من مفارقات الزمن الكوردي -3- قطيعة في التواصل بين السياسي والمثقف

برزو محمود

في هذه الفترة حيث تدخل الأزمة السورية في شهرها السابع، تستقبل صفحات مواقع الانترنت كماً كبيراً من البيانات ومقالات التعبير عن الرأي في المجال السياسي والاجتماعي والنقدي، ولاسيما أن حرية التعبير اتسعت نوعاً ما مما فتح المجال لكل الأراء من جيد ورديء تسبح معاً على ايقاع موسيقا الكلمة الحرة من جانب، وايقاع الفوضى الفكرية من جانب أخر، مما سمح للمناوشات الكلامية والمعارك الجانبية تظهر على مستويات عدة، بين السياسيين والكتاب حيث وصفهم الساسة الكورد بـ”اصحاب الأقلام الرخيصة” كما ورد ذلك في البيان التاريخي لأحزاب الأحدعشري، وكذلك صراعاً محموماً تتصاعد بين السياسيين أنفسهم، وعمليات التصفية لحسابات قديمة بدأت تطفوا على السطح هنا وهناك.

حرب لا هوادة فيها!!! الكل خاسر ما لم يفكروا بروية وينطلقوا من المصلحة العامة بعيداً عن المكاسب الحزبية الضيقة والمنافع الشخصية.
 ثمة صور تعكس طبيعة العلاقة بين المثقف والسياسي، وهي كالتالي:   

فها هو كاتبٌ كوردي، كبيرٌ في مقامه، يحلم بزيارة القادة السياسيين الكورد إلى داره في أيام العيد، دون أن تحصل أية معركة كلامية بينهم، بل كان لقاءً ودياً بامتياز.

أن نجتمع دون صدامات أو مناوشات كلامية تلك هي المفارقة!! لا شك أن لهذا الحلم دلالات ايجابية عديدة، والأكثر أهميةً فيها هو أن المثقف مرتبط وجدانياً بقضيته وبالتالي يرغب باللقاء مع السياسي وبالأخص مع الشخص الأول.

والمفارقة هنا هو أن الحلم لم يتحقق بعد!! مجرد حدوث لقاء ودي في الحلم، أما حدوثه في الواقع لا محال.

لا أحداً يحب أحداً!! هذا هو الزمن الكوردي!! لا غرابة في الأمر!!
الصورة الثانية نجد فيها بعض الكتاب في مواجهتهم للسياسي يمارسون نوع من القمع الثقافي عبر عملية النقد، أحدهم يوجه النقد دون وجه حق فقط للتشهير بالسياسي لأسباب مجهولة، وكاتب أخر رغم أنه ينتج نقدأ تحليلياً للسياسة على ضوء الفكر، لكنه أحياناً يقع تحت تأثير حالة انفعالية مما يؤثر في موضوعية النقد في بعض من جوانبه، لكنه في اليوم التالي، وبعد أن شعر أنه كان قاسياً في نقده، لم يتردد في تقديم الاعتذار كتابياً دون أن ينتابه شعوراً بالنقص، لا بل أن الاعتذار هنا يشير إلى قوة الشخصية في الكاتب، والرجوع عن الخطأ فضيلة كما يُقال.


ما نود أن نقوله هو هذه العلاقة بين السياسي والمثقف تراتبية شائكة، مرد ذلك، باعتقادي، الى تعالي كُل طرف على الآخر مما أوجدَ قطيعة في التواصل بينهما، وما يزيد الشدة والحدة في توتير المسألة هو غياب اللقاء والحوار بينهما، حيث كلٍ يغني على ليلاه.

وثمة عوامل أخرى تلعب دورها في حصول هذه القطيعة، منها قصور في الشخصية، اللامبالاة، والانعزالية لدى بعض القادة السياسيين، وكذلك نزعة التعالي الفج الموجودة لدى بعض القادة الأخرين الذين يحاولون اخضاع الثقافة لتوجهاتهم وبناء مشاريعهم السياسية.

المثقف الكوردي في الجانب الأخر انسان بسيط، لا يبحث عن مناصب ولا يصلح للمناصب، لكنه حساس ويشعر بالتظلم من جانب السياسي الذي غالباً ما يهمله ويتجاهله في حال لم يرضخ الأول لتوجهاته، أو وجّه إليه النقد.

ومعظم الساسة يفضلون مثقف على أخر حسب مدى الولاء الذي يقدم له الأخير.

ومن ناحية ثانية يتأثر بعض المثقفين بدعاية الشارع واشاعات السياسيين لخصومهم السياسيين مع شيء من المبالغة.


لذا أعتقد من الضروري أن يعتذر الكل من الكل في لقاءات يبادر بها السياسي من أجل بناء علاقة جديدة بين المثقف والسياسي اساسها الود والاحترام المتبادل، والبدء بحوار عقلاني بعيداً عن التشنجات والإنفعالات الشخصية للوصول إلى حلولٍ يُرضي الجميع ويضع الكل أمام مسؤولية تاريخية تعمل من أجل خدمة المصلحة العامة، ولا سيما أننا نمر في مرحلة جديدة تتطلب منّا جميعاً التغيير في الذهنية والعقلية وأن نتحلى بالتفكير الايجابي السليم إذا كنا صادقين مع مبادئنا على اسس الأخلاق النبيلة.

لكن المصيبة هنا هو هل من مستجيب؟؟؟؟؟؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…