في الميزان: المؤتمر الوطني الكردي في سورية… أسئلة حائرة برسم الأجوبة

المحامي مصطفى أوسو*

  بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية السلمية في سورية، ضد الظلم والفساد والاستبداد..، ومن أجل الحرية واستعادة الكرامة المهدورة…، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية…، وما رافقتها من أعمال عنف وتدمير واستخدام مفرط للقوة…، من قبل أجهزة النظام القمعية وشبيحته…، ضد أبناء الشعب السوري الثائر في مختلف المحافظات السورية ومدنها وبلداتها وقراها…، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص،
 أما باستهدافهم بشكل مباشر بالرصاص الحي في المظاهرات والتجمعات السلمية وحتى في تشييع الشهداء، أو تحت التعذيب والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة في فروع الأمن المختلفة وأقبيتها، أو بالاغتيال والتصفية الجسدية كما حدث في القامشلي بارتكاب الجريمة البشعة بحق الشهيد المناضل الأستاذ مشعل التمو، وفي دير الزور بحق الشهيد المناضل الأستاذ زياد العبيدي…، واعتقال ما لايقل عن ثمانين ألف شخص آخرين لا يزال أكثر من نصفهم رهن الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري…، وبعد أن وصلت الأوضاع الداخلية في سورية إلى ما وصلت إليه من طريق مسدود ونفق مظلم، نتيجة أصرار السلطات السورية على التعامل مع المظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح والتغيير الديمقراطي…، بمنطق الحل الأمني وممارسة المزيد من أعمال العنف والقمع والتدمير…، وارتكاب أفظع وأبشع الجرائم بحق الشعب السوري، التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، مقابل تمسك الشعب السوري بإرادة التغيير وإصراره على المضي في ثورته السلمية حتى النهاية بإسقاط النظام ومحاسبته…

