صلاح بدرالدين
مدخل :
بداية من المفيد تشخيص وتعريف مايجري الآن بمنطقتنا منذ نهاية العام المنصرم وحتى الآن في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وبلدان أخرى مرشحة والذي أطلق عليه تسمية – الربيع العربي – وفي ايجاز مكثف قد نستخلص التالي : حركات شعبية شبابية عفوية انتقلت بصورة متدرجة من حالات الاحتجاج والتظاهر الى مواقع الانتفاضة الثورية ثم الى ثورات وطنية حقيقية تنشد الحرية واستعادة الكرامة عبر التغيير السلمي وتفكيك نظم الاستبداد الأحادية وصولا الى اعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية
مما يعني ذلك بأن هذه الثورات لابد أن تجتاز مرحلتين الأولى اسقاط نظم الاستبداد وما تتطلبه من تضحيات جسام ودراية في منازلة تميل موازينها العسكرية والأمنية والتسليحية في معظم الحالات لصالح الدولة التسلطية والثانية اعادة البناء بما تحتاج اليه من تصميم ومعرفة وتخطيط ومعارك سياسية وكما يبدو المشهد حتى الآن فان وقود الثورة الأساسي وآليتها يعودان الى الحراك الشبابي العفوي بمعزل عن الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار التي تخلفت عن الركب بل وضعت عراقيل في بعض الحالات والساحات وظلت تيارات من اليسار متأرجحة في الموقع الوسط بانتهاج درب تفضيل السياسي على الاجتماعي والانحياز الى شعارات ممانعة لفظية طال ما رفعتها نظم الاستبداد كما في مثال النظام السوري منذ عقود وفي خضم تواصل هذه الثورات وبقوة دفعها تتفاعل الظواهر الاجتماعية والسياسية وتتطور الأهداف وتبتكر الوسائل وتظهر حقائق جديدة على أرض الواقع فبتراكم التجارب والخبرات وتعمق وعي الشباب وتصحيح الأخطاء والهفوات ورغم كل الخسائر البشرية الغالية ترفد الثورات المندلعة التي لم تظفر بالنصر حتى الآن فئات اجتماعية جديدة من الطبقات الوسطى وتنحاز اليها نخب ثقافية وفنية كما أن ظاهرة الانشقاقات عن النظم الاستبدادية بدأت وخاصة من الجنود والضباط الوطنيين ومراتب الادارات وتزداد صفوفها اتساعا وفي الجانب السياسي وبمضي الوقت وفي اطار الصراع مع الاستبداد تظهر المشاريع والبرامج السياسية ومسودات الدساتير للتحضير للمرحلة الثانية من الثورة أي اعادة بناء الدولة ووضع أسس النظام السياسي المنشود .
ان البلدان التي شهدت الثورات أو المرشحة لها تنقسم الى دول بسيطة من لون واحد مثل اليمن واما مركبة ذات اللون القومي الغالب وثنائية الديانة مثل مصر أو اللون الديني الغالب وثنائية القومية مثل تونس وليبيا والجزائر أو متعددة الأقوام والديانات والمذاهب مثل سوريا ولاشك أن التحديات أمام الثورات الظافرة منها أو المتواصلة حتى الآن عديدة ومتشابكة ومصيرية وفي مقدمتها قضية وحدة وتماسك قوى الثورة بالداخل وتيارات المعارضة بالخارج ومدى الحفاظ على طبيعة الثورات السلمية أمام دموية الأنظمة وجرائمها البشعة والقاعدة الشعبية التي تتنازعها الثورات مع أنظمة الاستبداد والقوى المسيطرة عليها أو المتسلقة وسبل التعامل مع الجيش الوطني ودوره عامة وأحراره المنشقين بشكل خاص وتأثير الخسائر البشرية في الداخل والخارج ودور الاسلام السياسي في المرحلتين ومسألة التدخل الدولي الانساني منه والعسكري والمناطق الآمنة ومضامين الدساتير الجديدة وشكل النظام السياسي القادم .
