هكذا يفكر الأسد!

عبد الرحمن الراشد

لم أنسخ العنوان نقلا عن نيتشه في كتابه «هكذا يفكر زرادشت»، فشتان بين زرادشت والأسد، وشتان بين ما ألفه نيتشه عن زرادشت وما أحاول تخيله هنا، مع أن هناك بعض الأسطر قد تجمع بينهما؛ حيث «أدان نيتشه، على لسان بطله، الجبن والهزيمة والاستسلام مهما كانت الدوافع»! ويبدو أن الأسد سائر على دربه عندما قرر مبكرا أن يستخدم كل قوته لسحق خصومه.

ثم سيقول ما قال نيتشه على لسان زرادشت: لست غولا أو وحشا أخلاقيا بل همي تحسين البشرية!
لا أتصور أن بين خيارات الأسد وقراراته أن يركب طائرته ويغادر دمشق هاربا، كما فعل الرئيس التونسي زين العابدين، مع أنه خيار جيد وعقلاني.

إذن، كيف يفكر؟
حتى نفكر كما لو كنا ننتعل حذاءه، كما يقول المثل، لا بد أن نتقمص بيئته؛ فهو النظام، ومسؤول عن النظام كله، ولا بد أن يفكر في حمايته ككيان متكامل، مسؤول عن الجيش وأجهزته الأمنية، ولن يرضى أن يفرط في شيء منها؛ لأنها ستتحول إلى أداة ضده.

عليه، أيضا، أن يمسك بقيادة النظام التي يجلس فيها على يمينه أخوه وعلى يساره قادة من الحلقة الضيقة التي تدير الدولة.

وبقدر قلقه من الشارع، يريد ألا تصل المظاهرات إلى وسط دمشق وحلب، كذلك لا يستطيع أن يغفو عن رصد قياداته ولو لدقيقة، خشية أن ينقلبوا عليه فيقدموه كبش فداء للمحرقة.
عليه أن يمارس مهامه العادية حتى يؤكد أن الوضع طبيعي، ويبدو أنه ممسك بالقيادة؛ لأن المظهر لا يقل أهمية عن الحقيقة خلف الجدران، خاصة مع كثرة الشائعات التي تدور في بيوت دمشق عن إصابة شقيقه ماهر وإرساله للعلاج في موسكو، واغتيال اللواء رستم غزالة، ولجوء بعض أفراد عائلته إلى أحد الأديرة، وغيرها من الحكايات التي لا أسانيد لها.
نلاحظ أن الأسد يفكر بطريقة واضحة؛ حيث لم يقدم تنازلا من أي نوع كان، فلم يبدل أحدا من القيادات الأساسية، باستثناء وزير الدفاع، ولم يعطل حزب البعث كما كان منتظرا، ولم يعلن عن انتخابات.

أعطى الكثير من الوعود لضيوفه الأتراك والروس والجامعة العربية من دون تنفيذ أي منها.

وهذا يعني أنه يفكر وينفذ حلا واحدا، بالأمن والجيش يريد القضاء على الانتفاضة مهما طال الزمن.

يعتقد أنه نجا من الأخطار التي أحاقت به بعد اغتيال رفيق الحريري.

فقد تمسك بموقفه وتحدى العقوبات الدولية، باستثناء سحب قواته من لبنان، ونجح فعلا في الخروج من الحصار بكامل قدراته.

ويريد أيضا أن يكرر التجربة الإيرانية؛ حيث واجه النظام الأمني هناك انتفاضة المحتجين بعد الانتخابات التي كسبها أحمدي نجاد تزويرا، وعلى الرغم من المظاهرات الحاشدة تمت السيطرة فأفرغت الشوارع من المحتجين، وملئت السجون بهم، وهكذا أطفئت الثورة في مهدها.
طبعا أي مطلع يدرك الفارق الكبير بين أزمة اغتيال الحريري في الماضي وأزمة الداخل السوري اليوم، وبين انتفاضة الشعب السوري وانتفاضة الشعب الإيراني.

ما يحدث في سوريا ثورة حقيقية هو يعتقد أنه قادر على أن يعيد جنيها إلى القمقم، أي إخضاع المتظاهرين، وهذا أمر صعب إن لم يكن مستحيلا.
ولا بد أن يفكر في خيارات أخرى إضافية غير حشر عشرات الآلاف من النشطاء وأقاربهم في السجون والمعتقلات والملاعب الرياضية والمدارس التي اكتظت بهم، فالحل الأمني هو خياره الأول، والحل السياسي خياره الإضافي؛ حيث سيقدم بعض الحلول السياسية التجميلية بتكليف معارضين مقبولين له بتشكيل حكومة، وانتخابات برلمانية، في حين يستمر بالإمساك بالسلطة الحقيقية، الرئاسة والأمن والجيش ومراكز القرارات السيادية الأخرى.
لا بد أنه يفكر في حلول فيما لو انتقل المحتجون إلى العمل المسلح لمواجهة القمع الذي يتعرضون له.

يتصور أنه قادر على مقارعة السلاح بالسلاح بأجهزته الأمنية المتطورة وجيشه الجرار، وثانيا: سيسعى لتصوير الجماعات المسلحة على أنها جهادية بما يخيف الفرقاء في العالم ويدفعهم لتأييده في فترة لاحقة، كما حاول القذافي أن يفعل في مواجهة قوات «الناتو» وفشل.
وماذا لو فشل هو أيضا في مواجهة الثورة المسلحة؟ أتصور أنه يفكر في خياره الأخير؛ الاحتماء بطائفته والأقليات القلقة الأخرى التي حرص على تخويفها من بداية الانتفاضة، زاعما أن جماعات سلفية إسلامية متطرفة ستقوم بذبحهم.

وقد فعلها القذافي، لكن لا يبدو أنها ستنقذه طويلا.
هكذا يفكر الأسد في معالجة الثورة ضد نظامه؛ لأنه يعتقد أن أي إصلاحات سيقدمها ستؤدي إلى انهيار نظامه، كما لا توجد إصلاحات أقل من ذلك يمكن أن ترضي الثائرين عليه.

وبالتالي تبقى بالنسبة له «يا قاتل يا مقتول»، أو يقول ما يقوله نيتشه: «في العبور إلى الجهة المقابلة مخاطرة، وفي البقاء وسط الطريق خطر، وفي الالتفات إلى الوراء وفي كل تردد، وفي كل توقف خطر في خطر».
alrashed@asharqalawsat.com

الشرق الاوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…