خالص مسور
لابد أن نرى سورية اليوم وهي تنتقل بل انتقلت بالفعل من الإصلاح إلى الثورة التي تشكلت ضمن ما يعرف بالربيع العربي والذي شكل بدوره منعطفاً تاريخياً هاما وحاسماً في مسيرة الشعب السوري خصوصاً والشعب العربي بأقلياته وشعوبه عموما، فكان الربيع ثورة المهمشين والبائسين ومن يعانون من ضيق هامش الحرية، ومن احباسات سياسية واجتماعية على مذابح رغبات الأنظمة وتغول القوى الأمنية، وعنجهية أصحاب المشاريع القوموية المتخلفة.
ثورة تهدف إلى إعادة كرامة الإنسان المقهور وتحقيق إنسانيته وإقامة مجتمع حر مزدهر متآلف قائم على التناغم وحقوق المواطنة المسلوبة والعدالة والمساواة.
ثورة تهدف إلى إعادة كرامة الإنسان المقهور وتحقيق إنسانيته وإقامة مجتمع حر مزدهر متآلف قائم على التناغم وحقوق المواطنة المسلوبة والعدالة والمساواة.
ولكن ما ندركه هو أن الحالة في سورية أضحت في حكم الخطيرة جداً وخاصة بعد تشطيح النظام والإنزلاق من الشفافية والحل السلمي إلى السلاح والحل الأمني، أو الرد على المحتجين بتثبيت القبضة الأمنية وقمع الإحتجاجات بأي شكل من الأشكال، وهو ما يدل على اعتقاد رموز النظام أن أي إصلاح الآن سوف يؤدي إلى زعزعة النظام ويؤثر بقائه واستقراه الأمني.
بالمقابل نرى عدم قدرة الجانب المضاد وهو المعارضة على لملمة صفه الداخلي وإفراز قيادة مسؤولة قادرة على توجيه دفة الإحتجاجات لصالحها، لتدخل هنا سورية في عمق الفضاء المجهول في ظل ضبابية الرؤية المستقبلية والأوضاع المتأزمة بعمق، مما يسمح مستقبلاً للغرب لفرض أجندته على المشهد الدرامي في سورية عاجلاً أو آجلاً.
ولندرك ما هو السبب لما ألت إليه الأوضاع في دول الريع العربي، يتوجب علينا العودة قليلاً إلى الوراء لندرك أن السبب يكمن فيما نلحظه ومن خلال سنوات وعقود، لجوء الأنظمة العربية الإستبدادية على الدوام إلى عدة ركائز حيوية لتثبيت سلطتها وهي:
1 – كسب تعاطف الشعب أو على الأقل إسكاته وعند الضرورة تخوينه، وذلك بوضعه وجهاً لوجه أمام حالة إيقونية مصطنعة يفرض فيها نفسه كطرف معاد لإسرائيل على مبدأ مرسوم سلفاً ينص على أن من ليس معه فهو مع إسرائيل حكماً، محاولاً اللعب هكذا على قضية العرب الأولى، مع اختلاق أو تضخيم نظرية المؤامرة الخارجية ودون تبيان مصدرها الخارجي.
2 – الضرب على وتر القومية وتأسيس أو الإنضمام إلى حزب قوموي يتولى القائد الأوحد رئاسته، كحزب التجمع الدستوري الديموقراطي في تونس، وحزب البعث في سورية، والحزب الوطني في مصر، وحزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن…الخ.
ومن ثم إطلاق أيدي الحزبيين في الفساد والإفساد وتولي المناصب العليا والتي هي في الغالب حكراً على أعضاء هذه الأحزاب وذلك لضمان إسكاتهم وموالاتهم، ليتحول البقية من الشعوب العربية والأقليات إلى مواطنين من الدرجة أكثر من الثانية كما في الحالة الكردية مثلاً.
3 – توجيه أبناء الزعيم أو أقربائه نحو التطوع في سلك الجندية غالباً وترفيعهم بقفزات فلكية حتى يكونوا سنداً لأبيهم أو لقريبهم الزعيم أو القائد، والزعيم الذي ليس لديه أبناء أوأقرباء في الجيش سيسقط لا محالة، ولن يصمد أمام الإنقلابات أو الربيع العربي لأيام أو لأشهر قليلة كما حدث في كل من مصر وتونس مثلاً.
4 – اللجوء إلى غسل الأدمغة الشبابية عن طريق إنشاء منظمات تدين بالولاء للقائد كمنظمات الشبيبة والطلائع مثلاً، وهذه الفكرة يعتقد أنهم جاؤا بها من الاتحاد السوفيتي السابق ومن نظام فيدل كاسترو في كوبا.
