النظام السوري وخياراته الضيقة

بقلم: محي الدين عيسو

مع دخول الثورة السورية شهرها  التاسع، وانعدام الحيلة أمام النظام السوري لإيجاد حل سياسي للأزمة التي تمر بها البلاد، ودخول أطراف عديدة عربية ودولية على حلبة الصراع السياسي يجد المواطن السوري نفسه أمام خيارات متعددة لأطراف تحاول إيجاد بدائل مرحب بها من قبل شريحة واسعة من الشارع السوري المتظاهر الذي يعاني من القتل المباشر والاعتقال التعسفي والتعذيب حتى الموت داخل الأقبية الأمنية.

وهي مرفوضة من قبل شرائح أخرى تبحث عن الأمن والأمان.
إلى هذه اللحظة لم يتوقف النظام، الذي يحكم البلاد منذ قرابة خمسة عقود من الزمن، عن نهجه القمعي في التعامل مع مواطنين يطالبون بالحرية والكرامة، وإنهاء حكم الاستبداد، والحزب الواحد، بالرغم من المبادرة العربية التي طرحت في جامعة الدول العربية، وأمهلت النظام السوري مدة خمسة عشر يوما ليتوقف عن قتل المواطنين والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومن ثم الجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة، إلا أنه وكما توقع الكثير من المراقبين لم يستجب النظام الحاكم إلى كل النداءات المحلية والعربية والدولية لوقف العنف والرضوخ للمبادرة العربية، مستمرا في نهجه المتعالي على الداخل والخارج، محاولا كسب المزيد من الوقت لكسر شوكة ثوار الداخل، والقضاء على الانتفاضة الشعبية التي تتسع رقعتها الجغرافية يوما بعد آخر.

لا يخفى عن أي متابع للشأن السوري حالة الاحتقان الطائفي التي تعيشها بعض المدن السورية، وازدياد حالات القتل والاختطاف على الهوية الطائفية بخاصة في مدينة حمص، والتي ربما تؤدي بالبلاد إلى حرب طائفية إن لم يتدخل العقلاء ويسارعوا إلى تشكيل وفود سياسية واجتماعية من كل الطوائف من أجل تهدئة النفوس، وزرع بذور الثقة بين الأطراف المتصارعة، وقد تحسست المعارضة السورية لخطورة الوضع الطائفي في البلاد، فما كان من رئيس المجلس الوطني السوري المعارض الدكتور برهان غليون إلا أن أصدر باسمه الشخصي نداءً تحت عنوان (نداء لرفض الفتنة والاقتتال الطائفي) يحذر فيه من الانجرار إلى الحرب الأهلية، والذي أكد فيه على أنه “أصبحنا نشهد منذ أسابيع عمليات خطف واغتيال وتصفية حسابات بين أبناء الشعب الواحد، بل بين أبناء الثورة أنفسهم.

وهو ما يشكل تهديدا خطيرا لمكاسب الثورة ويقدم خدمة كبرى لنظام القتل والاستبداد الذي يترصد بنا ويؤخر الانتصار”.
 
من المؤكد أنّ الشارع السوري المتظاهر والمنتفض لن يتراجع خطوة واحد إلى الخلف، ولن يعود إلى ما قبل خطوط الخامس عشر من آذار، خاصة بعد أن قدم قرابة الأربعة آلاف شهيد، وآلاف الجرحى،  وأكثر من عشرين ألف معتقل.

لذا فالنظام السوري أمام خيارين لا ثالث لهما أحلاهما مرُ بالنسبة لأهل الحكم.
 
الخيار الأول : القبول بالمبادرة العربية، وبالتالي السماح للمراقبين والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المستقلة بالدخول إلى الأراضي السورية، وزيارة مناطق التوتر التي لم تستطع القوات الحكومية حتى هذه اللحظة إخماد الثورة فيها مما سيؤدي حتما إلى زيادة أعداد المتظاهرين، وربما الاعتصام المفتوح في الساحات العامة كما حصل في كل من حماه ودير الزور قبل دخول فرق الجيش بكامل عدتها وعتادها إلى هاتين المدينتين المنتفضتين عن بكرة أبيها، ولن يكون بمقدور الجيش والأجهزة الأمنية أطلاق النار على المواطنين أو اعتقال المحتجين أو قمعهم هذه من جهة، ومن جهة أخرى ستنكشف رواية أكذوبة الإعلام المحلي التابع للسلطة حول وجود العصابات المسلحة أو الإرهابيين بين المتظاهرين، وفي هذا الخيار لن ترضى المعارضة السورية سواء في الدخل أو الخارج بأقل من الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الانتقال السلمي للسلطة من دولة الاستبداد إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية وبالتالي إسقاط النظام بطريقة سلمية سلسة تكون تكلفتها البشرية والمادية أقل بكثير من الخيار الثاني.

أما ثاني هذه الخيارات المحتملة هي قضية التدويل والداخل العسكري الخارجي التي تطالب بها أغلبية معارضة الخارج وترفضها أغلبية معارضة الداخل، وهذه النقطة هي الوحيدة التي لا تتفق عليها كلتا المعارضتين، وقد تعالت في الآونة الأخيرة، خاصة مع زيادة القمع وازدياد أعداد القتلى من المدنيين، الأصوات المطالبة بالتدخل الخارجي، التركي على وجه التحديد.

هذا ما قاله زعيم جماعة الإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة في مؤتمر صحفي بتركيا “إن السوريين يقبلون بتدخل عسكري تركي في بلادهم بدلا من التدخل الغربي، لحماية الشعب من القوات الحكومية في حال استجدت الحاجة إلى تدخل عسكري، كالحماية الجوية مثلا، فالشعب السوري سيقبل بالتدخل التركي”.


وكذلك فإن أحد ممثلي المجلس الوطني السوري قد طلب من الحكومة التركية وضع خطط لإقامة منطقة حظر جوي عازلة بحماية القوات الجوية التركية وبعمق بضعة كيلومترات داخل الأراضي السورية
ومع أنّ الخيار الثاني سيؤدي إلى حتمية سقوط النظام إلا أن نتائجه ستكون كارثية على الشعب السوري وعلى دول الجوار برمتها، وربما تؤدي إلى تدخل أطراف أخرى كإيران وحزب الله اللبناني إلى جانب النظام السوري، ولن يستطيع الشعب السوري التخلص من تراكمات وآثار هذا التدخل الخارجي لعشرات السنين، إضافة إلى زيادة الأعباء الاقتصادية التي سترهق المواطن السوري مستقبلاً
مع استخدام النظام السوري كافة الوسائل المتاحة بين يديه لإزالة مفردة الحرية من مخيلة المواطن السوري الطامح لبناء دولة مدنية ديمقراطية خالية من الاستبداد والقمع، إلا أنه لم يستطع وقف امتداد المظاهرات الاحتجاجية إلى أغلبية المدن والقرى السورية، والحد من طموحات الشارع السوري المنتفض، برجاله ونسائه
لم يبقى أمام النظام السوري سوى الخيارين أعلاه، والأيام القادمة كفيلة بإثبات مدى جدية النظام لاختيار الطريق الأسلم، والأكثر انسجاما مع واقع مكونات المجتمع السوري الذي تنفّس الحرية وتجرع المرارة لأكثر من ثمانية أشهر.


www.manaraat.com

موقع منارات

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…