المؤتمر الوطني الكردي في سوريا بداية تصويب البوصلة السياسية للحركة الوطنية الكردية

حسين عمر

    لقد ظلّ مطلب وحدة الصفّ الوطني الكردي، على مدى سنوات، مطلباً ملحاً لأبناء الشعب الكردي من حركته الوطنية وذلك ليقينهم بأنّه أحد المرتكزات الإستراتيجية الضرورية على طريق حلّ القضية الكردية ونيل الشعب الكردي لحقوقه.

كما تضمّنت برامج جميع الأحزاب هذا المطلب دون أن يجد طريقه إلى التحقّق.

   وقد تشكّل على مدى العقود الثلاثة الأخيرة العديد من الأطر السياسية التي ضمّت أطرافاً من الحركة الكردية، لم ترتقِ أيّاً منها، رغم إيجابيتها، إلى مستوى من الشمولية التي تؤهّلها لتكون ممثّلاً سياسياً جامعاً للشعب الكردي.

  وفي محطّتين استثنائيتين من تاريخ سوريا والشعب الكردي، أي الانتفاضة الكردية السلمية في 12 آذار 2004، والحراك السلمي للشعب السوري الذي بدأ في الخامس عشر من آذار 2011، تشكّل ما سمّي بمجموع الأحزاب الكردية، وهي كانت صيغة هلامية ضبابية لا تحمل مضموناً ميثاقياً ولا تستند إلى أيّ وثيقة أو محدّدات سياسية مشتركة سوى بيانات متقطعة حول الأحداث، وبالتالي لم تشكّل إطاراً تمثيلياً مرجعياً وإنّما اتّخذت طابعاً تنسيقياً ظرفياً.

  وفي كلتي المحطّتين، شاب الأداء السياسي للحركة الكردية الكثير من السلبية واستحقّ النقد على حالة فقدان الفاعلية وفتور الإرادة السياسيتين.

فبعد أن طرحت الأحزاب الكردية مبادرتها الوطنية ورؤيتها لحلّ الأزمة السورية في بدايتها، وبعد أن شاع انطباعٌ بأنّ الحركة الوطنية الكردية قد تلعب دوراً سياسياً محورياً في هذه المرحلة، وبعد أن بدا الاهتمام واضحاً بموقفها من قبل السلطة والمعارضة على حدٍّ سواء، انكفأت الحركة وغاب روح المبادرة عندها، وفترت إرادتها السياسية، وتخبّطت في أدائها السياسي وخاصّة لجهة تعاملها مع دعوة السلطة للقائها ولجهة تعامل أطرافها مع المعارضة السورية إذ حضر ممثلو بعضها المؤتمرات التي انعقدت في مدن تركية بينما انضمّ بعضها الآخر إلى هيئة التنسيق الوطني في حين ظلّت أخرى متمسكة بأطرها السابقة كإعلان دمشق، وأطرافٌ ظلّت خارج كلّ هذه الأطر.

وقد أدّى هذا التشتّت في الموقف الكردي إلى إضعافه وتهميشه بل وحتى الاستخفاف به أحياناً.


  من هنا، أصبحت فكرة انعقاد مؤتمر وطني كردي يؤسّس لإطار سياسي وطني جامع يشكلّ مرجعية وطنية كردية ومظلّة سياسية لحركته، أصبحت فكرة تحظى بإجماع وطني كردي.


  وعلى الرغم من جميع ما شاب فترة الإعداد والتحضير لهذا المؤتمر وعلى الرغم مما قد يؤخذ على آليات التمثيل والانتخاب فيه، فإنّه، بانعقاده وبحجم تمثيله وبتشكيله المجلس الوطني الكردي وبمواقفه السياسية الواضحة على الصعيدين الوطني السوري العام والكردي الخاصّ، يمثل خطوة تاريخية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحركة الوطنية الكردية منذ أن ابتلت بداء الانشقاقات المتكررة.


  لقد تبنّى المؤتمر ثوابت في غاية الأهمية، أهمّها التأكيد، في المجال الوطني، على«  تغيير النظام الاستبدادي الشمولي… وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية وعلى أساس اللامركزية السياسية… » ورؤية، في المجال الكردي السوري، « أن الشعب كردي في سوريا هو شعبٌ أصيل، يعيش على أرضه التاريخية… وهذا يتطلّب الإقرار الدستوري بوجوده كمكوّن رئيسي من مكوّنات الشعب السوري وثاني أكبر قومية فيه، وإيجاد حلّ ديمقراطي عادل لقضيته القومية بما يضمن حقّه في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد… »
كما اتّخذ المؤتمر مواقف سياسية واضحة لجهة الانتصار للانتفاضة السلمية للشعب السوري ورفض التمييز بكلّ أشكاله وإدانة القمع والاستبداد والدعوة إلى حرية معتقلي الرأي في البلاد وتحميل النظام السياسي مسؤولية الأزمة الوطنية المتفاقمة في البلاد وإدانة الحلّ الأمني وتبنّي الحراك الشبابي الكردي والدعوة إلى توفير ضمانات حرية المعتقدات وتأمين حقوق الأقليات، ورفض الحوار المنفرد مع السلطة.
  إنّ قرار المؤتمر بحلّ جميع الأطر الكردية التي تنضوي تحتها الأحزاب المشاركة فيه يُنهي حالة التشتّت ويجعل المجلس الوطني الإطار السياسي المرجعي للعمل الوطني الكردي- وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة أن تبذل الهيئة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر جهوداً لضمّ كلّ جهدٍ وطني لا يزال خارج المجلس- كما يُنهي قرار تعليق عضوية أحزاب الحركة في مختلف أطر المعارضة السورية ورهن التنسيق والتعاون معها بالاستجابة لقرارات وتوجّهات المؤتمر، يُنهي حالة الفوضى في التعامل مع المعارضة السورية وسوف يُعزّز موقع وموقف الحركة الوطنية الكردية فيها بحيث لا تنضمّ إلاّ للإطار الذي يقرّ ويوثّق بوضوحٍ لا لبس فيه الحقوق والمطالب المشروعة للشعب الكردي.
إنّ المجلس الوطني الكردي يُعدّ الآن المسؤول عن وضع المشروع الوطني الكردي والإستراتيجية الكفيلة بإنجازه لمصلحة وطننا سوريا وشعبنا السوري بكرده وعربه وباقي مكوّناته.

وأعتقد أنّ المسؤولية القومية والوطنية تتطلّب من جميع الفعاليات الكردية المنضوية في مجلس اسطنبول الانسحاب منه، ( خاصّة وقد فاحت من تصريحات قادة بارزين فيه روائح مشبوهة)، والانضمام إلى المجلس الوطني الكردي ليكون ممثلنا السياسي ومحدّد تحالفاتنا.
  إنّ انعقاد المؤتمر داخل الوطن وفي مدينة القامشلي، بما تحمل هذه المدينة من معاني ومدلولات وطنية وقومية وثقافية حضارية، يعني أنّ قراراته ومواقفه ومرجعيته ستكون في الداخل ومنطلقة من أولويات وطنية وقومية تعزّز مصداقيته.

   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…