لماذا مشعل تمو؟

  صالح بوزان

التقيت به مرتين.

مرة في ندوة بحلب أيام ما سمي بربيع دمشق.

وفي المرة الثانية خلال تأبين أحد الشبان الكرد الذي قتلته الأجهزة الأمنية السورية خلال الانتفاضة الكردية الشهيرة عام 2004.

وكان في هذه المرة الأخيرة برفقته المناضل السوري المعروف فائز سارة.

في هذين اللقاءين لم يستغرق الحديث بيننا سوى دقائق.

وتمنينا أن نلتقي في المستقبل القريب لتبادل الآراء حول الشأن السوري والكردي.

لكننا لم نلتق مع الأسف.

كان متحمساً للتغيير في سوريا, بعكس ما كان ينخر في دماغي حينئذ جراثيم اليأس من الوضع السوري الذي يستعصي على التغيير.
منذ ذلك التاريخ بدأت أقرأ مقالاته في الانترنيت.

كما قرأت له كتاباً كان مجموعة مقالات جمعها وطبعها بشكل غير رسمي.

وتابعت بيانات حزبه.
واليوم, وبعد مقتله برصاصات الغدر والخيانة سأتوقف على الجانب السياسي لهذه الشخصية المتميزة بين قادة المعارضة السورية عامة, والزعامات الكردية السورية خاصة.

لقد كانت لشخصيته خصائص متميزة.
لقد جسد مشعل تمو, كسياسي كردي, إرادة الشعب الكردي السوري المستقل.

ولا سيما تركيزه على الرابط التاريخي والمصيري بين الشعبين العربي والكردي السوريين.

وفي هذا المجال كان من القادة الكرد السوريين القلائل الذي تلمس نهج الشهيد الكردي الأكبر شيخ معشوق الخزنوي.
من خلال سيره الصادق على هذا النهج أحدث تقارباً كبيراً بين المعارضة الكردية والمعارضة العربية.

بل يعود الفضل له بنشر ثقافة وحد المصير بين العرب والكرد السوريين.

هذه الثقافة التي عجزت عن إنشائها الأحزاب الكردية السورية خلال نصف قرن من نضالها, وكذلك المعارضة السورية الكلاسيكية عامة.
لقد وقف مع الثورة السورية ليس من باب البحث عن مكاسب شخصية في سوريا المستقبل.

بل أدرك بحسه الوطني الكردي والسوري أن مهام الثورة السورية ليست فقط تغيير النظام البعثي.

بل اكتشف قبل غيره من القادة الكرد أن هذه الثورة تحمل انعطافاًً تاريخياً لتحويل سوريا من عصر بائد إلى عصر التنوير والحداثة.
كان يعبر عن اتجاهه السياسي بوضوح وصدق, سواء تجاه القضية الكردية السورية أو تجاه مجمل الوضع السوري.

ولذلك لم ينجر إلى مهاترات مع بعض المعارضات العربية السورية التي تتحدث عن الديمقراطية والمساواة في جميع الشؤون السورية, ولكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الكردية تظهر مفاهيم ميشيل عفلق في أقوالها ومواقفها.

كان يعتقد أن الجماهير العربية السورية التي عانت الظلم والاضطهاد تحت لواء سلطة القومية العربية البعثية, ستتفاهم مع الشعب الكردي السوري في إطار وحدة الوطن السوري ووحدة الشعب السوري دون أدنى شك.
نحن في سوريا لدينا مشكلة مع غالبية الساسة السوريين.

هؤلاء الساسة يقولون شيئاً في بياناتهم وفي تصريحاتهم العلنية.

وتحت الطاولة يعقدون صفقات سرية تشم من بعضها رياحاً قذرة.

لكن مشعل تمو كان خارج هذه البهلوانية السورية التي كرسها حزب البعث ليس في عقول أعضائها فقط.

بل كذلك في عقول العديد من قوى المعارضة الكلاسيكية.
بالرغم من تضامنه العلني والذي ليس فيه أي لبس مع الشعب الكردي في كل من كردستان العراق وتركيا وإيران, لكنه أصر على أن تكون القضية الكردية السورية قضية سورية حصراً.

وبذلك فصل بين التضامن وبين الولاء والتبعية.
كان القائد الكردي الأبرز الذي أسقط الحوار بين الكرد والنظام, انطلاقاً من حقيقة ثابتة أنه لا يجوز للشعب الكردي السوري أن يحقق أهدافه على حساب شريكه التاريخي في الوطن والعيش المشترك.

فالشعب الذي يسعى إلى حريته على حساب شعب آخر هو شعب لا يستحق الحرية أصلاً.

هذا هو الخيار التاريخي الذي رسمه لنفسه.


عندما نتوقف بعمق على هذه الخصائص والصفات التي جسدها مشعل تمو نستطيع عندئذ أن ندرك بسهولة لماذا قُتل مشعل تمو غدراً, ومن قبله الشيخ معشوق الخزنوي, ومن يقف وراء مقتله.
أريد في الختام أن أعترف على الصعيد الشخصي أمام الشعب السوري وأمام الوطن السوري.

فعلى الرغم من الحزن الشديد الذي سيطر علينا جميعاً بفقدان هذا المناضل الكبير, فأن أكبر فرح شعرت به طيلة حياتي, عندما سمعت من خلال التلفزيون, بعد مقتله, كيف أن جماهير المدن السورية خرجت وهي تهتف في كل أرجاء سوريا(نحن معك يا قامشلي, نحن معك يا مشعل تمو).

هذه هي الوحدة الوطنية التي يحتاج إليها الشعب السوري بكل قومياته وطوائفه.

وهكذا يجب أن تكون كل المدن السورية مدننا، وكل القوميات السورية قومياتنا وكل الطوائف طوائفنا.
المجد لك يا شهيد الثورة السورية
المجد لك يا شهيد الوحدة الوطنية الصادقة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…