الكورد في سوريا بين لاهوت الشعور القومي و تكية الانتماء الوطني

حسن اسماعيل اسماعيل

بدون أي مراوغة أمام القارئ العربي قبل الكوردي النقطة الأكثر جدلية في تحولات الحالة الكوردية ضمن مقارنات المرحلة الراهنة في خضم الثورة السورية التي ارهقتها سيول الدماء البريئة من جهة و مهاترات المجموعة الدولية لإيجاد حل من جهة أخرى تكمن في تأطير الحالة الكوردية في سوريا من خلال المشاريع السياسية القومية عبر متاهات التقوقع الذاتي و وفق منهجية الخصومة مع الطرف الأخر (الشريك العربي) باعتبارات الخصوصية الواهية .
الكورد في سوريا و رغم تجذر نشاطهم السياسي لأكثر من خمس عقود من الزمن ومن خلال تنظيمات تزايدت عدداً عبر ايديولوجيات التناسل اللافكري ومن خلال سيطرة المفهوم القبلي للتنظيم في تقديس المناصب الخلبية و تطور علاقة هذه التنظيمات بين مد و جذر في العلاقة مع الأحزاب الكوردستانية في العراق و دخول قنديل إلى الحلبة الكوردية في سوريا من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي (p-y-d)  لم يتمكنوا من الولوج إلى أي مشروع وطني سوري باعتبارهم قوة رئيسية و فاعلة و على الرغم من مشاركتهم الواضحة في اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي إلا أنهم دخلوا الباب ببصمة الانتماء القومي و ليس ببديهية الانتماء الوطني ومن خلال مشروع يضمن الحق القومي
بالتأكيد هي اسقاطات المراحل السابقة و تنامي حالة الغبن التاريخي التي أرهقت التفكير السياسي لدى شخصيات الحركة الكوردية  الموسومة  بالنخبة السياسية فضلاً عن تنامي الهوة بينهم  و بين النخب السياسية العربية  يضاف إلى ذلك مجموعة من الظروف الموضوعية  والتي تكمن في عدم التزام الشريك العربي بمفهوم النظرة الوطنية و غلبة الشعور القومي العربي عليه  كل ذلك انعكس و بصورة جلية في عدم تفاعل المشروع القومي الكوردي ضمن  المشروع الوطني السوري الشامل و أدى إلى تصومع الحركة الكوردية في متاهات الاستحقاق القومي من خلال مشروع الفيدرالية للمناطق الكور دية و الذي تبنته الهيئة الكوردية العليا باعتبارها المؤسسة الكوردية الأكثر تمثيلاً للحالة الشعبية.
الإشكالية الحقيقية لا تكمن في واقعية الطرح الكوردي و أمكانية التوافق عليه و تحقيقه على أرض الواقع إنما تكمن في أسلوب الطرح وعدم تعريف الشارع السوري به و كأنه مشروع محوري داخلي يتم بناء  أفكاره و وضع قواعده بمعزل عن الحالة السورية عامةً
الفيدرالية باعتبارها مشروعاً وطنياً و بكل مصداقية تعتبر العلاج الحقيقي لحالات عدم التوافق القومي و الجغرافي في العالم الحديث و تمكنت معظم الدول المعاصرة من خلال اعتماد النظام الفيدرالي من تحقيق أعلى نسبة توافق و سلام و لعل تجرية الولايات المتحدة الامريكية و سويسرا البرهان الحقيقي على مدى قدرة النظام الفيدرالي على ضمان سلامة و وحدة أراضي هذه الدول فضلاً عما حققته من ضمان للحقوق
الحراك السياسي الكوردي في سوريا و بعد اعتماد الفيدرالية كحالة وطنية تضمن حقوقهم القومية لم يتمكنوا من تقديم أي مشروع واضح المعالم للفيدرالية المطلوبة  و لم يحددوا معالمها في سورية المستقبل باعتبارها مبادرة وطنية سورية تفسر للشركاء في الوطن مدى حرصهم على سيادة الوطن (سورية) و وحدتها أرضاً و شعباً
المشروع الكوردي أختصر بكلمة واحدة هي الفيدرالية بدون أي ملامح و ضمن أروقة الهيئة الكوردية العليا و المجلس الوطني الكوردي وفي اجتماعات هولير وتحول هذا المشروع مع مرور الزمن إلى فزاعة سديمية استغلها الكثيرون من النخب العربية ذات التوجه القومي المتطرف لتشويه الواقع السياسي الكوردي
اليوم و أكثر من أي وقت ٍ مضى الكورد السوريون محتاجون للتفاعل مع الواقع السوري و تنمية انتمائهم الوطني عبر رؤية واضحة المعالم لمشروعهم  القومي باعتباره دعامة اساسية للمشروع الوطني الكبير في إقامة سورية جديدة ديمقراطية حرة يسودها السلام و العيش المشترك

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…