المطلوب قليل من السياسة يا سادة

زيور العمر

علي أن أعترف، و أنا أكتب هذه الأسطر، أن ثمة حساسية إزاء أي تدخل تركي في الشأن السوري، و خاصة من جانب الكرد.

و لكن قليل من السياسة في هذا الخصوص مطلوب .

و السبب في ذلك، هو أن تركيا دولة جارة لسوريا.

و ما يحدث في الداخل السوري من أحداث، مهما كانت طبيعتها و شكلها ، لها تأثير عليها ، سياسياً و إستراتيجياً و أمنياً و إقتصادياً.

و بالتالي، فهي لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي، حيال ما يجري في سوريا من تطورات متسارعة.
أثير هذه القضية لأهميتها ، خاصة و أن هنالك ثمة إمتعاض من أية مشاركة كردية في مؤتمر أو مجلس سياسي ، يعقد في تركيا، و إعتبار ذلك شكل من أشكال الإنصياع و الإنجرار الى المصيدة التركية ، الموصوفة  في بعض الإدبيات السياسية الحزبية الكردية على الأقل ، على أنه قبول بالإتفاقات و التفاهمات السرية بين حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا ، ذو الجذور الإسلامية ، و جماعة الإخوان المسلمين السورية ، و هو ما أعتبره تجنياً على حقائق السياسة و الإسترتيجيا.
فمن الخطأ، النظر الى الدور التركي في الشأن السوري على انه مدفوع في الدوائر الأمنية و العسكرية و السياسية العليا في تركيا بهاجس لجم الطموحات القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا.

و إعتبار ذلك الدافع الأساسي للإهتمام التركي بما يجري في سوريا, على الرغم من أهمية القضية الكردية في سوريا في حسابات الساسة الأتراك ، و تأثيراتها على الداخل التركي.

و ما أريد قوله هنا هو ، أن تركيا ما تزال تتحرك بخصوص سوريا في إطار غطاء عربي و دولي، سواءاً من خلال التنسيق مع جامعة الدول العربية ، أو مع الإدارة الأمريكية، و بعض الدول الأوروبية و على رأسها فرنسا على وجه التحديد، أي أن مواقفها ما تزال في عداد التصريحات الإعلامية و التحركات الدبلوماسية.

فتركيا ، وفق حسابات الأوساط الدولية و الإقليمية، مهتمة بعدم إنفلات الأمور في سوريا ، لأن فاتورة الإنفلات هذه ستكون باهظة عليها ، و على  باقي دول المنطقة ، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار أن هنالك جهات إقليمية معادية للمصالح الغربية ، تريد جر المنطقة الى حالة من الفوضى و عدم الإستقرار، كبديل لنظام بشار الأسد ، في محاولة منها للإبقاء عليه ، من منطلق، أنه الأقدر على ضبط الأمور و التوازنات، فيما لو تمت صياغة تفاهم جديد في هذا الشأن.
من هنا لن يكون من السياسة في شئ ، الوقوف في وجه تركيا على طول الخط ، طالما أنها ما تزال تتحرك في أطار تنسيق عربي و دولي، و تدخلها ما يزال محدوداً، و يقتصر على إحتضان بعض من فعاليات المعارضة السورية ، و المجموعات المناهضة للنظام السوري على أراضيها .

أما أن تفضل تركيا طرفاً من المعارضة السورية على حساب أطراف أخرى، و هو إتهام فيه قدر من الصحة ، من منظور أن هذا الطرف السوري الغالب في المشهد السياسي السوري، و المقصود به جماعة الإخوان المسلمين، سيعمل على نسخ تجربة العدالة و التنمية في سوريا، في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، فهو أمر لا يجب أن يقلقنا الى درجة الهوس ، طالما أن السوريين متفقين على أن سوريا المستقبل يجب أن تكون دولة مدنية ديمقراطية، يتمتع فيها السوريون بحرية إختيار شكل نظامهم السياسي و ممثليهم من دون أي تدخل إقليمي و دولي في شؤونهم.


ومن هنا، فإن شئ من السياسة يعني  أيضاً أن القضية السورية ، بما تنطوي من دلالات سياسية و إستراتيجية، لها أبعاد إقليمية و دولية بالغة الأهمية , تستوجب منا تدارسها بفهم موضوعي، و على ضوء معطيات حقيقية ، منها أن المجتمع الدولي ، مهتم بإنتقال سوريا، بأقل كلفة ممكنة ، من نظام أمني إستبدادي الى نظام ديمقراطي ، بعد أن فقد نظام بشار الأسد مصداقيته و شرعيته الداخلية و الدولية، و بات مصدر قلق في المنطقة .
لا شك أن لتركيا مصالحها، شأنها شأن كل دول العالم، و هي ستعمل على حماية تلكم المصالح في سوريا, و هو حق مشروع لها ، و الأعراف الدولية تضمن لها هذا الحق , و لكن ما هو مرفوض ، هو قيامها بعمل إنفرادي من جانب واحد، و من دون موافقة المعارضة السورية ، و غطاء عربي و دولي ، لأن ذلك قد يجعل من سوريا ، ساحة لتصفية حسابات بين أطراف و قوى عديدة ، إقليمية و دولية ، على حساب المطالب المشروعة للشعب السوري والدم السائل الى حد الآن، فضلاً عن أن ذلك ، من ِشأنه،  أن يؤدي الى صراع دموي ، و حرب أهلية ، يتدخل فيها الصالح و الطالح ، فتضيع في معمتها القضية السورية، كقضية شعب يطالب بالحرية و الكرامة.

19/11/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…