سفينة «آزادي» تغرق..

عمر كوجري

تعشّم كرد سوريا خيراً من الوحدة الاندماجية التي تمت بين فصيلين كرديين في أواسط أيار العام 2005 حينما تنادت قيادة الحزبين الكرديين ” اليساري الكردي بقيادة خيرالدين مراد، والاتحاد الشعبي بقيادة مصطفى جمعة، دون دراسة وتمحيص عميقين، فجاءت الوحدة مسلوقة متسرّعة.

 فالمواقف إزاء الكثير من المواضيع والرؤى كانت متباينة، وسُرّب وقتها أن كلا الطرفين كانا يعانيان من إشكالات تنظيمية حادة تنبئ بانشقاق متوقع، فقررت قيادة الحزبين الهروب إلى الأمام، وطمس الإشكال التنظيمي عبر القيام بخطوة وحدوية بينهما
وتبين بداية أن الوحدة ليست متجذرة في أذهان وأفكار العديد من رفاق الطرفين، وخاصة طرف الاتحاد الشعبي الذي آثر العديد من رفاقه عدم الانخراط في تلك الوحدة، وتبدّى العصيان بين رفاق أوروبا بالتحديد، وحافظت هذه الجماعة على اسم حزب “الاتحاد الشعبي” إلى اللحظة، وكان لأحد أحزابنا “المناضلة” الدور الأساس والحيوي في طباعة مناشير هذا الحزب، بل بتوزيع هذه المناشير أيضاً على الجماهير الكردية “المسكينة” وهذا الاسم موجود بل ومنخرط في إطار “نضالي” مولود حديثاً جداً..
لم يدم وقت طويل حتى بان المرج بعد أن راحت سكرة وفرحة الوحدة الاندماجية” الإكراهية ” وإن صفيت النوايا”
فقد بدأت الخلافات التنظيمية تعصف بطرفي الحزب، وبدلاً من تعميق حالة الوحدة والاندغام في الاسم الجديد ” آزادي” صار كل طرف يحنُّ إلى رفاقه القدامى، وقبل كل اجتماع عام يجتمع مع رفاقه لاتخاذ القرار الموحد والمعبر عن هذا الطرف لا عن الحزب الجديد.
 في كلُّ يوم يمرُّ،  كانت تزداد الفرقة بين أعضاء الحزب، ويزداد الحزب ابتعاداً عن الأهداف والغايات” النبيلة والعظيمة” التي من أجلها تشكل ، واستطاع في فترة وجيزة أن يحرّك الشارع الشعبي الكردي لمصلحته، والانسياق والإيمان بأهدافه ومشروعه النضالي المشروع والكبير.
وتجلّت العقبة الكأداء أمام رفاق آزادي” مجموعة كبيرة من رفاق الاتحاد الشعبي” مسألة عدم القبول بشخص السكرتير واتهامه بالديكتاتورية وخلافها، وعلى وجه الخصوص حينما آثر السفر إلى الخارج لأسباب مرضية أو عائلية وعدم استطاعته العودة لاستكمال نضاله على أرض الوطن لأسباب عديدة لعل أفصحها إنه مطلوب لأكثر من ثلاثة أفرع أمنية، وبالتالي اعتبر مجيئه بمثابة انتحار شخصي له لأن سيتعرض للتنكيل والتعذيب والاعتقال دون ريب طالما ذهب بطريقة ” غير شرعية ” خارج الوطن.
بشديد الأسف، الخلافات مستمرة للآن بدليل عدم قدرة رفاق الحزب على عقد مؤتمرهم، وكان من المفترض أن يعقد قبل أكثر من سنة ونصف، وقيل بداية أن عدم عقد المؤتمر لأسباب أمنية، لأن ” الجماعة إياها” تجنّد كل إمكانياتها للقبض على الرفاق ” بالجرم المشهود” لكن إلى الآن لم يعقد هذا المؤتمر والظروف بعد الانتفاضة السورية أكثر من مؤاتية، فقد صار كل السكرتارية” الله يكثر منهم  كمان وكمان” يعقدون الاجتماعات، ويلقون المحاضرات، ويلتقون مع الجماهير الشعبية الكردية في القرى والأرياف والمدن الكردية على الكراسي وبالميكروفونات الحديثة.
الحديث سيطول، ولا داعي للدخول في تفاصيل أكثر، ولكن ما شد انتباهي في الفترة الأخيرة جداً، هو صدور تنويهين من فروع ” كردستان أوروبا” حزّا في نفسي كثيراً، وحفزاني لكتابة هذه المساهمة،.
 التنويه الأول صدر بتاريخ الخميس 15  أيلول الجاري يقول إن منظمة آزادي في أوربا غير مشاركة في المجلس الوطني السوري الذي تشكّل مؤخراً في آستانة العثمانيين، وذُيّل التوضيح باسم مكتب الإعلام لمنظمة أوروبا لحزب آزادي الكردي في سوريا، ويتحدث التوضيح عن “الجهود الحثيثة لتشكيل مجلس وطني يمثل الشعب السوري في المرحلة الانتقالية ضرورة وطنية وقومية”
