دورة الحبل السري ….

روني علي

لا ضير في أن يجد أحدنا ذاته بين أتون مخاضات المستقبل، وهو يصارع السكون، وفق منظومات ما يمكن أن نسميها بالبذرة التي تبحث لذاتها عن التربة الملائمة، بعد أن تلبدت الأجواء بمفاهيم لا يمكن لها أن ترتكن إلى ثقافة تلملم أدبارها، ووسط إرهاصات تطرح المزيد من القلق من لدن أولئك المتعربشين بأحلام الأمس وآمال الغد، المبنية على طقوس الخضوع والخنوع، وسط حالة ينازع الفكر فيه تأوهات اللامصير، ويقاوم الانهيار ذاته بين فكي كماشة، يشكل التغيير طرفاً فيه من حيث الامتداد والانتشار، وإدامة السكون طرفه الآخر، حافظاً على نمطية السائد، من حيث الانحدار والنكوص، بحيث لم يبق أمامنا طائل لأنصاف الحلول أو أشباه الحلول، فإما الانطلاق نحو الآفاق، وبالتالي التأسيس للمستقبل، وفق مفاهيم وضوابط تساهم في عملية الارتقاء المجتمعي، وإما الرجوع إلى جدران بيزنطة والمكوث خلف أسواره انتظاراً لعودة غودو..

وبين هذا وذاك، لا خيار ولا مكان، اللهم لاستراحة المقاتل، ولو إلى حين، وذلك عند استنطاق الوقائع، والإدارك بأن من في المواجهة، ليس سوى شريكاً أفقده صراع الأجيال وتصارع الثقافات عنصر التوازن والاستقرار، وبالتالي، وحتى لا نقرع على طبول ممزقة، أو نطلق الصرخة في فضاءات ترده إلينا على شكل صدى لا أكثر، بحيث نكون المرسل والمتلقي، وكي لا نحول ما نهدف إليه من تغيير إلى انقلابات، ونخرج عن طوعنا ودورنا، لا ضير في أن نتريث ضمن ثقافة الاختراق، كون المواجهة ستهدم دون أن نمتلك أدوات البناء، خاصةً ونحن نعي تبعات مثل هذا الانهيار …
إن التاريخ علمنا أن وراء كل انقلاب ثورة مضادة، ووراء كل مواجهة عنف أبيض، يطفو على السطح في صورة تقرحات ودمامل، هذا إن لم تكن في صورة شرانخ وحزيبات، وعليه، فإن استحقاقات المستقبل تفرض علينا أن لا ننحو صوب اختراق متاريس التواصل وقطع دورة الحبل السري بين الأمس واليوم، بأجياله وأشكاله، كون ما نهدف إليه من تغيير، لم يغدو بعد أمراً واقعاً، ولم يفرز بعد طقوس الواقع، وبالتالي حري بنا أن نركب الموجة ونحن نحاول تغيير مساره، بدل من مواجهتها التي فيها هدم كل ما بنيناه، لأن مراكز القوة ما زالت تحتفظ لنفسها بنصيبها، ضمن معادلة استمرار ثقافة السلطة وسيادة العقلية، التي فرخت غريزة القطيع وإطاعة أولي الأمر ..

وهذا لا كما قد يفسره البعض بأنه رخوض لمشيئة القوة من جديد، بل علينا أن نحتكم إلى المنطق الذي يقرأ الواقع من خلال ما هو واقع، بأن الأقلية ما زالت هي التي تسود وتسيطر، سواء في الأنظمة السياسية أو في الحزب المناضل، وأن لا مناص لنا سوى أن نحفر في الصخر ونعيد ترتيب الحسابات على أساس الارتقاء بالوعي المجتمعي حتى يكون له القول الفصل وعند الفصل في المفصل ….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…