العرب ورحلة البحث عن زعيم

د.

آلان كيكاني

يقول الكرد في مثلهم الشعبي :  Yê mezinê wî tune bê , bila mezinekî xwe bikirê أي : ( من ليس له زعيم , ليشتري له واحداً ) كناية عن ضرورة وجود زعيم لكل قوم .

ولكن يبدو أن القول للكرد والفعل للعرب , على الأقل في العصر الحديث .

قديما كان دور الزعيم كبيراً باعتباره أيقونة الأمة ورمز وحدتها , وحاميا لعقيدة شعبه , وكانت تدور حوله الروايات وتحيط به  القصص والحكايات ترقى أحياناً إلى درجة الاسطورة , فهو البطل الذي لا ينال منه عدو , وهو الشجاع  الذي ترهبه صناديد الرجال وعفاريت الإنس والجن , وهو الورع التقي الذي يصل إلى مرتبة النبوة .
 وتقوم الدعاية بدورها لصبغ الزعيم  بصبغة روحية وتمهد له الطريق للفتوحات والحروب المقدسة كما حدث في الأناضول قبيل تأسيس الدولة العثمانية عندما زعم مؤسسها عثمان الأول في شبابه أنه شاهد في منامه قمراً يشرق من صدر أبي عشيقته الذي يرفض تزويجه من ابنته ويغرب في صدره هو , ومن ثم تنبثق شجرة عظيمة من صدره حيث غاب القمر وتنمو بسرعة هائلة  , أفنانها تظلُّ الأكوان , ومن جذعها ينبع الفرات ودجلة والنيل والدانوب , وأوراقها سيوف تتجه نحو القسطنطينية , وعندما يسمع أبو محبوته بهذا الحلم يوافق على طلب عثمان ويزوجه ابنته .

بدأ دور الزعيم الاسطوري بالتلاشي بانتهاء الحرب العالمية الثانية بغياب هتلر وموسيليني وستالين وتضاءل تدريجيا حتى خبا في الدول الغربية التي تحكمها الآن ديمقراطيات حقة ,  أما في الشرق العربي فما يزال دور الزعيم يشبه الدور الذي كان عليه في القرون السابقة , إنه الضرورة الملحة للشعب والدولة ولولاه تتشتت الأمة ويطفأ نورها .

وبانتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر جمال عبدالناصر وفرض نفسه زعيماً روحياً للعرب ونادى بوحدة الشعوب الناطقة بالعربية وجمعهم تحت لواء واحد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي , وقد وجد فيه العرب ضالتهم وصفقوا له ورسموا الآمال حوله على أنه المخلص والمنقذ , وبأفول نجمه بعد هزيمته في حرب النكبة ووفاته يبزغ نجم الزعيمين صدام حسين وحافظ الأسد ويصفق لهما العرب حيناً دون جدوى .

ومن ثم يسطع نجم حسن نصرالله بعد قتله بضعة جنود إسرائيليين في جنوب لبنان وإدخاله لبنان في دوامة حرب لا طائل منها , واكتسب الرجل الزعامة وخطف الأضواء ووجد فيه معظم العرب زعيماً للمرحلة قادراً على دحر العدو وصناعة الأمجاد , ولكن سرعان ما أفل نجمه هو الآخر عندما كشف العرب حقيقة عمالته لإيران .
يبدو أن الشعوب العربية مصرة على إيجاد ذلك الزعيم المختبيء في ثنايا الدهر , وحديثاً جداً وجدوا مبتغاهم خارج ملتهم في الطيب أردوغان الذي استطاع أسر قلوب العرب ببسيط من الغزل , وذلك بتوعده لإسرائيل ووعوده الوردية للشعب السوري وإيوائه لبعض الهاربين من جحيم الآلة العسكرية السورية ووضعه خطوطاً حمراء للنظام السوري حول حماة , فاستقبل أول أمس في مطار القاهرة من قبل آلاف المصريين استقبال الأبطال وسط هتافات أقلها  ” موتي غيظاً يا إسرائيل ….

أردوغان في أرض النيل ”  , وحل ضيفاً على الجامعة العربية وألقى خطاباً حماسياً رناناً  وسلم على الحضور بالعربية وأثنى على البوعزيزي مطلق شرارة الثورات العربية ووصفه بأنه (ذّكر العالم بقيمة الشرق الإنساني) وأسهب في الكلام عن القضية الفلسطينية وقد أثلج بذلك قلوب عشرات الملايين من العرب الباحثين عن ظل زعيم يستظلون به .

وقد تناسى اردوغان عشرات الآلاف من أمثال البوعزيزي في شرق بلاده الذين سبقوا البوعزيزي بعشرات السنين في ابتغاء الشرف الإنساني , ونسي الرجل مظلوم دوغان الذي أشعل في جسده نار الشرف قبل البوعزيزي بثلاثة عقود في سجن دياربكر .

وغير ذي بعيد نسي , هو والمصريون معه , أنه سلم قبل أيام أشرف الضباط السوريين الملتجئين إلى بلاده إلى سلطة البعث بخسة ودناءة بعيداً عن أبسط مبادئ الإنسانية ليلقى الضابط مصيراً لا يعرفه إلا الله .
رحلة البحث عن زعيم لا تنتهي عند العربي وكلما يخيب ظنه بزعيم يتمسك بآخر وإذا لم يجد الآخر يستحضر المهدي من عالم الغيب وينتظر عودته بفارغ الصبر زعيماً منقذاً للعرب والمسلمين .

في زمن العولمة قل دور الزعيم والقائد كثيراً , ولم تعد الشعوب بحاجة إلى فطحل يأخذ بيدها إلى جادة الصواب لأن توفر المعلومة لدى من يريدها حوَّل كل فرد في المجتمع إلى فطحل يعرف ما له وما عليه دون معونة من الزعيم العبقري .

لا حاجة لمؤمن , إذن , إلى نبي , وقد تبين الرشد من الغي , ولكن باستثناء العرب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…