بدء العد العكسي لإطلاق تركيا قناة ناطقة بالعربية

  إسطنبول – هوشنك أوسي

لا يكفي تركيا كل هذا الحضور والتغلغل العميق والفاعل والمؤثر في السياسة والاقتصاد والإعلام والمأكل والملبس العربية.

بل تسعى الى تدعيم هذا الحضور وتعزيزه بوسائل أكثر تأثيراً في الوعي والمزاج العربيين.

ولعل الجمهور العربي الآن، في ترقُب لإطلاق الحكومة التركية، قناة جديدة، ضمن قنوات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية «تي آر تي»، ناطقة بالضَاد!.
هذه القناة، التي من المتوقع إطلاقها مطلع العام المقبل، لن تبث برامجها على القمر التركي «تركسات»، بل على القمرين العربيين «عربسات» و «نايلسات»، وعلى مدار الساعة.

ومن المتوقع أن يفتتحها زعيم «حزب العدالة والتنمية» رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان.
يدير هذه القناة، الكاتب والصحافي التركي سفر توران الذي قضى أكثر من 10 أعوام متجولاً في البلاد العربية.

إذ عمل في قناة «7» الإسلامية، التي كانت تابعة لـ «حزب الرفاه الإسلامي» المنحل، وهــي الآن، ضمن الإمبراطورية الإعلامية، التــابعة، في شكل غير مباشر، للداعية الإسلامي التركي، المقيم في أميركا، وأبرز داعمي «حزب العدالة والتنمية»، فتح الله غولان.

وينفي توران أن يكون إطلاق القناة التركية، نتيجة لتنامي العلاقات العربية – التركية، معتبراً أن الهدف الأساسي من إنشاء المحطة هو توثيق هذه العلاقات.


وما هو مفروغ منه، إن هذه القناة، ليست لإحياء لغة الشعب العربي وتراثه وعاداته وتقاليده في تركيا التي يعيش فيها أكثر من مليون عربي.

هؤلاء، غير المعترف بهم وبحقوقهم دستورياً، انصهروا في بوتقة القومية والثقافة التركيتين، وبالكاد، يتذكرون أنهم عرب.

حتى أن الجيل الجديد منهم، لا يفهم العربية.

قد يعود إطلاق هذه القناة بمردود إيجابي على عرب تركيا، لكن جمـهورهـا سيـكون العـرب خارج هذا البلد.


وعلى رغم أن هناك كتاباً ومثقفين أتراكاً، أهم من سفر توران، من حيث الخبرة الإعلامية والحضور الثقافي، ويجيدون العربية، في شكل جيد، كجنكيز تشاندار وفايق بولوت، بالإضافة إلى إعلاميين وأكادميين ومثقفين عرب، يحملون الجنسية التركية، إلا أن الحكومة التركية تجاهلتهم، وسلمت دفة القناة، لإعلامي يدور في فلكها، وتابع لها، حرصاً منها على أن يولي الأهمية القصوى لسياسات الحزب الحاكم، والتسويق لها في العالم العربي، عبر القناة!.
وكانت الحكومة التركية أطلقت مطلع العام، قناة تركية ناطقة بالكردية سمتها «تي آر تي 6».

وقد يكون اسم القناة العربية «تي آر تي 7 أو 8 أو 9…الخ».

في كلتا الحالتين، لم يكن إطلاق القناتين، مسبوقاً باعتراف دستوري بأكراد تركيا أو عربها، يحصن هذه القناة! واللافت أن الحكومة التركية صرفت أموالاً طائلة على «تي آر تي 6» كي تجذب قطاعات واسعة من المثقفين الأكراد، ليسوقوا للحزب الحاكم، ففشلت.
أما في حال القناة الناطقة بالعربية، فسيكون هناك تهافت محموم من قبل الإعلاميين والمثقفين العرب للعمل فيها.

وبحسب المعلومات التي تناقلها الإعلام عن الخطط البرامجية لهذه القناة، فإنها تشير الى أن القناة تعتزم ربط القاهرة ودمشق وبيروت وعواصم عربية أخرى بإسطنبول، عبر شبكة من المراسلين، وشركات إنتاج البرامج، ما يتطلب موازنة ضخمة، هي أضعاف ما خصصته الحكومة لـ «تي آر تي 6» الناطقة بالكردية.


وهذه الأخيرة، كما لمح المدير العام لـ «تي آر تي»، في تصريح له لموقع «صون هابر – آخر خبر» الإلكتروني، «من المحتمل إيقافها»، إذا تطلب الأمر.

وبإمكان الحكومة أن تفعل ذلك، لأنه ليس هناك ضمانات تحمي الثقافات واللغات الكردية والعربية والأرمنية والسريانية في التلفزة الرسمية التركية.
أياً يكن الأمر، فإن إطلاق هذه القناة، بادرة مهمة، ستضع الإعلام العربي المرئي على المحك.

وعلى كل من قنوات «الحرة»، «بي بي سي – العربية»، «العالم»، «روسيا اليوم»، أن تتأهب لولادة زميلة منافسة وقوية، تحظى بجمهور هائل، حتى قبل أن تجد النور.


كما ينبغي على القنوات السالفة الذكر، مراجعة أدائها وسياساتها وخططها البرامجية، بما ينسجم مع وجود خصم مهم، تحظى بلاده بالتهليل والتطبيل في العالم العربي.

ولن تكون تركيا بحاجة، بعد إطلاق قناتها الفضائية، إلى حشد البرامج التلفزيونية في القنوات العربية.

ومن المفترض بالقنوات العربية، وبخاصة منها الإخبارية، أن تتجه إلى التسويق للعالم العربي في تركيا، بالمقدار الذي تسعى تركيا للتسويق لنفسها في العالم العربي.


والسؤال هنا: كم من الطاقة والكفاءة والمهنية، باتت تمتلكها القنوات العربية، بعد أن صرفتها في تعبيد طريق القناة التركية، الناطقة بالعربية، المرتقبة، ليس الى الفضاء العربي فحسب، بل الى قلوب المشاهدين العرب وعقولهم؟
دار الحياة
الثلاثاء, 22 ديسيمبر 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…