آلان كيكاني
ولكن يبدو أن القول للكرد والفعل للعرب , على الأقل في العصر الحديث .
قديما كان دور الزعيم كبيراً باعتباره أيقونة الأمة ورمز وحدتها , وحاميا لعقيدة شعبه , وكانت تدور حوله الروايات وتحيط به القصص والحكايات ترقى أحياناً إلى درجة الاسطورة , فهو البطل الذي لا ينال منه عدو , وهو الشجاع الذي ترهبه صناديد الرجال وعفاريت الإنس والجن , وهو الورع التقي الذي يصل إلى مرتبة النبوة .
بدأ دور الزعيم الاسطوري بالتلاشي بانتهاء الحرب العالمية الثانية بغياب هتلر وموسيليني وستالين وتضاءل تدريجيا حتى خبا في الدول الغربية التي تحكمها الآن ديمقراطيات حقة , أما في الشرق العربي فما يزال دور الزعيم يشبه الدور الذي كان عليه في القرون السابقة , إنه الضرورة الملحة للشعب والدولة ولولاه تتشتت الأمة ويطفأ نورها .
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر جمال عبدالناصر وفرض نفسه زعيماً روحياً للعرب ونادى بوحدة الشعوب الناطقة بالعربية وجمعهم تحت لواء واحد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي , وقد وجد فيه العرب ضالتهم وصفقوا له ورسموا الآمال حوله على أنه المخلص والمنقذ , وبأفول نجمه بعد هزيمته في حرب النكبة ووفاته يبزغ نجم الزعيمين صدام حسين وحافظ الأسد ويصفق لهما العرب حيناً دون جدوى .
ومن ثم يسطع نجم حسن نصرالله بعد قتله بضعة جنود إسرائيليين في جنوب لبنان وإدخاله لبنان في دوامة حرب لا طائل منها , واكتسب الرجل الزعامة وخطف الأضواء ووجد فيه معظم العرب زعيماً للمرحلة قادراً على دحر العدو وصناعة الأمجاد , ولكن سرعان ما أفل نجمه هو الآخر عندما كشف العرب حقيقة عمالته لإيران .
يبدو أن الشعوب العربية مصرة على إيجاد ذلك الزعيم المختبيء في ثنايا الدهر , وحديثاً جداً وجدوا مبتغاهم خارج ملتهم في الطيب أردوغان الذي استطاع أسر قلوب العرب ببسيط من الغزل , وذلك بتوعده لإسرائيل ووعوده الوردية للشعب السوري وإيوائه لبعض الهاربين من جحيم الآلة العسكرية السورية ووضعه خطوطاً حمراء للنظام السوري حول حماة , فاستقبل أول أمس في مطار القاهرة من قبل آلاف المصريين استقبال الأبطال وسط هتافات أقلها ” موتي غيظاً يا إسرائيل ….
أردوغان في أرض النيل ” , وحل ضيفاً على الجامعة العربية وألقى خطاباً حماسياً رناناً وسلم على الحضور بالعربية وأثنى على البوعزيزي مطلق شرارة الثورات العربية ووصفه بأنه (ذّكر العالم بقيمة الشرق الإنساني) وأسهب في الكلام عن القضية الفلسطينية وقد أثلج بذلك قلوب عشرات الملايين من العرب الباحثين عن ظل زعيم يستظلون به .
وقد تناسى اردوغان عشرات الآلاف من أمثال البوعزيزي في شرق بلاده الذين سبقوا البوعزيزي بعشرات السنين في ابتغاء الشرف الإنساني , ونسي الرجل مظلوم دوغان الذي أشعل في جسده نار الشرف قبل البوعزيزي بثلاثة عقود في سجن دياربكر .
وغير ذي بعيد نسي , هو والمصريون معه , أنه سلم قبل أيام أشرف الضباط السوريين الملتجئين إلى بلاده إلى سلطة البعث بخسة ودناءة بعيداً عن أبسط مبادئ الإنسانية ليلقى الضابط مصيراً لا يعرفه إلا الله .
رحلة البحث عن زعيم لا تنتهي عند العربي وكلما يخيب ظنه بزعيم يتمسك بآخر وإذا لم يجد الآخر يستحضر المهدي من عالم الغيب وينتظر عودته بفارغ الصبر زعيماً منقذاً للعرب والمسلمين .
لا حاجة لمؤمن , إذن , إلى نبي , وقد تبين الرشد من الغي , ولكن باستثناء العرب .