الدستور السوري وشر عنة التمييز بين السوريين

رديف مصطفى *

الدستور السوري وشر عنة التمييز بين السوريين رسم نابليون على النقود في عهده الإمبراطوري العبارة التالية ” إمبراطور بمقتضى الدستور ” ويقول سان جوست: ” لا يقوم وطن حيث لا يوجد قانون، لذلك لا وطن للشعوب التي تعيش تحت نير الاستبداد إلا وطن احتقار الأمم الأخرى.

” دون أية مواربة يشكل القانون جوهر الدولة الديمقراطية، ويعد مبدأ سيادة القانون أو المساواة أمامه، بحق من أهم مرتكزات بناء الدولة /الأمة، بناء دولة الحق والقانون التي تصون حرية الإنسان الفرد وحقوقه الأساسية، الدولة التي تقوم على أساس من الفصل بين السلطات وتسييد القانون وعلى مبدأ المشاركة السياسية المساوية لجميع المواطنين يَنتخب ويُنتخب فيها جميع المواطنين عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تخضع لمراقبين حياديين،

ولا بد أن يكون هذا القانون عادلاً ويناط به إلى قضاء مستقل ونزيه.

لا شك إننا بحاجة ماسة إلى دولة القانون كي نبتعد عن تخوم الغابة البشرية التي مازلنا عالقون بها فكيف إذا كان ما نتحدث عنه هو الدستور الذي هو القانون الأسمى في الدولة.

تعريف الدستور: هناك عدة تعار يف للدستور سأورد منها: 1- هو القانون الأساسي للدولة الذي يحدد الهيكل العام للدولة وينظم قواعد الحكم ويوزع السلطات ويبين اختصاص كل منها ويضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد ويبين حقوقهم وواجبا تهم ومدى سلطان الدولة عليهم.

2- إنه القانون الأسمى للدولة، يتضمن مجموعة القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي والعديد من المبادىء الاقتصادية الاجتماعية وكذلك الحقوق الأساسية للأفراد فهو من حيث الشكل: الصك القانوني الذي يتم وضعه بإتباع قواعد محددة.مما يضفي عليه صفة خاصة يفترق بها عن القوانين العادية .إنه التعبير عن الوجود القانوني للدولة الذي ينبثق عنه مبدأ الشرعية وسيادة القانون .

نتبين من خلال تعريف الدستور بأنه يتميز عن باقي القوانين في أنه القانون الأسمى، وينبغي أن تخضع جميع القواعد القانونية الأخرى لقواعد الدستور وأي قانون يخالف الدستور يعتبر باطلاً وأنا أعتقد بأننا عندما نتحدث عن دستور دولة ديمقراطية ينبغي أن يتضمن هذا الدستور الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وخصوصاً ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ماذا عن الدستور السوري النافذ: في قراءة سريعة وأولية للدستور السوري النافذ الصادر في 13/3/1973 يتضح لنا بجلاء عدم الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات عبر تكريس هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية في العديد من المواد وخصوصاً فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، كما أن هذا الدستور لا يضمن الحقوق والحريات الأساسية للأفراد في الحد الأدنى وهو يتناولها في إطار العموميات ويخضع لتوجهات سياسية معينة بهذا الخصوص ولا يساوي بين المرأة والرجل.

وكما أن الدستور السوري لا يضمن استقلال القضاء سواء فيما يخص بتبعيته للسلطة التنفيذية أو فيما يخص إحداث الخلل في اختصاص القضاء عبر منح العديد من الاختصاصات للمحاكم الاستثنائية، إضافة إلى أن الدستور السوري عطل نفسه حسب المادة / 153 / منه التي نصت على إبقاء بعض القوانين الاستثنائية سارية المفعول إلا أن تعدل بما يوافق أحكامه وأهم أبرز هذه القوانين: أ – إعلان حالة الطوارىء لعام 1963 ب – قانون حماية الثورة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم / 6 / تاريخ 7 / 1 / 1965 ج – قانون إحداث المحاكم العسكرية رقم / 109 / تاريخ 17 / 8/ 1968 د – القانون الخاص بإحداث محاكم أمن الدولة الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم / 47 / تاريخ 28 / 3 / 1968 هـ – القانون بإحداث إدارة أمن الدولة الذي يحصن موظفي الأمن من الملاحقة القضائية نتيجة ارتكابهم الجرائم بموجب المرسوم التشريعي رقم / 14 / تاريخ 15 / 1 /1969 وخصوصاً في المادة / 16 / و – الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 ومشروع الحزام العربي.

