بشار الأسد: قراءة «سيميائية» في ملامح وجهه.. إلى مشعل التمو، في ثلاثينيته، كبيراً كما يليق به

إبراهيم اليوسف

من تابع الخطاب الأول لبشار الأسد الذي ألقاه عبر منبر ما يسمى بـ “مجلس الشعب”، رأى أن الرجل مدفوع بكم هائل من الغطرسة، والعنترة، اعتماداً على “التطمينات” التي كانت تصله من”مراكز الشحن الكهربائي” في النظام، وهم جوقة من الخبراء، والمستشارين، ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين يقدمون في أول كل صباح موجز ما يحدث في العالم، والوطن، ويبدو أن”بارومتر” هؤلاء والذي ينتمي إلى مرحلة ما قبل” البوعزيزي” وكان يتم الاحتكام إليه في الحروب، عادة، وهذا كان يحدو ببشار إلى أن ينسى نفسه، وهو على منبر ذلك المكان، ليوزع تلك القهقهات والضحكات “بلا سبب”، وهي دليل حالة “فصامية” عن الحياة، والناس، والوطن، في الوقت الذي كانت أمهات شهداء درعا ينتحبن على أبنائهن.
وبالرغم مما وجه إليه من نقد -وكان لي الشرف بالكتابة آنذاك عن الأمر- إلا أن الخطَّ البياني لاستعراضاته البهلوانية، لم ينزل كثيراً، وإن التزم ببعض “الأدب” بعيداً عن طبيعته، في ما اصطلح عليه بالخطابين الثاني، أو الثالث، وإن كان كل منهما قد جاء في مناسبة مختلفة، إلا أن من تابع الخطوات التي أقدم عليها بشار، في الحوار الذي أجري معه -بناء على توجيهات معلميه خبراء الاستخبارات- سواء في التلفزيون الروسي -مربط خيل النظام- أو حتى صحيفة الصانداي تليغراف – ويمكن استقراء وجهه اعتماداً على حديثه الملقن- بدا أن الرجل في أسوأ حال، ليس حزناً على البلد الذي ما من شبر فيه -إلا وفيه مناحة و “دم” وعويل- بل لأنه بات على يقين بأن لا منجاة من المصير الذي حددته الثورة لنظامه -وهو الرحيل، إذ لم تعد”تمائم” التنين الصيني”أو الأحجبة”الروسية، ولا أحجيات أزلامه، وملقنيه، من مدعي دعم الممانعة والمقاومة، هنا وهناك، قادرة على إطفاء براكين الرعب، وفيالق زلازل الخوف، في أعماقه، لأن ما يتم في سوريا، من أقصاها إلى أقصاها، بات يؤكد ذلك بجلاء، لدرجة أنه يمكن القول: “إن ملامح وجه بشار الأسد، يمكن استقراؤها سيميائياً، منذ بداية اشتعال أتون الثورة السورية، وحتى الآن، وهي -أي الملامح- تصلح لتكون الوثيقة الأكثر وضوحاً، لأزمة النظام -في البداية- ومن ثم استشفاف علامات سقوطه، وانهياره النهائي، بأكثر من أية وثيقة أخرى، لدرجة أن الابتسامة -إن حدثت- فهي واضحة التصنع، مشوبة بالمرارة، والحزن، وهل أكثر مأساة على أزمة النظام، من أن تقوم صبية “مشبوهة” ربما جيء بها من إحدى الحانات تلتقط صورة لها من الخلف، حيث كتب على قميصها عبارة “ثورتكم” وفي أسفلها سهم باتجاه مؤخرتها…..!، وهولا يختلف عن موقف شاعر طالما أعجبت بأخلاقه -من قبل- وكان أفضل مما هو عليه حتى أثناء بداية الثورة، ليتحدث عن طريقة إلقاء المفكر د.برهان غليون لكلمته في المجلس، إذ ركز هذا الشاعر”المعلق” وملامح وجهه “المخطوف” أكثر”انخسافاً من وجه بشار” على قضايا شكلية في الكلمة حين قال: إنه يعلم نفسه إلقاء الكلمات، وإن كان صاحبنا لا يستطيع أن يتحدث عن خطب سيده بشار، التي لا تزال مضرب الضحك والمثل والسخرية، بالرغم أن هناك جوقة من المدربين له في كل مرة، وهو حال وجوه جوقة النظام كلها، التي أصيبت بحمى عدوى واحدة، وهي ترى بعيونها كيف أن لا ثورة ضمن ما سمي ب”الربيع العربي” إلا وتُكلل بالنصر.
كما أن هروب بشار الأسد، وبملحقه الإفتائي، وشبيحته من مدعي الإسلام، إلى الرقة، ليصلي -من دون وضوء- لأنه لا يمكنه أن يكون متوضئاً والثورة مشتعلة- لدليل على أنه عارف أن الأرض السورية التي طالما سرح ومرح هو وأبوه بها، قد ضاقت به، حقاً، وإلا فلم لم يصل في “حمص” أو درعا” أو عاموداً” أو قامشلي” أو بابا عمرو” أو حماة، أو بانياس، أو جسر الشغور ودير الزور وجاسم وداعل والبوكمال…إلخ؟؟….، وليعلم يقيناً أنها صلاة العيد الأخيرة له، وهو في مقام الرئاسة المغتصبة**.
إذا كنت أشير -هنا- إلى ملامح وجه بشار الأسد، من خلال مقدمة سيميائية -جد سريعة- فحسب- فإن بالإمكان العودة إلى هذه الملامح، ظهوراً تلو ظهور، لتكون نواة قراءات معمقة.
* حاوره الإعلامي أندريو جيليكان
**قبيل استشهاده قال معشوق لي ولمشعل: النظام راحل….!،  وهي العبارة التي تبناها وصار يكررها مشعل دائماً، وسأكتب عن كل ذلك، ذات يوم، إن كتبت لي………… الحياة….!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…