النموذج السوري
هناك مشتركات رئيسية هامة تجمع كل الثورات من أهمها اسقاط الاستبداد واعادة بناء الدولة التعددية الحديثة من جميع المكونات الوطنية بشراكة عادلة في السلطة والثروة بغض النظر عن العرق والجنس والدين والمعتقد الى جانب خصوصية كل ساحة والتي يجب أن يأخذها المحلل بعين الاعتبار وقد يكون النموذج السوري مناسبا لعنوان ندوتنا هذه فهو بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب يشكل غير العرب وغير المسلمين السنة بحسب الاحصائيات غير الرسمية أكثر من 45% (الكرد بمسلميه وأزيدييه 15% العلوييون 13% المسيحييون بمافيهم الأرمن والآشور والسريان والكلدان 8% دروز 4% تركمان 2% اسماعيلييون 2% شركس وشيشان 1%) ومنذ قيام الدولة السورية مابعد الاستقلال بوجه عام وبعد تسلط حزب البعث منذ بداية ستينات القرن الماضي على وجه الخصوص تم تزوير وتشويه الخارطة التاريخية والجغرافية للمجتمع السوري بصورة مدروسة وتم الغاء كل هذه المكونات وجودا وحقوقا وثقافة ووضعت خططا للتعريب وتغيير التركيب الديموغرافي للمناطق الكردية ومنذ اندلاع الثورة السورية أعيد الاعتبار من جانب تنسيقيات الشباب وأطراف وشخصيات من المعارضة العربية الى تلك المكونات بالاعتراف بتعددية سوريا أولا وقبول حقوق جميع مكوناتها وخاصة الكرد كقومية ثانية ومنذ الأيام الأولى ظهرت شعارات في لافتات المتظاهرين في مختلف المناطق والمدن توحي بالاعتراف بالآخر واحترام خصوصياته كما أدرجت غالبية مؤتمرات المعارضة السورية في الخارج منذ مؤتمر أنتاليا للتغيير السوري في بدايات الثورة – والتي تشرفت بالقاء كلمة المكون الكردي فيه – حقائق وجود المكونات غير العربية وغير المسلمة وغير السنية واستحقاقاتها في القرارات والتوصيات واذا استثنينا جماعات الاسلام السياسي وخاصة حركة الاخوان المسلمين وبعض بقايا البعث فان الغالبية الساحقة من أطياف المعارضة السورية الديموقراطية والليبرالية واليسارية بدأت تتفهم وتتقبل وجود وحقوق الكرد والفئات والمكونات الأخرى وتلتزم بحل القضية الكردية سلميا عبر الحوار, والمناقشات مستمرة بيننا جميعا من أجل التوصل الى حلول توافقية حول وحدة المعارضة وسبل اسقاط النظام والدستور الجديد والنظام السياسي القادم وقضايا القوميات ومختلف القضايا المختلف عليها وبصورة عامة فان الثورة السورية وبمنطلقاتها الوطنية الاجتماعية الديموقراطية وبمشاريعها وتوجهاتها المستقبلية عازمة على بناء سوريا جديدة تعددية تصون حقوق الجميع ولاشك أن انتصار ثورات المنطقة ستنقل شعوبنا الى مرحلة أكثر سلاما وأمانا وحرية على قاعدة الديموقراطية التوافقية في البلدان المتعددة القوميات والمكونات مثل سوريا وغيرها وسيرسخ كما هو مأمول خيارالتعايش السلمي ومبدأ الاتحاد الاختياري الحر في بوتقة توازن المصالح والمصير الواحد وعلى قاعدة الشراكة العادلة في السلطة والثروة فالثورة المعاصرة تختلف من حيث الجوهر والقوى والآليات والأهداف عن ثورات حركات التحرر الوطني التي قامت من أجل الاستقلال وطرد الاستعمارمنذ القرن التاسع عشر ولاتمت بصلة الى مسلسل الانقلابات العسكرية الفوقية وهي جاءت لازالة واسقاط المنظومات الحاكمة المستندة على فكر الحزب الشمولي الأحادي وتحالف الأمن والمال والعائلة ضد الشعب بالداخل وفي دائرة أوسع من التحالفات الخارجية شملت جماعات الاسلام السياسي بوجهيه الشيعي والسني (تحالف البعث السوري مع حزب الله وحركة حماس وجماعات اصولية أخرى) وبخطاب لفظي ممانع مزايد مما يجعلنا ذلك أن نقول بأن العقود الأخيرة أفرزت ظاهرة التحالف والتواؤم بين وجهي الأصولية العلماني والديني وليست مصادفة أن تحققت ذلك في عهدي حكم البعثين العراقي والسوري , كما اندلعت هذه الثورات المعاصرة كرد على هزائم الحركات السياسية اليسارية منها واليمينية الحاكمة منها أو خارج الحكم وفشلها في حل المسألتين الوطنية والقومية وعجزها عن بناء الاقتصاد المتين والمضي في التنمية والاستجابة لطموحات الجيل الناشىء الجديد وتتميز جوهريا عن مسارات جبهات المعارضات الوطنية التقليدية انها ثورات من نوع جديد يتصدرها الجيل الشاب الباحث عن مستقبل يستجيب لتطلعاته المستقبلية تظهر في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين تقوم بعفوية بدون برامج وخطط وجدول أعمال ستطور نفسها بنفسها وهي منكبة أولا وآخرا على القضايا الوطنية الداخلية .
