مستقبل الاقليات في دولة سوريا القادمة

 فرحان مرعي

يكثر الحديث في هذه الآونة عن مستقبل الاقليات في سوريا بعد سقوط النظام ويشيع الخوف والرعب من قبل النظام ومن ابواقه الاعلامية وازلامه السياسية هنا وهناك من ان مستقبل الاقليات ليس في سوريا فقط وانما في لبنان وغيرها من دول المنطقة  في خطر الصراعات  الطائفية والمذهبية والعرقية وكأن الاقليات كانت تنعم بالحرية والديمقراطية في ظل النظام البعثي الشمولي ويخشى عليهم في حال سقوطه من القتل والتهجير والتهميش بعد استيلاء الاكثرية السنية والاصولية الاسلامية على السلطة ، في الواقع ان النظام يعمل جاهداً على تحييد الاقليات في سوريا من الاحتجاجات والثورة الجارية في سوريا فيتقرب من الكرد ويهمس في آذان بعضهم قائلاً :اننا اقليات (العلويون والكرد) ومن اصول واحدة والخطر بالابادة سيهددنا نحن الاثنين اذا سقطنا، وكذلك يضربون على نفس الوتر مع الدروز والمسيحيين والاسماعييليين وانتقلت العدوى الى لبنان فظهرت اصوات تخوف المسيحيين من مستقبل غامض بعد سقوط البعث في سوريا .
الواقع شيء والدعاية الاعلامية شيء آخر،تاريخ سوريا القريب والبعيد شيء والتاريخ البعثي شيء آخر ،سوريا بلد التعدد والتمايز الحضاري عاشت في معظم تاريخها في وئام ووفاق ولا يوجد في هذا التاريخ مراحل وفترات تفشت فيها صراعات طائفية او حروب مذهبية اوحروب اهلية ولم تعرف سوريا تاريخياً باسم عرق او مذهب معين فكانت سوريا اسمها دائماً دولة سوريا دولة كل السوريين بدون تمييز ولم تكن هناك اغلبية او اقلية وكانت فكرة المواطنة هي السائدة وبعد الاستقلال تولت رؤساء حكومات ورؤساء جمهورية افراداً لم يكونوا في معظمهم من اصول عربية ،شكري قوتلي ، اديب شيشكلي ،حسني الزعيم ،الحناوي، البرازي، وغيرهم، فكانوا مسيحيين وكرد وعرب ودروز وشركس و …..

ولم يكن هناك حرج ولا خلاف ولا من يقول هذا عربي وذاك كردي فكان المواطن السوري هو السائد ، والان اذا اجرينا دراسة احصائية سكانية وعرقية دقيقة وحقيقية لن تجد في سوريا اغلبية سكانية لعرق معين لا اغلبية عربية ولا كردية ولا غيرهم ،وانا اعتقد وليس من باب التعصب لأي عرق – ان العرب لا يشكلون الاغلبية في سوريا اذا انطلقنا من الاصول العرقية لا من الناطقين باللغة العربية، نعم ان الناطقين باللغة العربية هم الاكثرية ولكن ليس جميعهم من الاصول العربية، واعتقد جازماً ان اكثر من اربعين بالمائة من الشعب السوري هو من الاصول الكردية والباقي تتوزع بين العرب والسريان والشركس والدروز والمسيحيين والارمن ….

اود ان اقول في المحصلة ان هذا التنوع والتعدد الجميل في سوريا كسر وشوه وحطم وقهر في مرحلة تاريخية قصيرة من عمر سوريا وهي مرحلة طارئة وشاذة عليها  والشعب السوري بصدد قطعها وترحيلها واجتثاثها والقضاء عليها وهي مرحلة بدأت عملياً منذ عام 1958وكرست ورسخت عام 1963 مع انقلاب البعث في سوريا لتتعرب كل شيء في سوريا من الجمادات الى الكائنات والهيئات والمؤسسات فسميت سوريا :العربية السورية وفيما بعد سوريا الاسد فاختفت فكرة المواطنة واضطهد الشعب السوري بالكامل ولم يفلت اية فئة من الظلم والقمع ومورست هذه السياسة اينما وجدت الاصابع الاخطبوطية للنظام السوري (الاقلية الديكتاتورية) فتعاونت مع السنة ضد الشيعة في العراق وبالعكس وفي لبنان قتل الجميع ضد الجميع ولم يكن هناك مبدأ واضح في القتل،يقف مع حماس ضد الفتح وغداً بالعكس، مع المسيحيين ضد المسيحيين،ولن يحضن حزب الله في اللحظة الاخيرة ، ومع جنبلاط “كل  يوم هو في شأن” وقتل الحمير وعلى أي مذهب لا ادري ،وهذا يعني ان النظام في سوريا ليس طائفياً انما هي اقلية ديكتاتورية متوحشة من العرب والكرد والمسيحيين والدروز والعلويين وغيرهم ولا يستبعد ان يكون بينهم اجانب من امريكان وايرانيين وروس ولبنانيين   ومن مختلف المذاهب والاعراق الموجودة،  كان هم النظام شيء واحد فقط تمكين سلطتها والبحث  عن عوامل هذا التمكين باي ثمن كان وباي شكل كان .
دولة سوريا القادمة لا خطر فيها على الاقليات لا من السنة ولا من الاصولية ولا من المذهبية ولا من عرق معين او منطقة معينة ولا من الاخوان ولا من الانتقام، الخطر الاساسي يكمن في بقاء هذه الديكتاتورية فعلى جميع الشعب السوري بكرده وعربه وشيعته وعلوييه وسنته ودروزه ومسيحييه وايزيديه وحميره (وهذه فئة انضمت مؤخراً الى صفوف الثورة) –عليهم جميعا- الانخراط في الثورة واجراءعملية التغيير المنشود لا التخوف من هذا التغيير”والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون “

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…