عبد الجابر حبيب
مقدمة
لا تزال سوريا تواجه واقعاً مريراً مليئاً بالتحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. في هذا السياق، يظهر جلياً أن الحكومة السورية الحالية تستمر في إقصاء العديد من المكونات الاجتماعية والثقافية في البلاد، محاولات ترقيع لا تلبث أن تُظهر أخطاءً أكبر. وبينما يترقب السوريون حلولاً حقيقية تسهم في بناء سوريا المستقبل، نجد أنفسنا أمام واقعٍ محبط، حيث تهيمن التكتلات السياسية ذات الطيف الواحد على الحياة السياسية، ويستمر تهميش الكرد وبعض الأقليات الأخرى. فما هو السياق الراهن للوضع السوري؟ وما هي التداعيات المحلية والإقليمية والدولية لهذه السياسات؟
الحكومة السورية والتمثيل الكردي
أحد أبرز النقاط التي تظهر في هذا المشهد هو استمرار الحكومة السورية في تجاهل المكون الكردي، حيث يُلاحظ أنه على الرغم من مشاركة بعض الشخصيات الكردية في الحكومة الحالية، إلا أن تمثيلهم في المناصب الرئيسية لا يعكس حقيقة وضعهم في المجتمع السوري. لم يكن غريباً أن يتفاجأ الكثيرون بإقصاء الكرد مرةً أخرى من المؤتمر الوطني، ومن لجنة صياغة الدستور، فضلاً عن تهميشهم في إعلان الحكومة الانتقالية، لتتكرر هذه المشاهد للمرة الثالثة في ظل حكومة جديدة تحت مسمى “حكومة الكفاءات”. من هذا المنطلق، تبرز أسئلة عدة: هل يتم ذلك تحت ضغط تركي؟ أم أن الواقع يعكس حقيقة أن الحكومة السورية ما زالت تهمش غالبية المكونات وتستمر في نهج تقليدي فشل في حل الأزمات؟
الطيف الواحد في تشكيل الحكومة
تساؤل آخر يطرحه الكثيرون: كيف يمكن لحكومة تشكلت من نفس الطيف السياسي أن تعكس تغيراً حقيقياً في المواقف؟ إذ تهيمن على الحكومة الجديدة عناصر من تيارات سياسية واحدة، مع تمثيل ضعيف جداً للنساء والشخصيات غير التابعة لهذا الطيف. والأمر الذي يزيد من الاستغراب هو غياب تمثيل المسيحيين، رغم أن سوريا تعدُّ دولة متعددة الديانات والطوائف والأعراق. في هذا السياق، يتساءل المواطن السوري: هل يمكن لهذه الحكومة أن تكون فعلاً حكومة وحدة وطنية تتسم بالكفاءة وتعبر عن كافة أطياف الشعب السوري؟
الخيبة الكردية: حكومة “الكفاءات” أم عملية إقصاء ممنهجة؟
إذا كانت الحكومة السورية تعتبر نفسها “حكومة الكفاءات”، فإن الواقع يطرح تساؤلات حادة حول تمثيل الكرد في المناصب القيادية. هل يمثل الوزيران الكرديان في الحكومة الحالية الشارع الكردي فعلاً؟ هل يعكس اختيارهما واقع الثقافة الكردية وحاجات المجتمع الكردي في سوريا؟ أم أن تعيينهم جاء ضمن إطار التسوية السياسية، دون الاهتمام بتمثيل حقيقي أو تمكين الفئات الكردية التي تعيش منذ سنوات في ظل الأزمة؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون، سواء على مستوى سوريا أو في الأوساط الكردية، التي ترى نفسها محط إقصاء مستمر.
الموقف الدولي: من ضغوطات تركيا إلى المواقف الغربية
لا يمكن إغفال تأثير القوى الإقليمية والدولية على مجريات الوضع السوري. فالتدخلات التركية في الشمال السوري، والصراع الإقليمي بين القوى الكبرى حول مصالحها، يجعل من التفاوض مع الحكومة السورية مهمة شاقة. هل يتأثر الوضع السوري فعلاً بالضغط التركي ، أم أن المسألة أبعد من ذلك، إذ أن الجميع بات متورطاً في “خارطة طريق” مرسومة مسبقاً؟ إن المواقف الغربية، وخاصة الأوروبية والأمريكية، تظل محورية في تحديد مستقبل سوريا، حيث يُنظر إلى تحركات الحكومة السورية الحالية بحذر، نظراً لعدم جدية في تحقيق الإصلاحات التي يُطالب بها المجتمع الدولي.
الخيار الكردي: المفاوضات بين دمشق وأحزاب كردية؟
ما هو الرد الكردي على هذا الوضع؟ مع تزايد الإحباط من تمثيلهم في الحكومة، يظل الخيار الكردي مطروحاً: هل سيذهبون إلى دمشق للتفاوض في إطار حكومة جديدة، كما لو أن شيئاً لم يتغير؟ أم أن الوضع سيبقى عالقاً بين القوى المحلية والإقليمية، في حين ستظل سوريا محكومة بالصراعات القديمة؟ وبينما تنشغل القوى السياسية الكردية في تحديد خططها المستقبلية، يبقى الأمل ضئيلاً في تحقيق تقدم حقيقي، خصوصاً مع ضعف التمثيل في الحكومة الجديدة التي قد تظل رهينة للأجندات الإقليمية.
الخلافات تحت السطح: هل هناك أفق لحل حقيقي؟
إذن، أين تتجه سوريا في ظل هذه الصراعات السياسية والاختلالات الحكومية؟ لا يزال الوضع السوري محاطاً بالكثير من الغموض والتعقيدات. ومع استمرار الخلافات تحت السطح، يبقى الشعب السوري في وضعٍ يرثى له، ينتظر تغييراً حقيقياً يستجيب لتطلعاته وآماله. أما الحكومة، فلا تزال تدير الأمور من خلال “خيار الحاكم الواحد”، وتستمر في محاولة تفادي معالجة القضايا العميقة التي تقف وراء هذا التهميش.
ختاماً
في النهاية، يبدو أن الواقع السوري يظل محاطاً بكثير من الأسئلة بلا إجابات واضحة. بينما تسعى الحكومة السورية لتشكيل حكومة “كفاءات”، يظل السؤال الأهم: هل يمكن لهذا التشكيل أن يعكس فعلاً إرادة الشعب السوري بكل مكوناته؟ أم أنه مجرد عملية ترقيع للأخطاء، مدفوعة بالضغوط الإقليمية والدولية؟ في ظل هذه المتغيرات، يبقى الوضع السوري في حالة من الجمود، في انتظار تغييرٍ يلوح في الأفق، ولكنه بعيد المنال.