مثلما كانت جماعات الاسلام السياسي التي ترفض المقولة الخالدة ( الدين لله والوطن للجميع ) عقبة في طريق التقدم خلال حقبة الحرب الباردة لعقود متتالية ومثلما كانت ومازالت مبعث قلق في المجتمعات التعددية خصوصا ومصدر تخوف وعدم اطمئنان في صفوف المكونات الأقل عددا من غير المسلمين السنة ومن غير العرب وبمثابة أجسام متحركة مثيرة لشتى التأويلات داخل الثورات فانها ستبقى محط قلق عام وحذر وريبة حتى لو حظيت بقطف ثمار الثورات في الوهلة الأولى من دون تصدر اشعالها بل الالتحاق بها وذلك عبر صناديق الاقتراع التي نتقبل نتائجها رضوخا للعبة الديموقراطية ولكننا لن نتوقف عن الصراع معها سياسيا وسلميا وأغلب الظن أن نجاحاتها تعبر عن مرحلة معينة لابد من التفاعل معها ومواجهتها وستبقى ظاهرة وقتية لافتقارها أولا الى تراث مجرب وبرامج وآليات تتماشى مع متطلبات العصر بشأن حل قضايا الشعوب الأساسية من اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وفي القلب منها المسألتان القومية والوطنية ومايتعلق بحقوق المرأة والمكونات غير المسلمة وشروط الدولة الحديثة وهنا تظهر مرة أخرى خطورة تسييس الدين وأسلمة السياسة ونتائجها المدمرة في مصائر الشعوب والأوطان والثورات والأجيال .
ان البلدان المتعددة القوميات والأديان والمذاهب مثل الحالة السورية لن يكون دور جماعات الاسلام السياسي الا سلبيا ومثيرا للجدل مهما تفننت في حبك ألطف الألفاظ ولن تنجح وعودها وخطاباتها المنمقة في طمأنة غالبية السوريين خاصة اذا فرضت نفسها عنوانا للمعارضة السورية بدفع وتمويل قوى اقليمية وخليجية معروفة ولن تتوان القوى الديموقراطية والوطنية والليبرالية السورية من العرب والكرد والمكونات الأخرى عن أداء مهامها من أجل الحفاظ على تقاليد الحركة الوطنية وتوجهاتها العلمانية والمدنية ليس من أجل تحقيق مهام المرحلة الأولى من الثورة وهي اسقاط النظام المستبد بأقل الخسائر وتفكيك بناه ومؤسساته فحسب بل من أجل التحضير لمعركة اعادة بناء الدولة التعددية لجميع مواطنيها وازالة آثار الاستبداد وحل مختلف القضايا وخاصة القضية الكردية بحسب ارادة الكرد وقرارهم في اطار الدولة الوطنية السورية الواحدة الموحدة .