  بعد كل ذلك، استطاعت بعض الأحزاب الكردية في سورية، في السادس والعشرين من شهر تشرين أول الجاري، من عقد مؤتمر بإسم ( المؤتمر الوطني الكردي في سورية ) – أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً –  حضره كما جاء البيان الختامي لانتهاء أعماله، عدد من الفعاليات الكردية المهنية والنقابية والعشائرية والثقافية والحقوقية…
  وبقراءة البيان المذكور، نجده لا يرقي أبداً إلى مستوى آمال وطموحات وتطلعات…، أبناء الشعب السوري عموماً والكردي خصوصاً، وإلى مستوى التطورات الكبيرة والأحداث الجسيمة التي تشهدها الساحة الداخلية السورية، فهو وبالصيغة التي جاء بها لم يقطع خيوط العلاقةا مع نظام القمع والاستبداد…، لا بل ترك الباب مفتوحاً أمام الحوار، شرط أن لايكون ( بشكل منفرد ) وبمعزل عن ( المعارضة الوطنية السورية )، على حد وصف البيان، في إشارة واضحة وغمز من قناة بأن هناك معارضة وطنية ومعارضة غير وطنية ؟!!
  ولكن ماذا عسى أن يكون موقف المؤتمر من الحوار مع السلطة لو أقدمت بعض فصائل المعارضة السورية على الدخول في حوار مباشر معها ؟ وهذا الاحتمال ممكن وارد جداً في الحالة السورية كما هو معروف، فالسلطة لا تزال قوية ومتماسكة إلى حد كبير وقادرة على إحداث العديد من الاختراقات في هذا المجال أو ذاك.
  أعتقد أن قضية الحوار مع السلطة هي قضية دقيقة وحساسة ومؤثرة جداً، وأن عدم اتخاذ المؤتمر قرارات ومواقف واضحة وشفافة تجاهها سيفتح المجال واسعاً أمام الكثير من الألاعيب والمناورات السياسية، التي قد تضر كثيراً بالثورة السورية وبمصلحة الشعب السوري عموماً والكردي على وجه الخصوص.
  هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم نجد في البيان ما يفيد بأن ( المؤتمر الوطني الكردي في سورية )، يعتبر نفسه جزء من الثورة السورية، أو أنه سيعمل مع قواها الأساسية والرئيسية من أجل تحقيق أهدافها ومطالبها وتلبية طموحات وتطلعات الشعب السوري في الانعتاق والحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة…، وأنما اكتفى البيان فقط بعبارة عامة، هي: ( تبنى المؤتمر الحراك الشباب الكردي كجزء من الثورة السورية السلمية… )، دون تحديد طريقة التبني هذه أو كيفيتها أوآلياتها…، وهذا ما يؤكد بشكل قاطع ولا لبس فيه على أن ( المؤتمر الوطني الكردي في سورية ) متفق تمام الاتفاق على عدم الدخول والانخراط الفعلي والجدي في الثورة السورية والإبقاء على الحراك الشبابي الكردي على حاله من حيث الحجم الغير كبير والدور الغير مؤثر والضاغط كثيراً على النظام في جميع المناطق الكردية، وما يؤيد ما ذهبنا إليه، أنه – المؤتمر – أكد على ( تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية وتفكيك الدولة الأمنية… )، بدلاً من الانسجام مع إرادة الجماهير الثائرة والتأكيد على العمل من أجل إسقاط النظام لفقدانه لشرعيته الكاملة والدعوة الصريحة والجادة للعمل بهذا الاتجاه، وعزز ذلك أيضاً، التجاهل التام والمطلق لجريمة الاغتيال النكراء التي اقترفتها السلطة السورية بحق المناضل الشهيد الأستاذ مشعل التمو وشجبها وإدانتها على أقل تقدير، احتراماً لمشاعر أبناء الشعب الكردي، خاصة وأن الشهيد كان أحد الرموز البارزة للحركة السياسية والحزبية الكردي على مدى سنوات طويلة، وأن دماءه الطاهرة والزكية لا تزال طرية ولم تجف بعد، وهي إشارة واضحة جداً وفاقعة إلى أقصى الحدود لرفض ومحاربة النهج الذي رفع لوائه الشهيد، والمتمثل في القطع مع النظام القمع والاستبداد… والانخراط في الثورة السلمية بشكل جدي وفعلي والعمل على تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية….واسقاط النظام، وهذا التجاهل أن دل على شيء فإنما يدل على أن المؤتمر يعطي الإشارة الخضراء للسلطة لضرب ومحاربة وتصفية…، كل من يخرج عن النهج السياسي التقليدي للحركة السياسية والحزبية الكردية وكل من يدعو إلى اسقاط النظام في سورية، وهي إشارة خطيرة جداً جداً.
  أما الفقرات المتعلقة بالشعب الكردي في سورية، واعتبار المؤتمر للشعب الكردي في سوريا على أنه شعب أصيل، يعيش على أرضه التاريخية ويشكل جزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي والوطني والتاريخي لسورية، مما يتطلب الإقرار الدستوري بوجوده كمكون رئيسي من مكونات الشعب السوري وثاني أكبر قومية فيه، وايجاد حل ديمقراطي عادل لقضيته القومية بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد…، فرغم ايجابياتها الكثيرة والفرحة الغير قليلة بها باعتبارها طروحات وأفكار متقدمة إلى حد كبير على أفكار وطروحات معظم الأحزاب المنضوية تحت لواء المؤتمر الوطني الكردي، وهي أفكار وطروحات مفيدة جداً لمستقبل الشعب الكردي في سورية وقضيته القومية… وعلاقته المستقبلية مع الشعب السوري بمختلف قومياته وطوائفه…، إلا أن ما يفسدها حقاً، هي إنها لا تأتي في سياق سياسة ونظرة استراتيجة للمؤتمر ولأعضائه إلى الواقع السوري، وإنما تأتي في سياق النظر إلى ردود فعل السلطة تجاه هذا الأمر وجسها، فالمؤتمر يعرف تماماً أن السلطة لا تأبه اليوم بأي طرح أو فكر… أو أي شيء آخر، سوى البحث عن طوق النجاة من السقوط والغرق في المستنقع الذي أوقع نفسه فيه، فهل كان المؤتمر سيتبنى هذه الأفكار وهذه الطروحات لو أحس أن رد فعل السلطة سيكون على غير ما هو متوقع منها الآن ؟
  أن ما اتيت على ذكره من ملاحظات عابرة، على المؤتمر الوطني الكردي في سورية وبيانه الختامي، وكذلك الملاحظات السابقة له والمتعلقة بغياب الشفافية عن عمليات التحضير له والانتهاكات التي رافقت ذلك من وإقصاء لبعض القوى والأحزاب والتيارات السياسية والشبابية…، العاملة في الساحة الكردية السورية، وإبعادها عن المشاركة، وتجهيز قوائم المستقلين وفق مقاس الأحزاب الداعية له…، لاتشكل بأي حال من الأحوال، رفضاً للمؤتمر أو محاربة له أو…، بقدر ما هي دعوة صريحة وواضحة لمراجعة الأخطاء والنواقص والسلبيات والوقوف عليها جلياً وملياً، بغية تصويبها وتجاوزها…، وصولاً إلى الانسجام التام مع إرادة الشعب السوري عموماً والكردي خصوصاً، وتلبية طموحاته المشروعة وتحقيق آماله وتطلعاته الوطنية الديمقراطية والقومية.

· رئيس مجلس أمناء المظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سورية ( DAD ).

· عضو اللجنة السياسية لحزب أزادي الكردي في سورية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…