطات الإقليم استهترت بشخص هذا الرجل فماذا عنا نحن الكرد السوريين ؟ أما كان يجب احترام السيد عيد من أجل سواد عيوننا نحن الذين نكن له الحب والاحترام ؟ ألا تعني إهانته إهانة الكرد السوريين ؟