التحدي الآخر في وجه الثورة السورية والمعارضة الوطنية هو مسالة تدويل القضية السورية خاصة بعد فشل الجامعة العربية في مبادرتها فالشعب والثوار يطالبون بالحماية الدولية ودعم الجيش الحر والمناطق الآمنة وتحرك محكمة الجنايات الدولية ويصرون على اسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه وتحريم الحوار مع نظام الاستبداد وبالتالي رفض المبادرات الصادرة من هنا وهناك واستهجان القائمين بها وكل ما يصدر من الشارع الثائر هو بمثابة ثوابت لمعارضة الخارج سيتم الالتزام بها وتحقيقها بكل الامكانيات المتوفرة يبقى أن نقول بضرورة تعزيز وحدة المعارضة الوطنية السورية على قاعدة الديموقراطية والمشاركة والمساواة من دون اقصاء أي طرف أو فرد أو جماعة وفي اطار خارطة طريق وبرنامج مرحلي وتصور مشترك حول سوريا الجديدة القادمة .
ختاما شكرا لاصغائكم والامتنان لوزارة الثقافة باقليم كردستان العراق وجامعة دهوك .
·- ورقة قدمها السياسي الكردي السوري صلاح بدرالدين في الكونفرانس الفكري ” المثقف والتحولات في المنطقة ” ضمن عدة محاور تتعلق ” بمستقبل المنطقة في ضوء المتغيرات السياسية الجديدة ” المنعقد باشراف وزارة الثقافة باقليم كردستان العراق بالتعاون مع جامعة دهوك في 15 – 17 12 – 2011 بمدينة دهوك .
ان البلدان التي شهدت الثورات أو المرشحة لها تنقسم الى دول بسيطة من لون واحد مثل اليمن واما مركبة ذات اللون القومي الغالب وثنائية الديانة مثل مصر أو اللون الديني الغالب وثنائية القومية مثل تونس وليبيا والجزائر أو متعددة الأقوام والديانات والمذاهب مثل سوريا ولاشك أن التحديات أمام الثورات الظافرة منها أو المتواصلة حتى الآن عديدة ومتشابكة ومصيرية وفي مقدمتها قضية وحدة وتماسك قوى الثورة بالداخل وتيارات المعارضة بالخارج ومدى الحفاظ على طبيعة الثورات السلمية أمام دموية الأنظمة وجرائمها البشعة والقاعدة الشعبية التي تتنازعها الثورات مع أنظمة الاستبداد والقوى المسيطرة عليها أو المتسلقة وسبل التعامل مع الجيش الوطني ودوره عامة وأحراره المنشقين بشكل خاص وتأثير الخسائر البشرية في الداخل والخارج ودور الاسلام السياسي في المرحلتين ومسألة التدخل الدولي الانساني منه والعسكري والمناطق الآمنة ومضامين الدساتير الجديدة وشكل النظام السياسي القادم .
النموذج السوري
هناك مشتركات رئيسية هامة تجمع كل الثورات من أهمها اسقاط الاستبداد واعادة بناء الدولة التعددية الحديثة من جميع المكونات الوطنية بشراكة عادلة في السلطة والثروة بغض النظر عن العرق والجنس والدين والمعتقد الى جانب خصوصية كل ساحة والتي يجب أن يأخذها المحلل بعين الاعتبار وقد يكون النموذج السوري مناسبا لعنوان ندوتنا هذه فهو بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب يشكل غير العرب وغير المسلمين السنة بحسب الاحصائيات غير الرسمية أكثر من 45% (الكرد بمسلميه وأزيدييه 15% العلوييون 13% المسيحييون بمافيهم الأرمن والآشور والسريان والكلدان 8% دروز 4% تركمان 2% اسماعيلييون 2% شركس وشيشان 1%) ومنذ قيام الدولة السورية مابعد الاستقلال بوجه عام وبعد تسلط حزب البعث منذ بداية ستينات القرن الماضي على وجه الخصوص تم تزوير وتشويه الخارطة التاريخية والجغرافية للمجتمع السوري بصورة مدروسة وتم الغاء كل هذه المكونات وجودا وحقوقا وثقافة ووضعت