وبتاريخ الأحد 18- أيلول الجاري، فوجئ ” الشعب الكردي في سوريا” بتنويه من فروع أوروبا لحزب آزادي الكردي بخصوص المجلس الوطني السوري، وبيان إلى الرأي العام السوري والكردي، حيث يتبرأ هذا التنويه بأن ” التوضيح” الذي ” صدر باسم منظمة أوربا لحزبنا – حزب آزادي الكوردي في سوريا – بتاريخ 15/9/2011-   المجلس الوطني السوري   الذي تم إعلانه مؤخراً في استانبول .
نحيطكم علماً أن لا علم لنا بهذا التوضيح، وإنما يعبر عن رأي ناشره فقط، ونؤكد بأننا من المشاركين في تأسيس هذا المجلس”
من ناشره بحق السماء؟ لم التنويه أكثر إبهاماً من التوضيح؟
من حقنا ككرد سوريين مغلوبين على أمور دنيانا وآخرتنا قريبين من هذا الحزب أو بعيدين عنه أن نقول: من نصدّق؟؟ التوضيح السابق أو التنويه الحالي؟؟
وأين قيادة والمجلس السياسي بل وسكرتير والقائم بأعمال سكرتير الحزب” في غيابه” من كل هذا؟؟!!
لماذا لم تصدر قيادة الحزب باعتبارها الناطق الرسمي للحزب بتحديد خيارها وموقفها هل شاركت في المجلس السوري أم لا؟؟ ولمن الشرعية” للتوضيح أم للتنويه!!!!
“التوضيح” غير مشارك، و”التنويه” مشارك!! هل هذه حزورة؟؟ لمَ الإسفاف بعقل الشعب الكردي الذي رأى في حزب آزادي طريقة نضالية مختلفة عن السائد الحزبي الكردي والمنمط والمنحاز إلى ركونية مقيتة، ورأت هذه الجماهير أن آزادي ربما يكون رافعة أحلام وطموحات الجماهير ” العريضة” لكن هذه الأحلام-  كما يبدو- تبخرت بسبب كثرة رفاق السوء وتكالب كل الأطراف على هذه التجربة لإجهاضها، ونزع ثقة الكرد بالمطلق بالوحدات التي تحدث بين هذه الأحزاب ” المتفرخة” كل موسم بل كل عدة أشهر أحياناً، والتدخُّلات من بعض الخارج القريب والذي يحرّك البعض” القيادي” بأجهزة الريموت كونترول عن بعد.
المطلوب من قيادة آزادي ومجلسه السياسي نقاط محددة منها:
عقد المؤتمر بالسرعة القصوى، وعدم الذهاب إليه قبل حل المشاكل التنظيمية العالقة وهي كثيرة وغزيرة على ما يبدو، وتأطير برنامج الحزب حسب المستجدات الحالية على الساحة السورية، والتحدث بلغة الشارع الآني، الشارع المصبوغ بأحمر اللون لا لغة التنظير والتحوير  التي قرفَها السوريون عامة والكرد خاصة، وعدم قبول الدلال من أي كان، ورفض مبدأ الرغبة والانسجام “النضال الانسجامي” لأن هذا المبدأ يكرّس الانشقاق غير المعلن، فليس من المنطق السياسي والحزبي في شيء أن تجتمع كل جماعة منسجمة مع رفاقها؟؟
والمطلوب أيضاً عدم الاتفاق على قيادة ومجلس سياسي محدد بالأسماء والاتفاق عليهما  قبل حضور المؤتمر لأن هذا التوجه ينسف ” بمنسف” الديمقراطية، ويقيد طموحات وآمال المجتمعين، ولا يبعد حالة الانشقاق بل ربما يؤخرها قليلاً، وستعود فيما بعد المشاكل ” التنظيمية” دائماً،  وسيكون الأمر كمن يضحك على نفسه قبل أن يضحك على الآخرين.
ويبقى: إن كان لا أمل في استمرار الحزب في حالة الوحدة، والنزوع نحو تأجيل الانشقاق،  لا التوصل إلى حلول ناجعة للمشاكل ” التنظيمية” العالقة، فليعلن كل فصيل عن اسمه” دون خجل” فسوق السياسة الكردية السورية ملأى بهذه البضاعة” الفاسدة”، وأن نعلنها اليوم أفضل من غداً طالما أن الأمر حاصل لا محالة.
مصير حزب آزادي بين أيادي رفاق آزادي، إما أ ن يساهموا معاً في دفع المياه عن السفينة بعدما تشققت جدرانها وأرضيتها، أو يقوموا هم أيضاً بفعل”نضالي”، ويكثروا من  تشققات وتصدعات السفينة.

عندئذ سيخسر الجميع، ويغرق الجميع، والخاسر الأكبر الشعب الكردي الذي سيفقد أي أمل بتقارب وحدوي لأي حزبين أو أحزاب في المستقبل أما الرابح الأكبر فمعروف للبليد قبل النبيه!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…