ورغم مخالفة هذه النصوص والتشريعات للدستور فلم يتم حتى اليوم طرح مسألة دستورية هذه القوانين على بساط البحث ويتم التذرع بالمادة / 153 /من الدستور نفسه.

من خلال هذا القراءة السريعة اعتقد بأنني عرضت مقدمة عامة توضيحية لما سوف أخوض فيه بالتفصيل حول الدستور السوري والتمييز بين السوريين.

إن من يعرف سوريا أو من يتابع الشأن السوري يدرك بأن سوريا بلد متعدد القوميات والأديان والأطياف ويحتوي على مختلف التيارات السياسية، فهنالك العرب والكرد والآشوريين كقوميا ت أساسية والتركمان والأرمن والسريان وهناك المسلون والمسيحيون والإيزيديون والدروز والإسماعيليون وغيرهم وهناك مختلف التيارات السياسية العاملة في الساحة السورية فكيف عالج الدستور السوري نعمة التعددية هذه.

قبل الخوض في هذا الموضوع مباشرة أود أن أذكر بالتوصية التي أقرها المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث العربي الاشتراكي بخصوص قانون أحزاب نظراً لعدم وجود قانون للأحزاب في سوريا حتى الآن، حيث نصت على أن لا تكون هذه الأحزاب دينية أو قومية أو مناطقية وإنني أعتقد إنهم يرغبون أن لا تكون هذه الأحزاب حتى سياسية، إن قراءة أولية لهذه التوصية تد لل بشكل واضح على تجاهل المكونات الأساسية للمجتمع السوري وفي الحقيقة إن الدستور السوري النافذ لم يكن أحسن حالاً في تجاهل هذه المكونات بل إنه ينطوي على نصوص دستورية خطيرة، تنطوي على التمييز بين المواطنين السوريين وإن أهم مستويات ومواطن التمييز وحسب أهميتها وخطورتها تأتي فيما يلي: أولاً: التمييز السياسي ثانياً: التمييز القومي ثالثاً: التمييز الديني أولاً التمييز السياسي: لا شك إن عملية شر عنة التمييز بين الموطنين دستورياً بسبب آرائهم السياسية هو نتيجة لسيطرة العقلية البعثية ذات الطابع الشمولي التي صاغت مبادىء الدستور ونصوصه حيث جاء في المادة الثامنة من الدستور:” حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية “.

كما جاء في المادة / 84 / 1 بخصوص ترشيح رئيس للجمهورية الذي يتم بناءاً على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وترشيح مجلس الشعب ثم إجراء استفتاء شعبي .

والمادة / 53 / التي تتضمن بأن نصف أعضاء مجلس الشعب يجب أن يكونوا من العمال والفلاحين – هذا إضافة إلى ما ذكرناه سابقاً ممن منحو أوضاع استثنائية ومتميزة بموجب القوانين والتشريعات الاستثنائية التي أبقى عليها الدستور.

إن قراءة متأنية لما تم عرضه سابقاً تثبت مدى خطورة هذه المواد إذ بمجرد الانتماء إلى حزب البعث أو إلى أحد الأحزاب الملحقة به في الجبهة يمنح الفرد وضعاً سياسياً استثنائيا و مميزاً عن غيره من المواطنين ويضعه في مرتبة الجماعة القائدة للدولة والمجتمع مما أدى ويؤدي إلى احتكار الشأن العام وجميع السلطات وتركيزها بيد فئة وحرمان الآخرين فغالبية الوظائف العامة التي أصبحت بيد البعثيين, وتم إلغاء التعددية السياسية التي ساهمت بشكل مباشر في نشر الفساد والمحسوبية, وكذلك حصر الدستور الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية بالبعثيين فقط عن طريق ترشيح القيادة القطرية وهذا أيضاً يعد انتهاكاً لحقوق باقي الفئات السياسية الأخرى، وبوصفه بعثياً منح الرئيس دستورياً صلاحيات أقل ما يمكن وصفها بالمطلقة.

أما بخصوص المادة / 53 / وحصر نصف أعضاء مجلس الشعب من العمال والفلاحين فقد جرت العادة بأن البعث والجبهة هما الممثلان الشرعيان والوحيدان لهؤلاء لذلك فهم يدرجون في قوائم ناجحة سلفاً إضافة إلى باقي فئات المواطنين والتي أيضا تتطلب شروط الموالاة على الأقل، إن هذه المادة وغيرها مما ذكرناه تعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان السوري ولا شك هي تعد تمييزاً حقيقاً بين المواطنين بسبب آرائهم السياسية.

