صلاح برواري .. أترانا نسيناك في زحمة الموت؟!

عمر كوجري 

                     إلى إبراهيم اليوسف وعبدالباقي حسيني أيضاً

لا أتصوّر أنه كان بذهن أكثر المتشائمين أو حتى أكثر الأعداء ضراوة أن صلاح برواري الذي كان يفيض تحناناً وألفة ورقة وحيوية بادية، يلملم أوراق عمره ورقةً إثر ورقة كما صبره الذي عهدناه، ويستعد للرحيل، ويغادرنا إلى دنيا أخرى ليس فيها هذا الهلاك اليومي الذي نتلمسه بتلف أعصابنا ووجع قلوبنا، فيها راحة أبدية ونوم طويل في الغالب الأعم” رحل في 26- 11 -2010 في غفلة ذهب صلاح، دون أن يرتوي من القراءة والبحث، ودون أن ترتاح روحه من القلق الكبير الذي كان يعتري طريق إبداعه.
المهم، رحل صلاح، استراح هو أولاً من تعب وألم مرض حقير كان سينهشه أكثر ممّا نهش، وربما كان سيجعل أصدقاءه أو حتى عائلته التي أحبته كثيراً  تدعو ربها في غفلة من عينيه، ليعجّل برحيله لشدة ما كانت سترى إمارات الألم الفظيع مطبوعة  على كل مسام من مسامات جسمه، وكل ذرة من كيانه.
لقد كان فقدُ صلاح مؤلمة لنا جميعاً، وأكاد أقول للعديد الكبير الذي اختلط به، هذا العديد الذي أحبه كثيراً أو نفرَ منه كثيراً، لكن الجميع ظل حتى في تفرده مع نفسه يحترم هذا الإنسان المثقف غير العادي.


في لحظة قاسية أحسسنا – نحن أصدقاؤه- أنه صار من المتعذّر سماع معلقاته الطويلة، والظفر برؤية وجهه البشوش والنقي إلى حدِّ الحسد.
هذه اللحظة السوداء تبدّت أكثر ما تبدت على وجوه ثلاثة أو هكذا أخمّن: إبراهيم اليوسف- عبدالباقي حسيني، وثالثهم ..

أنا، كانت فاجعتنا حادة، ودموعُنا لا تعرف مستقرها في العيون، نكتب لبعضنا البعض، نكتب نحن الثلاثة بدموعنا أكثر من أصابع تنقر على الكيبورد البارد، كنا نشعرُ نحن الثلاثة أن جبلاً كان يحوي مشاغباتنا قد انهدَّ على بعضه، ولأننا لم نؤمن بأن الرجل ذهب لملاقاة وجه باريه،  أو كنا مصعوقين بذلك الفقد المفاجئ، فقد تزاحمت الأفكار بأذهاننا: كيف نردُّ لهذا الجميل والنقي بعضاً من الإشراقة، وبعضاً من الوفاء بدين الأصدقاء.
كالعادة كتب لي إبراهيم اليوسف وكذا عبدالباقي حسيني، ماذا تقترح أن نفعل للرجل ..

الرجل حقاً؟؟
اتفقنا من حيث المبدأ أن نطبعَ أعماله غير المطبوعة بالتنسيق مع عائلته ومع زوجته الأخت الغالية لمعان إبراهيم، وكنتُ قد لمحت لها في الأربعينية  حينما ذهبنا بمعية أصدقاء جميلين إلى عفرين حيث يرتاحُ جسدُ صديقنا صلاح.
 وانفتح قلب إبراهيم اليوسف عن تكريم من نوع آخر وهو أن نخصّصَ جائزة سنوية باسم الراحل في الإبداع في كل ضروبه تخليداً لعطر ذكراه، ووافقنا على الفور، للأمانة صديقنا الشهم والكريم أبو ماني، قال لي: تحرّك، ولا تأبه بالتكاليف!
لكن إلى الآن يبدو أننا نسينا أو تناسينا أو أن الظروف التي استجدت على البلاد” أسوق هذه الأعذار، وأشعر أنها جميعاً أقبح من ذنبي الشخصي أولاً” يبدو أننا نسينا ما كنا نخططُ له لذكرى صديقنا، فكلام النهار ابتلعه الليل في سواده المبهم والبهيم.
لا بل بعد الأربعينية لم أهاتف بيت الغالي صلاح إلا مرات قليلة، وأكثر من مرة كنت أتلفن لمنزلهم فيأتي الجواب أن لا أحد موجود، فأنسى معاودة الاتصال في زحمة هذا الموت اليومي والمجاني.


منذ مدة التقيت بالصديق إبراهيم حاج عبدي، أكدت له تقصيري حيال عائلة فقيدنا، فقال إنه يتواصل مع زوجة المرحوم تلفونياً،  ذكر أنه ذاهب للخارج، واتفقنا حال العودة أن نزور الأخت لمعان والعائلة الكريمة وإلى الآن لم يتصل، وحتى لم أتّصلْ أنا به.
صديقيّ: أبو أيهم وأبو ماني، لو تعلمان كم أشعر بتقصير، وألم فظيع، وأنا أتذكر- اللحظة – تاريخاً كان بيننا وبين المرحوم!!
إبراهيم، كيف فاتتك الذكرى الأولى لرحيل المرحوم، ولم تكتب عنه شيّا، وكذلك أنت عبدالباقي؟؟ وأنتما فارسا الكلام الطيب، واللمحة الدافئة، أنا هنا أنقد نفسي، وألومها هذه اللوامة بأسى كثير.
أعرفكما رائعين، وستظلان، ولأنكما كذلك كانت هذه الكلمات..

هذا الاعتذار لذكرى صديقنا المشترك صلاح، الاعتذار لعائلته وأختنا لمعان.
عذراً كاك صلاح، أصدقاؤك لن ينسوك في زحمة هذا الدم المسفوك كل غمضة عين، سنفعل لك شيئاً، بي ثقة بذلك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…