المؤتمر الوطني الكردي… سؤال برسم التاريخ

  المحامي محمد خليل

  أسبوع آخر يمضي بعد مضي الأسابيع والأشهر الدامية السابقة وما زال الدم السوري يراق في شوارع وأزقة المدن السورية ويزداد عدد الثكلى واليتامى والأرامل، وما زال السجون والمعتقلات السورية تزدحم بالمعتقلين تعسفاً والمخطوفين من الشوارع ومن داخل المسكن ومراكز العمل ودور العبادة ليزج بهم في تلك السجون والمعتقلات حتى أصبح كل تلك السجون والمعتقلات لم تعد تسعهم ليتم كدسهم في المدارس والملاعب، وما زال جميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان بحق السوريين من قتل وتعذيب وانتهاك للحرمات ولكرامة المواطن، وما زال النازحون والمهجرون خلف الحدود، وما زالت الدبابات والدروع تقتحم المدن والبلدات السورية وتطلق قذائفها الثقيلة على المساكن وأملاك الخاصة من السكان، ليبث الرعب والموت في صدور الآمنين،
 أمام كل تلك الانتهاكات بحق الإنسان والإنسانية من قبل النظام السوري وأجهزته الأمنية وقواته العسكرية وميليشياته وشبيحته حدث بعض الحراك على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية، فعلى الساحة الداخلية السورية كان واجباً على النخب السياسية والحقوقية…، أن يبذلوا جهدهم ليكونوا على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم في مقابل التضحيات الجسام التي يبذلها الموطن السوري من سخاء في بذل الغالي والنفيس في سبيل الحرية وأن تكون على قدر المسؤولية أمام تلك التضحيات السخية والهائلة من أبناء الشعب السوري، فقد كانت استجابات تلك النخب متفاوتة النسب فمنهم من كان قريباً من طموحات الشعب الثائر على النظام القمعي الاستبدادي التسلطي ومنهم من كان بعيداً عن ذلك الطموح ومنهم من كان دونها بكثير، ومن ذلك الحراك الداخلي يأتي المؤتمر الوطني الكردي الذي إنعقد في مدينة القامشلي الكردية بتاريخ يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر تشرين الأول فهل كان المؤتمر المذكور يلبي طموح الشعب السوري بشكل عام والكردي على وجه الخصوص ؟ وهل كان على مستوى تضحيات الشعب السوري ؟