ثانياً التمييز القومي: الدستور السوري لا يعترف بالشعوب او بأية أقلية قومية موجودة في سوريا رغم كثرتها بل على العكس إن روح البعث المتجسدة في المبادىء والنصوص الدستورية تحث بشكل واضح على تعريب الفئات الأخرى وصهرها في بوتقة القومية العربية ناهيكم عن تجاهلها باختصار هو دستور تم صياغته وفق الايدولوجيا البعثية وهو يتبنى الشعارات والأهداف البعثية ويختصر سوريا التي تتميز بالتنوع العرقي والديني والاجتماعي والسياسي إلى حزب البعث وجبهته التي تتبنى هي بدورها أهداف ومنطلقات ومقررات مؤتمراته.ويبدأ هذا من أسم سوريا الذي كان سابقاً الجمهورية السورية وينتهي إلى اعتبار جميع السوريين عرب يعملون من أجل أهداف الأمة العربية وفق عقيدة البعث ،وحقيقة إن الدستور السوري يقترب هنا من كونه برنامج سياسي لحزب أكثر من كونه دستور دولة .

المادة الأولى ف1 – اسم الدولة هو الجمهورية العربية السورية ف2 – القطر العربي السوري هو جزء من الأمة العربية ف3 – الشعب في القطر العربي السوري هو جزء من الأمة العربية ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة.

المادة / 4 / اللغة العربية هي اللغة الرسمية المادة / 21 / يهدف نظام التعليم والثقافة إلى إنشاء جيل عربي قومي المادة / 134/ تصدر الأحكام باسم الشعب العربي في سوريا.

الإبقاء على نتائج الإحصاء الاستثنائي الذي جرد آلاف الكرد من جنسيتهم وكذلك الإبقاء على مشروع الحزام العربي الذي حرم الفلاحين الكرد من أراضيهم .

لا شك أن تجاهل الآخر وعدم الاعتراف به دستورياً وبحقوقه والتركيز على خارج الحدود دون التركيز على الداخل السوري واحترام خصوصياته يشكل عقبة حقيقية أمام الاندماج الوطني وبناء دولة الحق والقانون ،فلكي يكون الجميع للوطن لا بد من أن يكون الوطن للجميع .إن الدستور بحق ينبغي أن يكون الوعاء الأساسي الذي يحتوي كافة الأطياف ويضمن حقوق الجميع أفراداً وأقليات لا أن يشرعن لعمليات سياسية تهدف إلى صهر الأقليات في بوتقة القومية الأكثر عدداً وإلغاء خصوصياتها الثقافية والاجتماعية مما أدى إلى تكريس سياسات الاضطهاد بحق جزء كبير من المواطنين السوريين خلقت ردات فعل عديدة بدأت ولن تنتهي إلا بوضع الحلول الديمقراطية السلمية الناجعة .

ثالثاً التمييز الديني : تنص المادة الثالثة ف1 من الدستور السوري على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام وتعتبر هذه المادة انتهاكاً لحقوق المواطنين من الأديان الأخرى وتعد خرقاً وانتهاكا لمبدأ المساواة بين المواطنين وهي بالنقيض من مبدأ تكافؤ الفرص والحق في المساواة في تولي الوظائف العامة بالنسبة لجميع المواطنين وبالتساوي .

خلاصة أعتقد إن سوريا بحاجة إلى تعديلات دستورية جادة من أجل احترام حقوق كافة الأفراد والأقليات والأطياف السياسي، ونظراً للتنوع السياسي والعرقي والديني المكون لسوريا فهي أحوج دولة إلى دستور ديمقراطي يكون دستوراً للوطن لا دستوراً لفئة سياسية معينة.وفي هذه الظروف الدولية البالغة الدقةوالحساسيةاضحى الإصلاح السياسي ضرورة وطنية ملحة وعاجلة لا تحتمل أي تأخير حرصا على المواطنين والمصلحة الوطنية ولا شك إن الإصلاحات الدستورية والقانونية هي مفتاح هذه الاصلاحات0

-12/11/2006
* محام وناشط في مجال حقوق الإنسان سوريا-كوباني
radef@kurdchr.org

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…