فما كان من السفير إلا أن إبتسم لهذا المواطن وكأنه يعرفه منذ زمن مصافحاً إياه باليد اليسرى عندما رأى يده اليمنى ملفوفة بشاش طبي أبيض ومطوية على صدره.
ولما لا ؟! أوليست خدمة افراد الجالية ومواطنيه غايته وأحد أسباب وجوده كسفير في هذا البلد, وبالتالي فهو لا يمتاز عن هذا المواطن المكسور الخاطر واليد إلا بالكفاءة التي لا تخوله أن يتناسى هم الناس ومشاكلهم ؟ .
مذ تحرر العراق أو كاد من براثن الفكر الشمولي والتأليه الفردي, تواظب السفارة العراقية في لبنان على تنظيم لقاءات وإجتماعات للجالية العراقية في لبنان للوقوف عند مطالبهم وشكاويهم وقد تجلى ذلك في الفترة التي أصبح فيها الدكتور عمر البرزنجي سفيراً لدولة العراق الفيدرالي لدى لبنان حيث كثف من هذه اللقاءات بغية الإصغاء لهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم.
وبحكم متابعتي لنشاطاته ألفت هذا القرب بينه وبين الجالية العراقية ومدى حرصه على الإهتمام بشؤونهم وإمتصاص غضبهم وإن كان هذا الغضب غير ناتج عن سوء معاملة أو تصرف فج لأحد موظفي السفارة.
ولأن السفير متواضع وقريب دائماً من أفراد جاليته لم أستغرب إهتمامه الخاص والملفت بهذا الشاب حيث طلب من أحد مرافقيه أن يأخذ المعلومات الكاملة حول مشكلته تمهيداً لحلها, مطمئناً إياه أنه لن يخيب ظنه بسفير جاء ليخدم ولم يأت ليرعب الناس ويمنعهم من الإقتراب من أسوار السفارة.
أشهد للسفير العراقي أنه فور قدومه إلى لبنان علق خاطرة له على أحد جدران صالة الإستقبال في السفارة يخاطب فيها مواطنيه العراقيين, ليقول: (اختي المواطنة , أخي المواطن لا يهمني أن تكون عربياً أو كوردياً أو آشورياً أو تركمانياً أو….
ولا يهمني أن تكون مسلماً او مسيحياً أو إيزيدياً أو صابئياً أو….
ولا يهمني أن تكون معارضاً أو موالياً .
ولكن يهمني جداً أن تكون مواطناً عراقياً صالحاً يسعى لخير العراق والعراقيين…..).
طبعاً تبدو هذه الخاطرة التي نقلتها بتصرف- كما علقت بذاكرتي – للوهلة الأولى ضرباً من التنظير الذي إعتدنا عليه في محافل الشرق ومنصات السياسيين وكلماتهم المنمقة ولكن الذي يعرف الدكتور عمر البرزنجي عن قرب يعلم أن هذه الكلمات وثيقة الصلة بممارساته اليومية لدرجة أنها باتت خارطة يهتدي بها في كل موقف وحين.
وفي كل مرة ألتقي به أحسد إخواني العراقيين عليه و أشعر أني يتيم النسب والصلة في بلد لا أزور فيها سفارة بلدي إلا للتظاهر أمامها إستنكاراً لتحولها إلى مركز للتحقيق من قبل ثلة من أتباع نظام لم يوفر فرصة لضرب وترهيب المواطنين لا لشيئ سوى أنهم لا يقدومون الولاء والطاعة ولا يهتفون بحياة حزب البعث.
نعم أقر أنني أمر من أمام السفارة السورية مرور غريب عن سفارة يشتكي منها قبل أن يشكو لها.
هذه السفارة التي هي ليست فقط البيت الذي لا يأوينا والمظلة التي لا تحمينا.
بل هي تنسج يومياً مخططات للإيقاع بنا –نحن المعارضين- وتسليمنا إلى الداخل لننال العقاب على رشقنا لها بهتافات تأبى حناجرنا إلا أن تطلقها كرمى للحرية والكرامة.
وما إنذار حزب الطاشناق الأرمني اللبناني للشباب والأسر الكوردية بضرورة إخلاء منطقتي برج حمود والدورة في بيروت وذلك على خلفية التظاهرات التي نظمناها كناشطين كورد سوريين أمام السفارة السورية في بيروت إلا مثالاً صارخاً على هذه العقلية والتوجهات.
ولكنني على يقين بأن دوام الحال من المحال وأن سفارة بلدي سوريا هي الآن كما كانت سفارة عراق صدام حسين.
ستتحول عاجلاً أم آجلاً إلى ماهي عليه سفارة العراق الفيدرالي .التي تبقي أبوابها مشرعة ليلاً نهاراً أمام المعارض قبل الموالي وتقف على نفس المسافة بينهم .لتكون سفارة جديرة بأن يتوجه إليها كل ذي شأن دون أن ينتابه شعور بالقلق على مصيره مهما كان رأيه مخالفاً مع من سيلتقي بهم لإمضاء معاملة وختم لا منّة لأحد عليه به .
فما أشبه ماضي العراق بحاضر سوريا وما أشبه مستقبل سوريا بحاضر بل بمستقبل العراق.
31-10-2011