ضربة «المعلم» أم هزالته؟

ديانا مقلد
 

لندع جانبا، ولو لوقت قصير، مشاعر السخط والغضب والاستفظاع وكل تلك الانفعالات التي تخلفها فينا ممارسات ومواقف ودموية النظام في سوريا، ولنحاول التأمل في المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الخارجية السوري وليد المعلم.

هذا المؤتمر، الذي بات أشبه بالموقف الأسبوعي للنظام، لم يحمل أي موقف أو مضمون سياسي جديد باستثناء عرض صور فيديو وصفها الإعلام السوري بـ«المفاجأة» التي يفترض أنها أربكت الجميع، والمقصود بالجميع، كما قال المعلم، ولاحقا الإعلام السوري، هو الفضائيات الإخبارية العربية والعالم ربما.
«مفاجأة» المعلم كانت فيلما يفترض أنه يظهر مشاهد قتل وتمثيل بجثث نفذتهما مجموعات إرهابية مسلحة بحق عناصر الجيش والأمن والمدنيين في سوريا.

عُرِض الفيلم ولم تكد تمر دقائق على عرضه حتى تكشفت الفضيحة.

صور القتيل الممثل بجثته لم يكن سوى شاب مصري قتل في بلدة كترمايا اللبنانية عام 2010 وشهد العالم بأسره كيف جرى قتله والتمثيل بجثته، أما الصور الأخرى فكانت لشباب لبنانيين من مدينة طرابلس خلال معارك جرت عام 2008.

كان تكذيب تلك الصور أمرا في غاية السهولة ولا يحتاج لأي جهد، وهذا ما يضاعف الحيرة.

لماذا قرر المعلم والعقل الإعلامي للنظام السوري استسهال عرض تلك الأفلام الموجودة في أكبر أرشيف كوني وهو «يوتيوب» والزعم أنها جرت في سوريا من قبل مسلحين وإرهابيين؟ بل حتى وبعد تكذيب تلك الصور واصل الإعلام الرسمي السوري الاحتفاء بما سماه أحدهم «ضربة المعلم» من خلال عرض تلك الأفلام وتجاهل حقيقة أن الجميع بات يدرك للمرة الألف كذب النظام في سوريا.

هناك احتمالان لا ثالث لهما حيال ما عرضه المعلم، الأول: أن يكون ثمة من نصب فخا لوزير الخارجية السوري من داخل الجهاز الإداري، وبالتالي من داخل النظام، الهدف منه إسقاط الوزير في فخ هزيل على النحو الذي سقط فيه.

وهذا الاحتمال يأخذنا في حال صحته إلى اعتقاد أن ثمة ما يجري داخل النظام، وجهة يجري الدفع بها في مواجهة وجهة يمثلها المعلم هي في النتيجة خلاصة ما يرى الرئيس السوري بشار الأسد أنها أسلوب النظام.

الاحتمال الثاني يتمثل في أن الاهتراء وصل في الجهاز السياسي لنظام البعث إلى حد لم يعد فيه بيروقراطيوه يميزون بين مشهد ومشهد وصورة وصورة، وكلا الاحتمالين يشعرنا بأننا حيال مرحلة جديدة من حياة النظام في سوريا، إما انشقاق عن يمينه وإما انهيار في داخله.

بل ثمة احتمال ثالث يتمثل في غياب أي منطق للأداء الإعلامي للنظام في سوريا، فمن يستحضر أهل أطفال شاهدهم العالم معذبين ومقتولين ليسحب منهم عنوة كلاما آخر، من يفعل ذلك لا نعتقد أنه يقيم وزنا للفارق بين كترمايا وحمص أو بين باب التبانة وجسر الشغور.

نعم في أداء النظام السوري قدر هائل من العنف والدموية كما فيه الكثير من الفوضى وقلة الاكتراث بعقول المخاطبين.

diana@asharqalawsat.com  

الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…