(البيانوني) في دوَّامة تناقضاته

إبراهيم اليوسف

لم أتمكن من متابعة الحوار الذي أجرته فضائية العربية مع السيد محمد صدر الدين البيانوني مساء يوم13-10-2011 ،  إلا أنني تابعت شذرات منه، قراءة، غير مصدق أن  تصدر هكذا مواقف، لا مسؤولة، عن شخص سوي، عاقل، وليس عن شخص متزن مثله-مهما كانت درجة الاختلاف مع آرائه- شخص صال وجال، وتشرب سياسياً، برؤية يفترض أنها مكتملة،  ليستطيع تطهير  دماغه من اللوثة العفلقية التي لا تناسب مقام شخص كان إلى وقت قريب “مراقب جماعة الأخوان المسلمين”، واطلع على اللوحة السورية من داخلها، ومن خارجها، وكان له موقف إيجابي من الكورد السوريين، في أكثر من محطة،
 ويعرف كيف نشأت خرائط الشرق الأوسط، قاطبة،على نحو سايكسبيكوي، ومن هم السكان الأصليون في المنطقة، وغير ذلك من النقاط التي يمكن إيرادها، وإن كنت لا أحبذ إيلاء الموضوع أكثر من الرد على الرجل الذي جرح مشاعر أربعين مليون كردي، يتوزعون خريطة”كردستان” التي ابتلعتها الخرائط الطارئة لأربع دول هي كلها إسلامية.

ولعل أسماء هذه الدول تدغدغ مشاعر هذا السياسي باستعادة الخلافة” العثمانية”على حساب خريطة الشعب الكردي الذي لم يقصر مع الإسلام، وله الفضل على المسلمين، إلى درجة إلغاء الذات-وهو خطأ الكردي-  في ترجمته الأصدق لإيمانه وفكره، بينما الآخر- والبيانوني- يشكل –أنموذجاً- عن هذه العقل، انصرف إلى إيجاد موطىء قدم له، ولو على حساب سواه، ناهيك عن أن البيانوني يقدم نفسه عروبوياً، في هذا اللقاء التلفزيوني، في الوقت الذي لابد أن يتجه فيه الإسلام المتنور، إلى الاعتراف بالحق القومي للكردي.

يرى البيانوني أن الكردي في سوريا مجرد مواطن، وهو ضمن حدود العشرة بالمئة من السكان-قومياً- وهذا بحد ذاته تزوير للوجود الكردي في سوريا،ولهذا فإن اسم سوريا ينبغي أن يكون صفة للموصوف العربي، أي أن يكون”الجمهورية العربية السورية”-بحسب وجهة نظره- ناسياً أن يشير إلى أنه لابدَّ من اعتماد علم”حزب البعث” لا علم “الاستقلال” الذي اعتمدته الثورة السورية من أقصاها إلى أقصاها، وهو هنا انحياز ل” الظالم”ضد المظلوم، للباطل ضد الحق، لأن إعادة الأمور إلى نصابها يعني أن يكون اسم البلد هو”الجمهورية السورية” قبل أن يتم التزوير القوموي الأحادي له، كما أنه في الوقت ذاته إساءة للثورة السورية التي امتزج الدم الكردي بدماء كل أشكال الفسيفساء السوري، وكان آخر شهدائنا الكرد هم : مشعل التمو- “الأمة في رجل”، وإن كان لأمة الكرد رجالاتها الحكماء، في كل زمان ومكان، بالإضافة إلى  الكوكبين الكرديين:حسن مصطفى عبد الله- جمال حسين و العديد من جرحى يوم تشييع مشعل إلى مثواه الأخير، من أمثال الشهيد الحي الشاعر دلدار ميدي وغيره.
ومن الغريب أن السيد البيانوني لا يكتفي بالإساءة إلى مواطنه الكردي، بل يشط-لدوافع لا تخفى على أحد- ترتبط بحلمه الماضوي المنقرض-إلى أن يسيء إلى كرد تركيا، وهم يواصلون الدفاع عن حقهم القومي، و يعيشون على أرضهم التاريخية، إذ يصفهم بأنهم “إرهابيون”، وفي ضوء هذا فإنه علينا أن نعيد النظر في أبطال التاريخ كلهم بأنهم إرهابيون، ليكون إبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي والشيخ سلطان الأطرش وأبطال بياندور وغيرهم من أبطال ثورة الاستقلال السوري الأول-حاشاهم- إرهابيين، وقس ذلك على أبطال الثورات الوطنية في العالم، ماضياً وحاضراً في آن واحد.

 
في تصوري أن على البيانوني- وهو المسلم أولاً-قبل أن يكون إسلامياً سياسياً، مناصرة المظلوم ضد الظالم-كما هو جوهر هذا الدين الحنيف- إلى أن ينال حقه، لا أن يقع في فخ التكتيك السياسي المتضاد مع دينه، والمخل بمنظومة القيم الفاضلة التي يفترض حملها، من قبله.


أجل،لست أدري، كيف يستطيع البيانوني أن يوفق بين كل هذه المتناقضات، في أن يكون”إسلامياً”وقوموياً متطرفاً في الوقت نفسه؟، لأن الإخلاص للرؤية السليمة تقتضي إما أنه إسلامي أو أنه قوموي، الأمر الذي يدعو إلى إعادة نظر في منظومة” أفكاره” ومدى مصداقيتها، وتغليب” التكتيك” السياسي على” الستراتيجي” حيث “الستراتيجيا” هنا أمر إيماني، لا يمكن المساس به، مع أن المسلم الحقيق، هو من يعطي لكل ذي حق حقه، بتجرد تام،عن الأهواء، والرغبات، والمعادلات الزئبقية، المتغيرة، التي هي شأن سياسي صرف، وهو ما يدفع بالقضية الكردية-عامة- لتكون القضية الإسلامية الأولى، لدى كل مسلم صادق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…