بعض ذكرياتي مع الشهيد مشعل تمو

* محمد قاسم “ابن الجزيرة ”

اختلفت الأحزاب الكوردية حول عدد وأشخاص المرشحين عن المنطقة الكوردية –الجزيرة –  لإحدى دورات مجلس الشعب، وترشح تسعة من قياديي الأحزاب، يمثلون عدد الأحزاب الكوردية حينذاك ، كان أحدهم الشهيد مشعل.ا فيما بعد انسحب ممثلوا بعضها،  وبقي فقط أربعة مرشحين، ثم انسحب اثنان وبقي المرحومان: كمال وإسماعيل.ولذلك حكاية قد نحكيها في وقت آخر.

كنت واحدا ممن يسعى مع بعض الفعاليات الاجتماعية والثقافية لتقريب وجهات النظر بين هؤلاء المرشحين، فالتقينا بهم جميعا، ومنهم المرحوم الشهيد مشعل تمو.
 كان لا يزال شابا في مقتبل العمر، يربي سكسوكة وشاربا يلتقي بها، وهو مملوء حماسة – وربما رد فعل أيضا – فقد كان روح تنافسي قبلي يحركه -كما قيل عنه- إضافة إلى خصومة سياسية مع بعض القيادات الحزبية الكوردية.

 حينئذ تكوّن لدي انطباع فيه نوع من السلبية عنه، وظننته مندفعا وربما أنانيا… ودارت الأيام، وأسسنا “كروب ديرك للثقافة الكوردية عام 1995..واستضفنا عددا من المثقفين الكورد من قامشلي وعاموده والحسكة وغيرها…ومن بين الذين زارونا كان الشهيد مشعل تمو ، وكان معه شخص اذكر أن اسمه  كان محمد شيخو… وربما ثالث لا اذكر  بالضبط.

وقد قدموا اقتراحا بتأسيس تجمع ثقافي كوردي في المنطقة، ويبدو أن الفكرة  تبلورت إلى لقاء بين المثقفين الكورد من مختلف المشارب والاتجاهات؛ يجمعهم فقط حب الثقافة وخدمتها؛ بعد عدد من الاجتماعات التشاورية في قامشلي –عدد منها في داره- واذكر منهم المرحوم سيداي كلش، وزردشت محمد، وحبيب صالح، ومشعل تمو و المرحوم المهندس محمد أمين جمال والذي كان يسجل محاضر الجلسات، وآخرون … وانتهت الجلسات إلى الإعلان عن تأسيس منتدى ثقافي كوردي تحت مسمى “منتدى بدر خان” في قرية “جمعاية” حضره عدد كبير من المدعوين منهم غير كورد.وقد رافق الجهد لغط كبير في أوساط حزبية ومقربين منها، حاولت التشكيك بهذا الجهد، وربطه برغبة جهات أمنية، وقد قلت حينها ردا على هذه التهمة: إذا كانت جهات أمنية ترعى تأسيس منتدى ثقافي كوردي فنحن نشكرها، وتقرر الابتداء بإعلان رسمي عن التأسيس، يكون مترافقا مع إلقاء محاضرة من قبل المعارض جاد الكريم جباعي، وفعلا حصل ذلك وحضر المحاضرة جمع غفير من مختلف الأحزاب والاتجاهات الاجتماعية والسياسية، ومنهم بعثيون ورموز قبلية أذكر منها الشيخ حميدي دهام الهادي.

 وأُعلن عن برنامج نشاطات للمنتدى علنا، علقت في مفارق الشوارع ، وكانت المحاضرة الثانية المقررة هي للدكتور عبد الرزاق عيد من حلب.

– لكن الأمن السياسي لم يسمح بالنشاط أن يتم،واخرج المحاضرين من القبو  الذي كان المنتدى اتخذه مقرا لأنشطتها، وكان ذلك نهاية لما سمي ربيع دمشق في قامشلي.

كيف وجدت الشهيد؟ قلت إنني كونت انطباعا غير مستحب عنه في أول لقاء معه، بمناسبة محاولة التقريب بين القيادات الحزبية بشان الترشيح لمجلس الشعب..لكنني وجدته مختلفا جدا في لقاءات استمرت عدة جلسات للبحث في آلية تأسيس المنتدى الثقافي “منتدى بدرخان”.