وهكذا نرى مع هذه الأوضاع المزرية والإنقلابات العسكرية المتكررة في الوطن العربي، لم تكتمل فرحة الشعوب العربية في التحرر من الإستعمار وإساءاته، بل لتدخل في حالة هو أقسى وأشد إيلاماً بما لايقاس تحت سلطة الأنظمة الإستبدادية والشمولية، وما يرافقها من تأليه القائد الضرورة والزعيم الأوحد.
لكن ليعلم الشعب العربي كله أنه ليس لديه بعد الآن قائد تاريخي يستحق أن يحمل هذا اللقب معرفياً، وأن هذا القائد – وإن وجد بعد اليوم– فله مقاسات وأوصاف نجملها فيما يلي:
1 – الإهتداء بسيرة القادة العظام في التاريخ العربي والتفاني في العمل على إخراج شعبه من الظلمات إلى النور، وإدخاله في عهدة الديموقراطية والحرية والتضحية بالمصلحة الشخصية في سبيل المصلحة الوطنية العليا، وعندها يمكن الإلتفات بجدية وقوة إلى القضية الفلسطينية والإستماتة من أجلهان، وقبل تحرير الشعوب العربية من ربقة العبودية وظلم ذوي القربى لايمكن أبداً تحقيق أية نجاحات في المسألة الفلسطينية، والدليل ماثل في أولويات ثورات الربيع العربي.
هذا وعند توفر هذه الصفات في أي قائد عندها سيدخل في سجل العظماء والتاريخ من أوسع أبوابه، وسينحت له شعبه تمثالاً في كل بيت عري أو مسلم.
حيث لم يعد ادعاءات الممانعة ومعاداة الصهيونية أمران يجديان نفعاً، ولن يقنعا أحداً من الجيل البراغماتي من الشباب العصري، بعد أن ولى جيل الشعارات البراقة وبالروح بالدم نفديك يا قائد.
2 – مراعاة حقوق الأقليات والشعوب الأخرى، وإنشاء دولة مدنية لافرق بين عربه وأعجمه إلا بالعمل النافع المفيد، أي دولة ومجتمع يكون قيمة كل امريء فيهما بما يقدمه من الجهد النافع والعمل الصالح، والعمل على تقدم البلد من النواحي الحضارية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية…الخ.
3– تحرير الشعوب من الإستبداد الداخلي ومن القمع والعبودية وظلم ذوي القربى ، والعمل على إيصال شعبه إلى مصاف شعوب دول النمور الآسيوية أو ما في حكمها، كما فعلها رئيس الوزراء الماليزي القدير مهاتير محمد، أو إميراطور اليابان ميجي، او نيلسون مانديلا وغيرهم.
وبدون هذه الشروط ليس هناك زعيم عربي أو مسلم نصفق له بمناسبة وبدونها، ولايمكن المناداة به قائداً للأمة وزعيماً أوحد بعد اليوم.
وفي الختام نقول، أن الخطاب الحزبي الكردي السائد اليوم بدأ يتناغم مع المدى الذي يتوفر عليه خطاب المكون السوري الآخر، وتأتي أهمية الخطاب الكردي السياسي في أنه يمثل الإطار المرحلي لإطلاق حركة إصلاحية والإرتقاء من حالة التشظي والتبعثر إلى محاولات جادة لتوحيد الرؤية السياسية المشتركة، باعتبارها الحالة الديناميكية التي تنقل الصراع بين الأطراف السياسية المختلفة، من العنف إلى فض الإشتباك والحراك السلمي وخلق أجواء من السلم والمصالحة والتوافق العملي مع أجندات الحراك السياسي الآنية في المجتمع الكردي والسوري معاً.
