محمود عباس
عدم القدرة على الجهر بهذه الأهداف، بسبب التشتت، وعدم وضوح الرؤية، وتعارض المواقف وتذبذبها بين الأحزاب نفسه، وفقدان الثقة في خارج جغرافية الكرد، كانت تحجم الحركة السياسية ككتلة متكاملة في المؤتمرات العديدة، بل شاركت أحيانا، بأفراد وبدون تنسيق، وبحذر رافقه عدم الجرأة في التصريح عن القناعات الضمنية، حول الثورة والقضية الكردية والسلطة وأطراف المعارضة العربية في الخارج.
لم تكن الحركة السياسية الكردية مقتنعة يوماً بموضوعية شعار الثورات الرئيسي، ولم تكن لها القدرة الذاتية والموضوعية لرفع شعار “إسقاط النظام” على الأقل حتى بدايات المؤتمرالوطني الآخير في قامشلو، كما لم تكن لها الثقة التامة في الشهور الأولى للثورة من التجرأ على طرح شعار “اللامركزية السياسية” الشعار الذي أختمر بعد أختراق الثورة عدة حواجز، منها إزالة الرهبة من الشارع، وتخفيف سيطرة الهيمنة الأمنية على الحركة السياسية الكردية، والتي أدت بدورها إلى شعور مشابه لشعور الإنسان الخارج من معتقل رهيب، إلى فضاء الحرية، والتي أدت إلى ظهور سجالات سياسية منفتحة للحركة على مواضيع كانت غائبة في الماضي وجرأة في التلاقي، وقد برزت بشكل من الأشكال في أول تجمع كردي ولمدة آنية في قرية الهلالية على أطراف مدينة قامشلو، بين عشرة قادة من الأحزاب الكردية، وقيل ما قيل عن الأسباب والخلفيات والإملاءات إلا أن الخطوة كانت ظهور لتجمع لا سابقة لها، وتبعتها جدالات مستمرة واضحة للجميع، حينها تنوعت الطروحات وارتفعت سوية الطلبات، معظمها خارج أروقة الحركات الكردية المغلقة، تناولت النظام، والسلطة، والثورة، وتوضحت الرؤى والمواقف، وخرج الخطاب، رغم تلكوئه واحتوائه على بعض السلبيات، برجحان كفة دعم الثورة بوضوح، وأخذت تندرج إلى الشارع الشبابي الثوري وهناك تلاقت المفاهيم وتضاربت بعضها بشكل مباشر ثانية ولكن بنوعية أخرى، على كيفية تسييرالشارع ومن سيقودها، وما هي الشعارات، وغيرها من التناقضات، لكن المهم أصبح للحركة وجود في الشارع ولو بخلفيات تكتيكية، بعضها تخدم الأحزاب وليست الثورة أو القضية الكردية عامة، لكن الإنطلاقة بذاتها يعد دمجاً مباشراً مع الثورة، معها أو خلفها أو في المقدمة، المهم الوجود في الطرف الآخر من السلطة والذي غطي بالتحييد في الزمن السابق.
بداية الخروج إلى الشارع كان خروجاً من بين جدران القمع السياسي الفكري، القمع الذي عاشه الكرد والشعب السوري والحركة الكردية السياسية على مدى نصف قرن من الزمن.
تندرج الآن الأحزاب الكردية في خضم الصراع السياسي وبثقلها شبه التام، وبأرائها الكاملة، وبدون تردد.
لا يهمنا من كان وراء هذا، المهم هو أن الأحزاب خطت الخطوات الأولية بكليتها السياسية والثقافية، والأهم الثقة بالذات الفكرية والقناعة بمفاهيمها المتوازية مع المسيرة، وما وجودها اليوم في المحافل الدولية بذاتها أو ضمن كتل من المعارضة سوى اثبات على هذه الحقيقة النوعية.
التصادم مع شباب الثورة أو التلاقي معهم، والسجالات أو التحاور، التفاهم أو التضارب، معظمها مواقف وخطوات إيجابية في واقع وحالة الثورة، تخلق الرأي والرأي الآخر، يقف فيه المتحدث والمستمع المتناقض أو المتوافق معه على ساحة واحدة وفي جدال حر، على قضايا كانت حتى البارحة في العدم، هذه المواقف والخروج والمشاركات والنقلات النوعية في الإشتراك دفعت بالأحزاب إلى الجرأة في عقد مؤتمر وطني شبه علني في قامشلو، فتحت المجال للأراء بالخروج، وتبينت بوادرالجرأة للحركة السياسية الكردية وبجميع أطرافها لإظهار مواقفها، ليس فقط حول مؤتمرات المعارضة السورية، التي كانت قد شاركت في آخرها بممثلين غير مصرحين رسمياً عنهم، بل بأبداء الرأي حول جميع المواقف السياسية والتحركات الدبلوماسية، وتهافتوا على إظهار ممثليهم، إلى درجة التسابق بين بعضهم، متناسين بأنهم قبل أيام خرجوا من مؤتمر بهيئة ستمثلهم في المحافل الوطنية والعالمية، وللأسف بين هذا التمثيل على مدى ضعف الخبرة الدبلوماسية والتعاملات السياسية على السوية العالمية لدى الأحزاب الكردية، تتبدى هذا وبشكل محير طريقة ظهورهم في قاعات فنادق القاهرة، وربما في أروقة الجامعة العربية التي ستفتح أبوابها لهم كممثلين عن المعارضة وككتلة كردية.
لا شك، الحضور له رونقه السياسي ورمزيته، لكن الهيئة بمحتوياتها، تحتضن العديد من السلبيات بدءاً من التنسيق، إلى الجماليات، إلى السويات الثقافية، والتعامل الدبلوماسي والتحضيرات المسبقة، وغيرها، والتي سوف يجلب الكثير من النقد وربما التهكم الخارجي قبل الداخلي.
رغم إننا لا نستبعد أكتساب الخبرة في هذا الحراك، والأهم قدرة الحركة السياسية على الظهور وإبداء الرأي بدون هيبة من القوى المرعبة الماضية، وستبين في حالة تجمعها، على إثبات قوة لا يمكن تهميشها، وفي حال تغاضت المعارضة العربية السورية والقوى العربية والدولية عنهم سيكون تهميشا لمفاهيم الثورة السورية والتي إحداها هو القضاء على البنية الإقصائية، أحد أهم أمراض الإستبداد البعثي والسلطة الأسدية.
ومن المتوقع بإن الحركة الكردية ستبين عن وجودها وثقلها النسبي في المعارضة السورية، بقدر ما يكون لها وجود في المحافل والشارع السياسي، والتجرأ على أستقلالية الرأي، وعدم الرضوخ للضغوطات المتنوعة ومنها ضغوطات السلطة الأيلة إلى الزوال المؤكد عاجلاً أم آجلاً، السلطة التي أصبح مصيرها واضح المعالم داخلياً ودولياً رغم المصاعب الضخمة التي تخلقها هذه السلطة لوقف مسيرة الثورة الشبابية، الثورة التي ستتبوأ بمفاهيمها تحت صيرورة جدلية لا قوة لوقفها.
الولايات المتحدة الأمريكية