البيان الختامي للمؤتمر التاسيسي للائتلاف العلماني الديمقراطي السوري

  بعد تحضيرات و حوارات عميقة و تواصلية ، دامت عدة اشهر ، تعلن اليوم  القوى و الشخصيات العلمانية السورية المعارضة عن تأسيس ائتلاف علماني ديمقراطي سوري  يأخذ دوره و يرسم أثره في سياق الحراك الشعبي والسياسي الذي أفرزته الثورة السورية ،دعما مطلقا لها بكل السبل و الأدوات المتاحة .


ناقش الائتلاف الوضع الراهن للثورة السورية التي أبرزت الوجه الحقيقي للشعب السوري و أعادت للشخصية السورية ألقها و ثقتها بنفسها ، وأكدوا التزامه التام بمطالبها ودعمها لتحقيق أهدافها كاملة .

و بالسقف الوطني للثورة الذي اعلنه الثوار و الذي تمثل بمطالبة المجتمعين العربي و الدولي  القيام بواجبهما لحماية المتظاهرين السلميين و المدنيين و الحفاظ على ممتلكاتهم وفقا القوانيين و المواثيق الدولية .
يرى الائتلاف العلماني أن خروجه الى الحياة في هذه اللحظة التاريخية إنما ياتي تتويجا و توحيدا لدعمه الثورة السورية منذ اشتعالها و إحراقها لمحاصيل القمع الكثيفة ، خوفا و صمتا و يأسا ، كما  ينبع  عن شعوره بالمسئولية  تجاه وطنه و أهله ، و من التزامه العميق بالثورة  مستمرة وواثقة من ربحها لرهان الانسان السوري على الحرية  وانحيازه لوجوده الحر المتفاعل مع العالم  لخياراتها في تحقيق الحرية للإنسان السوري إلى جانب المساواة و العدالة ، كما يؤكدون خلافا للنظام المستبد، أن الثورة التي أشعلتها الروح السورية في عتمة الاستبداد الذي غمر وجه الحياة في البلاد، إنما هي ثورة الشعب السوري بكل أطيافه الاثنية و الدينية و السياسية ، و أن السلفية و التعصب و الطائفية ، مجرد أكاذيب اعتمدها النظام وسيلة لتخليص الثورة وجهها الإنساني ، المنفتح على الحياة و المؤمن بقيم التسامح ،و الاعتراف بالآخر والاحتكام إلى الشعب بوصفه مصدرا للشرعية يمنحها لمن يثق و يسقطها عمن يريد .و ليس دعم الائتلاف  للثورة السورية بشكل مطلق ، إلا دلالة عميقة على كذب النظام المستبد في ادعاءاته و تهمه تلك ، و آية لا يدخلها الشك على نصاعة الثورة و تطلعها إلى واقع عادل ، تقع الدولة و مؤسساتها فيه على مسافة واحدة من جميع أبنائها، أيا تكن تحديداتهم للمعنى الديني مختلفة و متباينة ، على أن تكفل الدولة العلمانية المنفتحة التي يتطلع إليها المجتمعون بشكل كامل ، حريات مواطنيها الدينية بوصفها جزءا لا يتجزأ من الحريات العامة .


إن اعتراف الائتلاف العلماني العميق بالآخر و فهمه الجديد للوطن القائم بإرادة إنسانه ، و حرصه على تنمية عوامل الانسجام و الاتساق و التناغم ، بدءا بالتأكيد على العيش المشترك بعدالة و مساواة ، يجعله يؤكد أن الشعب السوري شعب متعدد ، يشكل العرب و الكرد و الآشوريين السريان و بقية المكونات الاثنية فيه، متنه المادي و السوسيولوجي كما يشكلون إرثه الإنساني و التاريخي، لكل منهم تاريخه الأصيل وذاكرته المنقوشة على الأرض و لغته التي أخرج وعيه عبرها للعالم .

على ذلك  لا بديل عن الثقة و البحث عن عوامل التوافق في القرارات المصيرية التي قد يستدعيها مستقبل البلاد و إدارة شئونه الإستراتيجية .من هذا المنظور يؤمن الائتلاف بحق تقرير المصير للشعب الكردي ضمن حدود الوطن الجغرافي و سلطة الدولة الشرعية وتثبيتها دستوريا ، و الاقرار الدستوري بالشعب الاشوري السرياني و اعتباره شعبا اصيلا و ضمان كافة حقوقه القومية و اعتماد اللغة السريانية لغة وطنية رسمية و ذلك أيضا في إطار وحدة الوطن السوري .