في وقت نرى فيه الشعوب العرية عموماً والشعب السوري خصوصاً تشهد نهوضاً سياسياً من رقدة العدم، رغم أن التنسيقيات الشبابية لاتزال تعاني لغطاًً تنظيمياً، والأحزاب الكردية تنهض متثاقلة وقد أرهقها داء تكلس المفاصل، والمثقفون منقسمون وغير قادرين على تنظيم أنفسهم حسب متطلبات المرحلة الراهنة، والدليل على ذلك هو قيام الأحزاب (وهذه بادرة خيرة طبعاً) بمبادرة استدعائهم إلى تنظيم أنفسهم واختيار ممثليهم إلى المؤتمر الوطني، ولكن الصفة الحميدة التي أبداها المثقفون الكرد، هي أنهم تمكنوا من التجاوب مع المرحلة نوعاً ما، واظهروا قدراً كبيراً من القدرة على قراءة الحدث وإن مع بعض الشطح في مواضع قليلة، ولم يتوانوا عن النقد الهادف والبناء في معظم كتاباتهم، ومحاولاتهم المستميتة في إيجاد نوع من ديموقراطية التوافق، أو العمل بإخلاص على توحيد الرؤية المشتركة للأحزاب ومختلف التنظيمات الكردية، والقليل منهم بدأ يعمل لطموحات هي مزيج من الشخصية والوطنية، وأعتقد حتى هذه فهي طموحات مشروعة إذا لم تكن تسلقية وشخصية بحتة.
………………………………………………………………
بالمقابل نرى عدم قدرة الجانب المضاد وهو المعارضة على لملمة صفه الداخلي وإفراز قيادة مسؤولة قادرة على توجيه دفة الإحتجاجات لصالحها، لتدخل هنا سورية في عمق الفضاء المجهول في ظل ضبابية الرؤية المستقبلية والأوضاع المتأزمة بعمق، مما يسمح مستقبلاً للغرب لفرض أجندته على المشهد الدرامي في سورية عاجلاً أو آجلاً.
ولندرك ما هو السبب لما ألت إليه الأوضاع في دول الريع العربي، يتوجب علينا العودة قليلاً إلى الوراء لندرك أن السبب يكمن فيما نلحظه ومن خلال سنوات وعقود، لجوء الأنظمة العربية الإستبدادية على الدوام إلى عدة ركائز حيوية لتثبيت سلطتها وهي:
1 – كسب تعاطف الشعب أو على الأقل إسكاته وعند الضرورة تخوينه، وذلك بوضعه وجهاً لوجه أمام حالة إيقونية مصطنعة يفرض فيها نفسه كطرف معاد لإسرائيل على مبدأ مرسوم سلفاً ينص على أن من ليس معه فهو مع إسرائيل حكماً، محاولاً اللعب هكذا على قضية العرب الأولى، مع اختلاق أو تضخيم نظرية المؤامرة الخارجية ودون تبيان مصدرها الخارجي.
2 – الضرب على وتر القومية وتأسيس أو الإنضمام إلى حزب قوموي يتولى القائد الأوحد رئاسته، كحزب التجمع الدستوري الديموقراطي في تونس، وحزب البعث في سورية، والحزب الوطني في مصر، وحزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن…الخ.
ومن ثم إطلاق أيدي الحزبيين في الفساد والإفساد وتولي المناصب العليا والتي هي في الغالب حكراً على أعضاء هذه الأحزاب وذلك لضمان إسكاتهم وموالاتهم، ليتحول البقية من الشعوب العربية والأقليات إلى مواطنين من الدرجة أكثر من الثانية كما في الحالة الكردية مثلاً.
3 – توجيه أبناء الزعيم أو أقربائه نحو التطوع في سلك الجندية غالباً وترفيعهم بقفزات فلكية حتى يكونوا سنداً لأبيهم أو لقريبهم الزعيم أو القائد، والزعيم الذي ليس لديه أبناء أوأقرباء في الجيش سيسقط لا محالة، ولن يصمد أمام الإنقلابات أو الربيع العربي لأيام أو لأشهر قليلة كما حدث في كل من مصر وتونس مثلاً.
4 – اللجوء إلى غسل الأدمغة الشبابية عن طريق إنشاء منظمات تدين بالولاء للقائد كمنظمات الشبيبة والطلائع مثلاً، وهذه الفكرة يعتقد أنهم جاؤا بها من الاتحاد السوفيتي السابق ومن نظام فيدل كاسترو في كوبا.
وهكذا نرى مع هذه الأوضاع المزرية والإنقلابات العسكرية المتكررة في الوطن العربي، لم تكتمل فرحة الشعوب العربية في التحرر من الإستعمار وإساءاته، بل لتدخل في حالة هو أقسى وأشد إيلاماً بما لايقاس تحت سلطة الأنظمة الإستبدادية والشمولية، وما يرافقها من تأليه القائد الضرورة والزعيم الأوحد.