كان الرجل قد عزم-كما بدا لي – أن يكون متميزا، فثقف نفسه، وكتب المقالات العديدة بلغة متينة، وحبكة مميزة لغويا وتعبيريا، وكان واضحا انه يتطور باستمرار في هذا الميدان…لكنني كنت آخذ عليه انه يغلّب البعد السياسي في نشاطه الثقافي –وهذا حق له من وجهة النظر الثقافة السياسية على الأقل- وان كنت لا أرى فيه  استقامة كمبدأ.

ولذا كنا نختلف أحيانا، وأشهد له بصبر وتحمل للملاحظات النقدية التي كنا نوجهها له.

لقد لاحظت عليه اختلافا بين أول لقاء به، وبين اللقاء به في جلسات الحوار بشان منتدى بدرخان الثقافي…فقد كان منضبطا، وممتصا انفعالات البعض حين النقاشات التي كانت تحتد أحيانا، وقد شهدت إحدى هذه النقاشات المحتدة مع بعض الحاضرين، ولولا أنه كان ضابطا لنفسه لتبلور النقاش إلى شان آخر، ومنحى آخر، وربما شابه بعض عنف مادي .لكنه امتص الانفعال وحاول أن يبقي النقاش في مسار هادئ.

وكان آخر لقاء جمعنا بعد منع نشاط المنتدى في دار المرحوم المهندس محمد أمين الذي توفي نتيجة حادث مروري في كوردستان العراق.

وكان من المقرر أن نستمر في النشاط الثقافي بجهد متواضع ريثما ينجلي الأمر عن الحالة النهائية لموقف الحكومة من هذه الأنشطة ولكننا لم نستمر ، وفيما بعد قرأت على النت اسم المنتدى في بيانات وبعض أنشطة اعترضت عليها وناقشتها على الهاتف مع السيد مروان عثمان وكان واحدا من المشاركين في جلسات التحضير لتأسيس المنتدى،واتفقنا على أن نلتقي لنقرر مصير المنتدى، وفي انتظار حل إشكالية وظيفية كان يمر بها المرحوم مشعل حينها، وكان متواريا، ولكننا لم نلتق أبدا فقد خرج مروان وانشغل مشعل بظروفه التي مر بها وتوفي محمد أمين وسيداي كلش…وبقيت الأمور كما هي.

لا انفي أن نبضا من حيوية الشباب كان يشوب مواقفه أحيانا، ولكنه لم يصل – في ظني- إلى حد الخروج عن المسار المفترض بشكل عام بغض النظر عن الاختلاف بيننا حول الاتجاه السياسي الذي تبناه….ولئن اتخذ البعض مواقف حادة تجاهه –خاصة في الجانب السياسي فقد كان –في ظني- خوفا من سريان هذه الروح الجريئة في حياة الآخرين، وربما الخوف من استقطاب شريحة الشباب، فحاكوا له -بدوافع لا صلة لها بحقيقة شخصيته- ما حاكوا من اتهامات، أو توصيفات، أو ما شابه.

وعندما اختطف وأودع سجنا -يقال انه قاس جدا وعومل معاملة قاسية جدا أيضا– تناثرت تلك الحكايا الباطلة عنه ، وزاد نقاء عندما جاهر بخصومته للنظام بجرأة ومباشرة، وجاءت محاولة اغتياله قبل فترة لتزيد نقاءه سطوعا، وعندما اغتيل كان من شهداء قضيته القومية والوطنية.

ونسج رمزية لما يعتمل في دواخل جموع الشعب الكوردي، بل وجموع الشعب السوري.

فماذا بشان الذين حاولوا تلويث سمعته ادعاء بلا دليل وزعما باطلا…؟! رحمك الله أبا فارس… متّ جسدا؛ ولكنك أحييت مشاعلا تومض، وتضيئ، وتحرق أيضا…! ……………………….

 *كتبت سريعا هذه الذكريات وهي مادة لمقال مستقبلي –ان شاء الله- بتفاصيل أوفى عن نشاط المنتدى.

وأشكر كل من يزيدني معلومات عن ذلك.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…