قولٌ في العنصرية التركية

برزو محمود 

بعد أن فشلت معاهدة سيفر الدولية الموقعة في 1920 في تحقيق الاستقلال الكوردي في كوردستان الدولة العثمانية (وهي الأراضي التي تضم جميع المناطق ذات الأغلبية الكوردية في شمال العراق وشمال شرق سوريا وشرق وجنوب الاناضول من تركيا)، ظهرت اتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت كوردستان بين أربعة دول ايران والعراق وتركيا وسوريا.

حقيقةً أن تقسيم الكورد سهّل من عمليات الصهر القومي على يد الاتجاه الشوفيني للقوميات الثلاث الفارسية والتركية والعربية، حيث حاول الجميع وبكافة السبل على إخماد شعلة الثورات القومية الكوردية التي قدمت الكثير من التضحيات في سبيل نيل استقلالها وحريتها.

وعندما نتصفح التاريخ نجد أن الحكومات التي تتقاسم كوردستان استخدمت وسائل وأدوات عديدة تحول دون نمو الوعي القومي لدى الشعب الكوردي لكي يخضعوا لعملية الصهر القومي، حيث التتريك في تركيا، والتفريس في ايران، والتعريب في العراق وسوريا.

من خلال قراءتي للتاريخ نجد أن سياسة تتريك الكورد من قبل الحكومات التركية وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية كانت أكثر قسوة وأكثر عنصرية من السياسات العنصرية التي مارستها القومية الفارسية والقومية العربية.

وسجل التاريخ مليء بالأمثلة التي تبين مدى وحِشية الأتراك كما لو أن العنصرية نزعة متأصلة فيهم.

ففي نيسان 1925 غداة افشال انتفاضة الشيخ سعيد بيران ثم اعتقاله، اصدر عصمت اينونو رئيس الوزراء التركي البيان التالي: ((نحن قوميون بصراحة والقومية عنصر تماسكنا والعناصر الاخرى لاتأثير لها امام الاغلبية التركية.

ويجب تتريك سكان هذا البلد بأي ثمن كان.

وسوف نبيد كل من يعارض الاتراك او التتريك
…)).

هذا القول يشير بوضوح على جذور الفكر العنصري لدى الاتراك الذين لم يحملوا رسالة ذات اهداف انسانية وخير للبشرية لذلك يستعملون كلمات تحمل مدلولات معينة مثل: (يجب تتريك سكان هذا البلد بأي ثمن كان أي مهما كانت التكلفة) … .

ثم يقول: (سوف نبيد) وبعد سلسلة من المعارك اخمدت الثورة وسيقوا لمحكمة واعلن رئيس المحكمة: اعدام 53 زعيما من زعماء الثوار.

واثناء المحاكمة في 28 حزيران 1925 قال: ((لقد اتخذ بعضكم إساءة استعمال السلطة الحكومية والدفاع عن الخلافة، ذريعة للثورة، ولكنكم كنتم متفقين جميعا على إقامة كوردستان مستقلة)).

وفي 7 مايس 1925 كتبت جريدة وقت التركية: ((ليس هناك مسألة كوردية حين تظهر الحراب التركية.

كان الطاشناق يرون في الدولة الكوردية نقطة انطلاق لبناء دولتهم ارمينيا الكبرى المستقلة.))[1]
أمّا في عام 1930 اثناء قمع الحكومة التركية لثورة الكورد في جبل ارارات (آكري) اطلق وزير الداخلية التركي محمود اسد بوزكورت تصريحاً يقول فيه: ((الامة التركية وحدها تملك حق امتياز المطالبة بالحقوق القومية في هذا البلد.

ولا سبيل لمطالبة الجماعات العرقية الاخرى بالاعتراف لها بمثل هذا الحق.

لاحاجة إلى إخفاء الحقيقة.
الاتراك هم المالكون الوحيدون لهذا البلد وذوو المكانة الوحيدون فيه.