لكن ليعلم الشعب العربي كله أنه ليس لديه بعد الآن قائد تاريخي يستحق أن يحمل هذا اللقب معرفياً، وأن هذا القائد – وإن وجد بعد اليوم– فله مقاسات وأوصاف نجملها فيما يلي:
1 – الإهتداء بسيرة القادة العظام في التاريخ العربي والتفاني في العمل على إخراج شعبه من الظلمات إلى النور، وإدخاله في عهدة الديموقراطية والحرية والتضحية بالمصلحة الشخصية في سبيل المصلحة الوطنية العليا، وعندها يمكن الإلتفات بجدية وقوة إلى القضية الفلسطينية والإستماتة من أجلهان، وقبل تحرير الشعوب العربية من ربقة العبودية وظلم ذوي القربى لايمكن أبداً تحقيق أية نجاحات في المسألة الفلسطينية، والدليل ماثل في أولويات ثورات الربيع العربي.
هذا وعند توفر هذه الصفات في أي قائد عندها سيدخل في سجل العظماء والتاريخ من أوسع أبوابه، وسينحت له شعبه تمثالاً في كل بيت عري أو مسلم.
حيث لم يعد ادعاءات الممانعة ومعاداة الصهيونية أمران يجديان نفعاً، ولن يقنعا أحداً من الجيل البراغماتي من الشباب العصري، بعد أن ولى جيل الشعارات البراقة وبالروح بالدم نفديك يا قائد.
2 – مراعاة حقوق الأقليات والشعوب الأخرى، وإنشاء دولة مدنية لافرق بين عربه وأعجمه إلا بالعمل النافع المفيد، أي دولة ومجتمع يكون قيمة كل امريء فيهما بما يقدمه من الجهد النافع والعمل الصالح، والعمل على تقدم البلد من النواحي الحضارية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية…الخ.
3– تحرير الشعوب من الإستبداد الداخلي ومن القمع والعبودية وظلم ذوي القربى ، والعمل على إيصال شعبه إلى مصاف شعوب دول النمور الآسيوية أو ما في حكمها، كما فعلها رئيس الوزراء الماليزي القدير مهاتير محمد، أو إميراطور اليابان ميجي، او نيلسون مانديلا وغيرهم.
وبدون هذه الشروط ليس هناك زعيم عربي أو مسلم نصفق له بمناسبة وبدونها، ولايمكن المناداة به قائداً للأمة وزعيماً أوحد بعد اليوم.
وفي الختام نقول، أن الخطاب الحزبي الكردي السائد اليوم بدأ يتناغم مع المدى الذي يتوفر عليه خطاب المكون السوري الآخر، وتأتي أهمية الخطاب الكردي السياسي في أنه يمثل الإطار المرحلي لإطلاق حركة إصلاحية والإرتقاء من حالة التشظي والتبعثر إلى محاولات جادة لتوحيد الرؤية السياسية المشتركة، باعتبارها الحالة الديناميكية التي تنقل الصراع بين الأطراف السياسية المختلفة، من العنف إلى فض الإشتباك والحراك السلمي وخلق أجواء من السلم والمصالحة والتوافق العملي مع أجندات الحراك السياسي الآنية في المجتمع الكردي والسوري معاً.
في وقت نرى فيه الشعوب العرية عموماً والشعب السوري خصوصاً تشهد نهوضاً سياسياً من رقدة العدم، رغم أن التنسيقيات الشبابية لاتزال تعاني لغطاًً تنظيمياً، والأحزاب الكردية تنهض متثاقلة وقد أرهقها داء تكلس المفاصل، والمثقفون منقسمون وغير قادرين على تنظيم أنفسهم حسب متطلبات المرحلة الراهنة، والدليل على ذلك هو قيام الأحزاب (وهذه بادرة خيرة طبعاً) بمبادرة استدعائهم إلى تنظيم أنفسهم واختيار ممثليهم إلى المؤتمر الوطني، ولكن الصفة الحميدة التي أبداها المثقفون الكرد، هي أنهم تمكنوا من التجاوب مع المرحلة نوعاً ما، واظهروا قدراً كبيراً من القدرة على قراءة الحدث وإن مع بعض الشطح في مواضع قليلة، ولم يتوانوا عن النقد الهادف والبناء في معظم كتاباتهم، ومحاولاتهم المستميتة في إيجاد نوع من ديموقراطية التوافق، أو العمل بإخلاص على توحيد الرؤية المشتركة للأحزاب ومختلف التنظيمات الكردية، والقليل منهم بدأ يعمل لطموحات هي مزيج من الشخصية والوطنية، وأعتقد حتى هذه فهي طموحات مشروعة إذا لم تكن تسلقية وشخصية بحتة.
………………………………………………………………