  من الملاحظ ابتداء من الخطوات الأولى للتحضير للمؤتمر وآليات عملها التحضيري من خلال إقصاء عدد من الفصائل السياسية والمثقفين والناشطين من الحراك الشبابي وكذلك الخروقات الكبيرة التي شابت آليات انتقاء واختيار المستقلين للمشاركة فيه والمزاجية والانتقائية وتفضيل المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة في انتقاء المفترض بهم مستقلين عن التيارات الحزبية وهذا ما لم نتلمسه على ارض الواقع، وكذلك الآليات التحضيرية للمؤتمر من خلال اللجنة التحضيرية للمؤتمر واقتصارها على التيارات الحزبية دون مشاركة او إشراك المستقلين والحقوقيين وهذا أن دل على شيئ فهو يدل من جهة على استئثار واستفراد هذه الكتل والتيارات السياسية بالقرار، ومن جهة ثانية يدل على عدم ثقتهم بقدرات وإمكانات وطاقات الشعب الكردي واستخفافهم بها وأن لم يكن كذلك لماذا لم يتم إشراكهم في التحضير لورقة عمل المؤتمر وليأتي القرارات الصادرة عن المؤتمر خير دليل على ذلك، ففي حين يدفع الشعب السوري بكل أطيافه وتنوعه دمه الغالي رخيصاً في سبيل حرية الوطن والمواطن وكرامته للمطالبة بإسقاط النظام نجد المؤتمر وفي أهم قرار من قراراتها قد جاء بـ (أن إنهاء الأزمة في البلاد يمر من خلال تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية وتفكيك الدولة الأمنية وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية وعلى أساس اللامركزية السياسية) فإن كان المؤتمر واضحا وشفافاً في قراراته لماذا هذا اللف والدوران والتلاعب بالمصطلحات، ثم يأتي القرار الآخر بـ (تبني المؤتمر للحراك الشبابي الكردي كجزء من الثورة السورية السلمية) وهنا أمر لا بد من الوقوف عنده هو أن الطلائع الثورية وهنا أقصد الأحزاب السياسية أو ما شابهها تتقدم المجتمع والجماهير الشعبية في المطالبة بحقوق هذه الأخيرة باستثناء الحالة الكردية أليس من الغرابة أن تقول هذه الطلائع بإن الجماهير الشعبية تتقدمها وانها تسير خلفها وتؤيد مطالبها المشروعة أليس أمراً غريباً ومع ذلك ورغم قبول هذه الجماهير على مضض مرغمين لا حول لها ولا قوة، ومع ذلك ورغم كل تلك المساوئ والسلبيات فأنها لا تقوم بما تدعيه لعلها هي الأخرى مرغمة وتقول ذلك على مضض غير مقتنعة به، بالله عليكم هل يستطيع أحدكم ان يفسر لهذا المجتمع ما يقوله هذه الطلائع الثورية والتي تدعي بكل صفاقة وقلة احترام مستخفة بعقول ومشاعر الكرد بإن الحراك الشبابي الكردي جزء من الثورة السورية السلمية وكأن الأمر لا يعنيها ما يعني أنها ليست جزء من الثورة السورية ولا جزء من هذا الحراك الشبابي الكردي ولكن إذا لم تكن هي جزء من الثور السورية ولا جزء من الحراك الشبابي الكردي فمن تكون هي أذاً ؟ وأين هي مكانها من كل ما يدور حولها في الساحة السورية ؟ وما هي مكانها من الإعراب ؟ إلا إذا كانت هي في الأساس نكرة لا مكان لها من الإعراب ولا مكان لها في الساحة السورية.
  ومن ثم تأتي هذه الجملة الغريبة من سياقها العام بإنها لم ولن تذهب أبداً وإطلاقاً إلى الحوار مع هذا النظام الاستبدادي القمعي الذي أستمر على مدى عقود بهضم الحقوق الكردية منفردة بل أنها لن تذهب إلا مع شركاء لها لتقديم فروض الطاعة والولاء لهذا النظام والتي لطالما رفعت شعارات براقة مناهضة لها على مدرار سنوات كلفت الشعب الكردي الكثير من التضحيات والمآسي مما كان سبباً في استغلال النظام لتلك الشعارات لتبرير أعماله الغير شرعية والغير قانونية على الشعب الكردي مستغلة بعضها بأنها دعاوي انفصالية ترمي إلى اقتطاع جزء من الأراضي السورية وتدعو إلى تقسيم البلد، ولكن وفي المقابل وعند النظر إلى القضية من جهة أخرى قد يقتنع المراقب بوجهة نظر النظام فيها فإذا لم تكن هذه الحركة انفصالية عرقية وإنها حركة وطنية بامتياز كما تحب أن تسمي نفسها وهي جزء من الحركة الوطنية لماذا لم تنخرط في هذا الحراك الوطني وهذه الثورة الوطنية الممتدة على كامل الأراضي السورية لماذا هي مستثنية من هذا الحراك، أن لم تكن بالفعل حركة انفصالية تدعو إلى فصل الأراضي والمناطق الكردية عن الوطن السوري، وهناك سؤال آخر لا بد من طرحه هنا فالحركة الكردية كما تحب أن تسمي نفسها وان كنا غير متفقين على هذه التسمية بأنها وفي كل مناسبة وكل بيت عزاء وندوة عامة وخاصة أو اجتماع مشترك تتغنى وتتاجر بدماء الشهداء الكرد وتطلق شعاراتها الرنانة والطنانة وتكيل سيل المديح بهم، أليس أمراً غريباً أن لا يأتي المؤتمر على ذكر لا من قريب ولا من بعيد على ذكر الشهيد مشعل التمو وهو رئيس إحدى التيارات الكردية ومن أهم رموز الحراك الشبابي الكردي والسوري في هذه المرحلة والذي اغتيل في أبشع جريمة سياسية تشهدها الساحة الكردية في سوريا على يد النظام السوري وفي سبيل حركة الحرية والكرامة وفي سبيل هذا الحراك الشبابي الذي يمدح بهم فلم يجد في ساعات المؤتمر الأربع والعشرين ولو دقيقة واحدة لذكر هذه الجريمة النكراء التي لم يبقى شخص في العالم إلا واستنكرها ووقف عندها، أليس هذا أمراً غريباً ويدعو على الشك والريبة ؟ كيف لكم أن تكونوا على هذا الحجم من نكران الجميل لشخص يقتل في سبيل حريتكم وكرامتكم وحرية أبنائكم ؟ إلا يستحق منكم ولو كلمة عرفان بالجميل ؟ ألهذا السبب لا يشارك الساسة الكرد في الحراك العام لكي لا يذهب دمائهم هباءً منثوراً لا يهتم به حتى أقرب الأصدقاء والحلفاء أنه أمر منطقي ومعقول وإلا لماذا كل هذا النكران، ( أليس مشعل التمو قتل لأنه كردي كما يقول رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ) أم لهؤلاء الساسة رأي آخر.
  على كل حال فأن أهداف وشعارات وقرارات المؤتمر تتقدم بأشواط  كبيرة على أهداف وشعارات الأحزاب السياسية المنضوية تحت رايته وهذا يستتبع أن تقوم هذه الأحزاب بمراجعة دساتيرها ( اعني أنظمتها الداخلية ) وتعديلها لتتماشى وتتوافق مع شعارات وقرارات المؤتمر وإلا فأنها ستكون أمام معضلة تعارض أو على الأقل عدم تناسب وتوافق أنظمتها الداخلية مع أهداف المؤتمر، إلا إذا قامت هذه الأحزاب بتطبيق المبدأ القانوني القائل إذا تعارض نص تشريعي داخلي ( اعني هنا النظام الداخلي ) مع اتفاقية خارجية ( شعارات وقرارات المؤتمر ) يعمل بالاتفاقية ويستبعد النص التشريع الداخلي.
  وهنا نتساءل أين هذا المؤتمر من طموح الشعب الكردي والسوري من سخاء تضحياته فأن رضينا أن يكون هؤلاء مستثنين من تلك التضحيات فهل سنستثنيهم من مسؤولياتهم التاريخية، سؤال برسم التاريخ.

* عن جريدة العدالة التي تصدرها المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )،

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…