والذين لا ينحدرون من اصل تركي يملكون حقاً واحداً هو أن يخدموا ويكونوا عبيداً للامة التركية النبيلة دون إعتراض.)) تصور ما يحمله الفكر التركي من بربرية وعداوة للأخر أي القوميات الأخرى، وخاصةً إذا كان الأخير أقل منهم عدداً وعتاداً، فأية قيمة انسانية أو مغذى حضاري نستنتجها من الفكر التركي سوى الحقد والبغض لكل من لا ينتمون إلى الأصل التركي الذي لم ينجب سوى مجموعة من الطغاة ومصاصي الدماء وأكلي لحوم البشر مثل هولاكو والمغول وغيرهم.

ألم يتأمل السيد أردوغان بمسيرة تاريخه اللانساني في الماضي والحاضر الذي لا يتورع لحظة واحدة من قتل الأكراد الشعب الأعزل لسبب واحد هو أنهم يطالبون بمساواتهم مع الأتراك يطالبون العيش بحرية وكرامة وأمان، فهل الحرية والمساواة وقبول الأخر جريمة بينما تراه الأن يخطب في القمة العربية يناشد الأخرين في التوقف عن ممارسة قتل من يطالب بحقوق مشروعة، وكأن شرعية المطالب أو لاشرعيتها أمر يتطلب مقاسات معينة يحددها الرؤوساء من أمثاله.

الأجدر به أن يستجيب لمطالب الكرد في دولته هو، بدلاً من إستعمال طائراته الحربية في قذف القنابل على القرى الكردية الحدودية ونشر الرعب بين سكانها العزل من الفلاحين ورعاة الأغنام والبقر، من ثم يأتي ليتحدث في قضايا الأخرين.

الأفضل له أن يزيل عوراته أولاً، من ثم يبدأ في فضح عورات الأخرين، لكي يحمل قدراً من المصداقية، أم أن النفاق أوارتداء القناع هو سمة ملازمة للقادة السياسيين!!!           
وعندما طالب الكورد بحق التكلم والقراءة والكتابة بلغتهم القومية (لغة الأم)، كتبت جريدة اتوكن التركية: ((أن الكورد يريدون التكلم بلغتهم التي لاتتجاوز مفرداتها 4 الى 5 ألف مفردة, عليهم الخروج من البلاد والتكلم بها في مكان اخر فنحن في البلاد قدمنا انهارا من الدماء حتى تمكنا من اجتثاث الجورجين واليونانين والارمن, ليذهبوا الى اي مكان يشاؤون الى ايران الى باكستان الهند او ان يتصلوا بالبارزاني او ان يطلبوا من الامم المتحدة أن تؤسس لهم دولة في افريقيا فأننا لوغضبنا فنحن كالأسد في عرينه، وعليهم ان يسألوا الارمن عنّا))[2].

ما يثير الدهشة والغرابة أن الترك وصل بهم الصلافة إلى حد أنهم يشعرون بالمباهاة والفخر جراء ما ارتكبوه من مذابح وجرائم ضد الشعب الأرمني والشعوب الأخرى!!! هذه هي ثقافة الأتراك: البطش والقتل والذبح بالأخر.

وفي الختام ما نريد أن نقوله هو أن جميع الشعوب والأمم على وجه البسيطة تملك شيئاً أو قدراً من النزعة العنصرية، لكننا عندما نقرأ التاريخ نجد أن العنصرية التركية لا حدود لها، وربما أن نسبتها لديهم تفوق ما تملكه جميع الأمم الأخرى.

وفي ختام الختام متى يفهم القادة الكورد طبيعة أعدائهم وما يخطط لهم من مؤامرات لمحو هويتهم وازالتهم عن الوجود ليغدو ذلك دافعاً وحافزاً في تحقيق اتحاد الكورد لمواجهة التحديات العنصرية في هذا العصر.

[1] حكايات كوردية عدد 7
[2] روافد 2009 : النضال الحزبي ماجد خليل : ترجمة محسن بني ويس

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…