الائتلاف بلغة أخرى يعترف بالاخر الاثني و الفكري و السياسي اعترافا عميقا  على الوجه الذي يحدده الاخر لنفسه  .
يشترك الائتلاف  مع جميع قوى المعارضة في القناعة بأن الرد على استبداد وتوحش النظام و قمعه العاري للثورة السلمية إنما يكون بالتمسك بسلمية الثورة و الحفاظ على نقاء مسارها الذي يحفر بثقة و يترسخ بزخم ، و هو المسار الذي سيقود إلى سورية الدولة ، الحديثة ، الديمقراطية ،التي و كما قدمت الأبجدية للعالم في بدايات الحضارة الإنسانية قادرة على تقديم أبجدية جديدة للثورات التي تنتصر في ظروف معقدة ،محلية كانت ام إقليمية أم دولية  ، و قادرة على  قيمة حضارية تساهم في مسار التقدم البشري و رحلة الإنسان في هذا الكون .


إن المجتمع الذي يتعهد الائتلاف العلماني على العمل من أجل تحقيقه في سورية هو ذاك الذي تتعدد فيه الآراء و المبادرات و الفعاليات وفقا لانقسام المجتمع أفقيا لا عموديا ، بالقياس إلى الموقف الفكري والمشروع السياسي المنبثق من مجتمع مدني حديث ،لا استنادا إلى تركيبات المجتمع الأهلية و نتاجاتها المتناقضة أو تعارضاتها المتفجرة، مجتمع لا يعرف أقليات وأكثرية، يحرر الإنسان الفرد من كل وصاية على عقله وذوقه وفنه وابداعه ويطلق طاقاته الخلاقة في خدمة فرديته ومجتمعه تاليا.

هذا هو الرد الحقيقي، الذي يتبناه هذا الائتلاف ، على عقود طويلة من استباحة الانسان.


عرف الائتلاف العلمانية التي يؤمن بها الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري بأنها تلك التي تكرس الحياد في المجال العام و تفصل الروحي عن الزمني و المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة ، بها مع الديمقراطية بما تعنيه من تحقيق لمبدأ المحاسبة و المراقبة و فصل للسلطات الثلاث و احتكام لإرادة الشعب و تكريس لسيادته العليا و صون للحريات العامة ، و مع اعتماد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان مرجعية عليا للعقد الاجتماعي السوري الجديد ، تتشكل الذرى المعيارية للائتلاف ، و تتحدد ثوابته السياسية و القيمية ، التي يعول عليها أن تكون الضامن الصاد لأي تعصب أو تطرف أو شمولية تتخذ من الدين أو الموقف الفكري أو الهدف السياسي لبوسا و غطاء لها .


يدعو الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري جميع القوى و الفعاليات المعارضة و الداعمة للثورة الى المبادرة فورا من أجل حمايتها و افتتاح المسار السياسي الداعم لها ، و يؤكد أن الوقوف في مساحة الاختلاف و المحاصصة و السباق من أجل اقتسام حيزات الهيمنة على المشهد السياسي أمر يعد يمثابة خيانة للثورة ،  نكوصا و هدما لما حققته و لما تراهن عليه ، و على ذلك يطالب الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري بتأسيس منتظم تمثيلي يحظى بشرعية الثورة و الثوار و لا يقصي أحدا و لا يمر من خلال علاقات الكولسة و الابعاد الشخصية و الحزبية الضيقة  
إن الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري إذ يقيم إيجابا بعض الخطوات التركية في مساعدة الثورة ، يشعر بالصدمة للعديد من الممارسات و التصريحات و المواقف الملتبسة للحكومة التركية ، و المتخذة من قبلها بخصوص الثورة ، منها على سبيل الذكر لا الحصر موضوع  التضييق على اللاجئين السوريين و نكوصها عن حماية اللاجئين اليها بحيث ادى الامر الى وقوع قائد الضباط الاحرار السوريين المقدم حسين هرموش قي قبضة السلطة القمعية فاقدة الشرعية .

و يهيب الائتلاف بمنظمات حقوق الانسان و بالمؤسسات  الدولية المعنية بتحمل مسئولياتها إزاء هذا الملف
أخيرا إن الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري إذ يعلن نفسه  تيارا سياسيا و ثقافيا ينتصر للإنسان و حقوقه في سورية ، يؤكد انه  يراهن على الدخول بمقولاته و محدداته في صراع أفكار اجتماعي سلمي منتج للجديد و محقق للتقدم .

لتتحقق سورية الحديثة ، سورية دولة المجتمع المدني دولة المواطنة و العدالة و الحرية .
المجد للثورة و الخلود للشهداء في ذاكرة المجتمع السوري و تاريخ انتصاره ، و التحقق للانسان السوري حرا عزيزا كريما .
الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري

باريس 18 أيلول لعام 2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…