خططا للتعريب وتغيير التركيب الديموغرافي للمناطق الكردية ومنذ اندلاع الثورة السورية أعيد الاعتبار من جانب تنسيقيات الشباب وأطراف وشخصيات من المعارضة العربية الى تلك المكونات بالاعتراف بتعددية سوريا أولا وقبول حقوق جميع مكوناتها وخاصة الكرد كقومية ثانية ومنذ الأيام الأولى ظهرت شعارات في لافتات المتظاهرين في مختلف المناطق والمدن توحي بالاعتراف بالآخر واحترام خصوصياته كما أدرجت غالبية مؤتمرات المعارضة السورية في الخارج منذ مؤتمر أنتاليا للتغيير السوري في بدايات الثورة – والتي تشرفت بالقاء كلمة المكون الكردي فيه – حقائق وجود المكونات غير العربية وغير المسلمة وغير السنية واستحقاقاتها في القرارات والتوصيات واذا استثنينا جماعات الاسلام السياسي وخاصة حركة الاخوان المسلمين وبعض بقايا البعث فان الغالبية الساحقة من أطياف المعارضة السورية الديموقراطية والليبرالية واليسارية بدأت تتفهم وتتقبل وجود وحقوق الكرد والفئات والمكونات الأخرى وتلتزم بحل القضية الكردية سلميا عبر الحوار, والمناقشات مستمرة بيننا جميعا من أجل التوصل الى حلول توافقية حول وحدة المعارضة وسبل اسقاط النظام والدستور الجديد والنظام السياسي القادم وقضايا القوميات ومختلف القضايا المختلف عليها وبصورة عامة فان الثورة السورية وبمنطلقاتها الوطنية الاجتماعية الديموقراطية وبمشاريعها وتوجهاتها المستقبلية عازمة على بناء سوريا جديدة تعددية تصون حقوق الجميع ولاشك أن انتصار ثورات المنطقة ستنقل شعوبنا الى مرحلة أكثر سلاما وأمانا وحرية على قاعدة الديموقراطية التوافقية في البلدان المتعددة القوميات والمكونات مثل سوريا وغيرها وسيرسخ كما هو مأمول خيارالتعايش السلمي ومبدأ الاتحاد الاختياري الحر في بوتقة توازن المصالح والمصير الواحد وعلى قاعدة الشراكة العادلة في السلطة والثروة فالثورة المعاصرة تختلف من حيث الجوهر والقوى والآليات والأهداف عن ثورات حركات التحرر الوطني التي قامت من أجل الاستقلال وطرد الاستعمارمنذ القرن التاسع عشر ولاتمت بصلة الى مسلسل الانقلابات العسكرية الفوقية وهي جاءت لازالة واسقاط المنظومات الحاكمة المستندة على فكر الحزب الشمولي الأحادي وتحالف الأمن والمال والعائلة ضد الشعب بالداخل وفي دائرة أوسع من التحالفات الخارجية شملت جماعات الاسلام السياسي بوجهيه الشيعي والسني (تحالف البعث السوري مع حزب الله وحركة حماس وجماعات اصولية أخرى) وبخطاب لفظي ممانع مزايد مما يجعلنا ذلك أن نقول بأن العقود الأخيرة أفرزت ظاهرة التحالف والتواؤم بين وجهي الأصولية العلماني والديني وليست مصادفة أن تحققت ذلك في عهدي حكم البعثين العراقي والسوري , كما اندلعت هذه الثورات المعاصرة كرد على هزائم الحركات السياسية اليسارية منها واليمينية الحاكمة منها أو خارج الحكم وفشلها في حل المسألتين الوطنية والقومية وعجزها عن بناء الاقتصاد المتين والمضي في التنمية والاستجابة لطموحات الجيل الناشىء الجديد وتتميز جوهريا عن مسارات جبهات المعارضات الوطنية التقليدية انها ثورات من نوع جديد يتصدرها الجيل الشاب الباحث عن مستقبل يستجيب لتطلعاته المستقبلية تظهر في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين تقوم بعفوية بدون برامج وخطط وجدول أعمال ستطور نفسها بنفسها وهي منكبة أولا وآخرا على القضايا الوطنية الداخلية .
