السياسية فن ( اخوان المسلمين وعبد الحليم خدام)

شهاب عبدكي

جاء في كتاب علم السياسة لدكتور حسن صعب أن السياسة هي فن المساومة و التسوية ، والمساومة
والتسوية هما وسيلتان ضروريتان من وسائل التراضي الاختياري ،  والتراضي الاختياري هو أرفع صورة من صور التفاهم في المجتمع الراقي.

هذا التصور أو التعريف من وجهة نظر خاصة نعبر عن حالة عامة في المجتمعات ،  ولم يعطي الجواب
في الجزئيات التعامل السياسي ، لذلك قد يأتي التسامح في السياق التعريف  ولكن دون ظهور محتواه بشكل صريح ، ولكن هل التسامح يشمل من أجرم بحق الشعب والدولة.

والسؤال الثاني هو لماذا لم يتراجع قبل هذه الضغوطات الموجهة لسوريا و التداعيات اغتيال الحريري وإقصاءه من مركزه كنائب لرئيس الدولة ، فعبد الحليم خدام أحد أقطاب النظام ومؤسس لسياسته و فاعل في المظالم التي واجهت الشعب السوري ، فهو متهم قبل توجيه التهمة وهو مد قبل إثبات التهمة، وبرأي ليس من  البساطة التعامل معه ، وان الذي فات مات حسب قول شعبي ، وقد تكون المسامحة في علم السياسة لا يمكن مقارنته بما هو موجود  في القانون العقوبات  ، حيث الجزاء هو رد فعل ايجابي على ما يصدر من الفاعل من جرائم بحق المجتمع ، و في هذه الحالة قد يتم مسامحة عبد الحليم خدام عن ما صدر منه أثناء مسيرته السياسية في كل أرائه ومقابلاته و علاقاته السياسية ،  ولكن لا يجوز أن يكون هناك من ينوب عن الشعب السوري في مسامحته عن جرائم التي ارتكبت و حصلت بموافقته كونه كان عضواً في القيادة القطرية  (قائد الدولة والمجتمع)
والمعروف في قانون المحاكمات أن العقوبة توقع باسم الشعب وليس باسم شخصية أو طرف معين ،  وما ذهب إليه جماعة الإخوان المسلمين في بروكسل والاتفاق معه على وثيقة لخلاص الوطن قد يفوق المناورة في علم السياسية ، إنما هي وثيقة لتبرئة عبد الحليم خدام من التهم الموجهة له.

وقد أبدى جماعة الإخوان في الآونة الأخيرة مرونة وتغير في بعض المواقف تجاه القضايا الأساسية في البلاد ، فكانت محل ترحيب من جميع القوى بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر ،  ولكن أن تصل المرونة إلى حد مسامحة فاعل أساسي ما ألت إليه الأوضاع في  سوريا ، هذه قد تكون بداية للإشكاليات في المستقبل للمسائل المصيرية، وأن الاختلاف في وجهات النظر سوف يرتقي إلى صرا عات غير مبررة  لا تخدم سوى فئة .

كما أن جماعة الإخوان قد عبرت وأكثر من مرة على أنه لابد من التوافق  في الرؤية لقضايا المركزية في السورية و الاستحقاقات المقبلة ، و بادرت في عكس الاتجاه عندما وضعوا مشروع كامل من وجهة نظرهم وعبد الحليم خدام حول مستقبل سوريا دون مشاورة مع أي طرف أخر سوى الإشارة لإعلان  دمشق في مقدمة الوثيقة وقد تكون هذه مناورة أخرى من جماعة الإخوان لكسب رأي بعض الأطراف الموقعين على وثيقة إعلان دمشق .

وحتى لا نبتعد عن الحقيقة ، الإخوان لهم مشروع خاص داخل سوريا ، والمرتكز الرئيسي لفكرهم في السنوات الماضية كان بناء نظام شمولي كسواه من الأنظمة التي تتبنى فكر الحزب الواحد على أساس ديني ، ومع التغيرات الدولية وسقوط أغلب الأنظمة الشمولية بدا التحول في خطاب الإخوان  و آلية التعامل معهم  وكتعبير على ذلك ما نشر عنهم من بيانات وتوضيحات ، وكذلك ما جاء في ميثاق الشرف ورؤيتهم حول قضية الكردية ، حيث اعتبر بداية  لتفهمهم لمكونات الشعب السوري والخصوصيات التي يتمتع بها ، ودل ذلك على مواكبة جماعة لتغيرات  الدولية ، وأن لديهم مشروع جديد للعمل داخل سوريا ومع الشركاء بغض النظر عن الخلاف الديني والمذهبي والقومي وقد تضامنوا مع وثيقة إعلان دمشق ، وبذلك انخرطت الجماعة في العمل السياسي من بوابة الشراكة ضمن وحدة البلاد  ، وما يقلق مما سبق أن الإخوان لهم  خطوط غير مرئية وهذا لا يشجع للمراهنة على أي خط يسير عليه الإخوان ، خاصة وأن الظروف التي يمر بها البلاد وما ينتظر من جميع لا يتحمل التقلبات ، وإنما إستراتجية عامة لوضع الحلول لكل القضايا.

فالنائب السابق أخذ سك المسامحة من الجماعة، وهو المتهم بدفن النفايات في سوريا وهذه جريمة تعتبر من الجرائم الخيانة العظمى للبلد ، والوثيقة التي وقع عليها لا تبرئه دون محاكمة ، وبرأي المتواضع أن الإخوان قد أخطأوا في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة بالنسبة لجميع القوى الموجودة على الساحة وفي الخارج،  وإذا كانت هذه الوثيقة تعتبر مناورة سياسية أظن أنها تخطت حدود المناورة و العمل السياسي .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…