ضربني وبكى.

غسان جان كير

بإصرار بائس يكاد لا يخلو مِن البلاهة , وغطرسة تفضحها وجوههم العابسة , وعقلية إقصائية , تُحاول جوقة المنافقين المُمتهنين للإعلام البقاء في زمنٍ كانتْ سِمته الأبرز أنّ الإعلام خُلقَ ليكون دعاية حكومية .

فالغطرسة التي يصطنعون لأجلها ملامحَ صارمة على وجوههم , التي يُخيّل لهم أنها الأداة الوحيدة في الإقناع , تشي  للمُتلقي بالعقلية الأمنية التي تستحكمهم في التعاطي مع رأي يخرج عمّا كان مرسوماً له في مُخيلتهم الصدئة , التي لا تعرف مِن العملية الاتصالية سوى أنها ذات اتجاه واحد , وأنّ المُتلقي ما هو إلا أسيرُ استمالاتهم التخويفية المُتعششة في عقولهم منذ عقود , مصحوبة بعقلية استعلائية تفتقد الاحترام للمتلقي والاستهانة بعقله وملكته النقدية التي ترشده لأنّ يكوّن نظرة موضوعية عن الأحداث التي تدور حوله .
ولأنهم أبواق يزعقون بحسب ما يُنفخ فيهم , تراهم يُجاهدون في تطبيع المتلقي بطبعهم المُتّسم بالخنوع والنفاق , فحيناً يشقّون ثيابهم والكتب المُقدسة أن (مافي شي والناس طالعة سيارين) , وحيناً يضربون ويطرحون فتكون النتيجة (عدد المُتظاهرين بضع عشرات), وما بين الحينين تراهم يستطربون في خلق ونقل مظاهر الفرح في هذا الجو الجنائزي , وفي مُعظم الأحايين مُستحكمين بنظرية المؤامرة , التي تستدعي منهم التمترس وراء السياسات الإعلامية الموجّهة التي (أكل عليها الدهر وشرب) بانفتاح فضاءات وسائل الاتصال الإلكترونية , التي تُتيح للمتلقي البحث عن مصادر إعلامية تستجيب لاحتياجاته .

مُتجاوزا كل قناة اتصالية تتغاضى عن حالة التنافر الآخذة في الاتساع بينها وبين مُتلقيها .


والأبواق تعرف – كما المُتلقي قبلها – أن إعلام الأزمة يقتضي نقل الحقائق بدقة دون تعتيم أو تمويه أو تشويه , إضافة إلى تحليلها وتفسيرها مِن قِبل مُختصين يُشهد لهم بالنزاهة , وهو الأمر الذي يقطع السُبل على المؤامرات (فيما إنْ وُجِدَتْ) , وليس الركون إلى تفنيد ما تأتي به القنوات (المُغرضة) , ذلك أنّ المتلقي وبما لديه من المَلَكَة النقدية يستطيع تبيان صحيح الأخبار مِن سقيمها .


والأبواق تعرف كذلك أنّ اعتمادها على استمالات التخويف يُمكن أن ترتد عليهم بنتائج عكسية , خاصة لدى اعتمادهم على نتائج استبيانات هشة النتائج (إن كانوا يقومون بها أصلاً) , ذلك أن هذه الاستمالات تعتمد على ثلاثة عوامل في نجاحها هي :
1-  مُحتوى الاستمالة: وهي في حالتنا التخويف من الفتنة , التي ليس لها وجود إلا في مُخيلة الأبواق .


2- مصدر الاستمالة: فالبوق الذي يُبالغ في التخويف لابدّ أن يتجاهله المُتلقي .


3-  خبرات الاتصال السابقة للمتلقي: الذي بمُستطاعه القول للأبواق : أن اتعظوا بحكاية الراعي الكذاب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صبري رسول دخل السّيد أحمد الشّرع مدينة دمشق في السّابع من ديتسمبر كرجلٍ سياسيّ قبل أن يكون عسكرياً بعد إن زحفت قواته من إدلب أقصى الشّمال الغربي إلى عاصمةٍ تُعَدّ من أكثر المدن تحصيناً في سوريا، حيث قوات حزب الله والحرس الثّوري الإيراني وقوات الحرس الجمهوري تحيط بها، وإحدى العواصم التي اختلف عليها العالم كلّه. سوريا التي حكمها وجهٌ واحد،…

صلاح بدرالدين قد تضيع اللحظة التاريخية ولكن لن يفوت الأوان دائما هناك لحظات تاريخية في حياة الشعوب خصوصا عندما يلتقي الذاتي والموضوعي في الزمن المحدد الذي قد لايطول الى الابد ، عن الأسبوعين الأخيرين مابعد التحرير اتحدث ، والفرصة السانحة لنا نحن الكرد ، لنعيد ترتيب بيتنا الخاص عبر المؤتمر الوطني الكردي السوري الجامع ، والمقصود نعيد…

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…