مثلما كانت جماعات الاسلام السياسي التي ترفض المقولة الخالدة ( الدين لله والوطن للجميع ) عقبة في طريق التقدم خلال حقبة الحرب الباردة لعقود متتالية ومثلما كانت ومازالت مبعث قلق في المجتمعات التعددية خصوصا ومصدر تخوف وعدم اطمئنان في صفوف المكونات الأقل عددا من غير المسلمين السنة ومن غير العرب وبمثابة أجسام متحركة مثيرة لشتى التأويلات داخل الثورات فانها ستبقى محط قلق عام وحذر وريبة حتى لو حظيت بقطف ثمار الثورات في الوهلة الأولى من دون تصدر اشعالها بل الالتحاق بها وذلك عبر صناديق الاقتراع التي نتقبل نتائجها رضوخا للعبة الديموقراطية ولكننا لن نتوقف عن الصراع معها سياسيا وسلميا وأغلب الظن أن نجاحاتها تعبر عن مرحلة معينة لابد من التفاعل معها ومواجهتها وستبقى ظاهرة وقتية لافتقارها أولا الى تراث مجرب وبرامج وآليات تتماشى مع متطلبات العصر بشأن حل قضايا الشعوب الأساسية من اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وفي القلب منها المسألتان القومية والوطنية ومايتعلق بحقوق المرأة والمكونات غير المسلمة وشروط الدولة الحديثة وهنا تظهر مرة أخرى خطورة تسييس الدين وأسلمة السياسة ونتائجها المدمرة في مصائر الشعوب والأوطان والثورات والأجيال .
ان البلدان المتعددة القوميات والأديان والمذاهب مثل الحالة السورية لن يكون دور جماعات الاسلام السياسي الا سلبيا ومثيرا للجدل مهما تفننت في حبك ألطف الألفاظ ولن تنجح وعودها وخطاباتها المنمقة في طمأنة غالبية السوريين خاصة اذا فرضت نفسها عنوانا للمعارضة السورية بدفع وتمويل قوى اقليمية وخليجية معروفة ولن تتوان القوى الديموقراطية والوطنية والليبرالية السورية من العرب والكرد والمكونات الأخرى عن أداء مهامها من أجل الحفاظ على تقاليد الحركة الوطنية وتوجهاتها العلمانية والمدنية ليس من أجل تحقيق مهام المرحلة الأولى من الثورة وهي اسقاط النظام المستبد بأقل الخسائر وتفكيك بناه ومؤسساته فحسب بل من أجل التحضير لمعركة اعادة بناء الدولة التعددية لجميع مواطنيها وازالة آثار الاستبداد وحل مختلف القضايا وخاصة القضية الكردية بحسب ارادة الكرد وقرارهم في اطار الدولة الوطنية السورية الواحدة الموحدة .
التحدي الآخر في وجه الثورة السورية والمعارضة الوطنية هو مسالة تدويل القضية السورية خاصة بعد فشل الجامعة العربية في مبادرتها فالشعب والثوار يطالبون بالحماية الدولية ودعم الجيش الحر والمناطق الآمنة وتحرك محكمة الجنايات الدولية ويصرون على اسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه وتحريم الحوار مع نظام الاستبداد وبالتالي رفض المبادرات الصادرة من هنا وهناك واستهجان القائمين بها وكل ما يصدر من الشارع الثائر هو بمثابة ثوابت لمعارضة الخارج سيتم الالتزام بها وتحقيقها بكل الامكانيات المتوفرة يبقى أن نقول بضرورة تعزيز وحدة المعارضة الوطنية السورية على قاعدة الديموقراطية والمشاركة والمساواة من دون اقصاء أي طرف أو فرد أو جماعة وفي اطار خارطة طريق وبرنامج مرحلي وتصور مشترك حول سوريا الجديدة القادمة .
ختاما شكرا لاصغائكم والامتنان لوزارة الثقافة باقليم كردستان العراق وجامعة دهوك .
·- ورقة قدمها السياسي الكردي السوري صلاح بدرالدين في الكونفرانس الفكري ” المثقف والتحولات في المنطقة ” ضمن عدة محاور تتعلق ” بمستقبل المنطقة في ضوء المتغيرات السياسية الجديدة ” المنعقد باشراف وزارة الثقافة باقليم كردستان العراق بالتعاون مع جامعة دهوك في 15 – 17 12 – 2011 بمدينة دهوك .