بدأتُ العمل الصحفي بشكلٍ رسميٍّ في بداية عام 2002م، حيثُ كُنتُ أنقُل الأخبار والتقارير للمواقع الإلكترونية الكُردية «قامشلو.كوم، KNN،…» وغيرهُما العديد من المواقع ومن دون مُقابلٍ، فكان هدفي هو نقل ما يجري من أحداثٍ في مناطق كُردستان (سوريا) إلى الخارج؛ لأجل كسب التضامن ومُساندة الشعب الكُردي، وتخفيف الإجراءات التعسفُية والمظالم بحقِّهِ.
كُنتُ أتوجّه بشكلٍ شبه يوميٍّ إلى مدينة قامشلو، باعتبارها مركز النشاطات السياسية والثقافية؛ من أجل تغطية ما يجري، وإجراء المقابلات مع النُشطاء والمُثقفين والأُدباء والسياسيّين.
نظمّتْ فرقة ميديا للفولكلور الكُرديّ يوم الاثنين 8 آذار 2004م، بمناسبة يوم المرأة العالميّ حفلاً جماهيرياً في إحدى الساحات، شرقي مدينة قامشلو، وداهمتِ الحفلة قوةٌ أمنيةٌ وضربت المُحتفلين واعتقلوا مسؤولي الفرقة، وكتبتُ ما جرى في تلك الحفلة، وبعد الإفراج عن مسؤول الفرقة المهندس حسين مُراد، والتقينا في مدينة تربه سپي، وقال لي: «لقد تعرّضتُ لتعذيبٍ قاسٍ من أجلك، حيثُ كانوا يقولون لي: إنّ المُراسل سيپان الملا يعرفكَ جيداً وتعرفهُ؛ لأنّهُ كتب بالتفصيل عنك، وعليكَ أنْ تُعلمنا باسمِهِ الحقيقي، فهو مطلوبٌ لدمشق، لكنّني رفضت الإفصاح عن اسمك، بالرغم من التعذيب الوحشيّ الذي تعرّضتُ لهُ».
وفي يوم الجمعة 12 آذار 2004م، كانت قامشلو الكُردستانية على موعدٍ مع مباراة نادي الفتوة (ديرالزور) ونادي الجهاد (قامشلو)، ووصل جماهير نادي الفتوة الديريّ، حيثُ الغالبية المُطلقة من أهالي ديرالزور موالين للرئيس العراقي المقبور صدام حُسين، فبدؤوا بترديد هتافاتٍ مواليةً للمقبور صدام حسين في شوارع قامشلو وقبل الدخول للملعب، شتموا القادة الكُرد ورموزِهُم كالرئيس العراقيّ «الكُرديّ» المرحوم جلال طالباني والرئيس مسعود البارزاني، واستغربت الجماهير الكُردية من هذه التصرُفات ولم يرّد أحدٌ عليهم، إلا أنَّهُم وبعد بدء المُباراة بلحظاتٍ كرّروا هتافاتِهُم ورموا الحجارة على جماهير نادي الجهاد؛ لتبدأ هنا الأحداث، وتدخُل شرطة نظام الأسد وأجهزة استخباراتِهِ إلى جانب جماهير الفتوة، والمؤسف أنَّهُم وجّهوا فوهات بنادِقُهم نحو جماهير نادي الجهاد، وسقط العشرات من الشُهداء، لتنطلق انتفاضة كُرديةٌ عارمةٌ في يوم السبت 13 آذار 2004م في كافّة مُدن وقُرى كُردستان (سوريا)، وبدأت أجهزة استخبارات النظام باعتقال الكُرد بقرارٍ من محافظ الحسكة السيئ الصيت سليم كبول، حيثُ أصدرَ تعميماً يأمر فيه باعتقال كُل كُرديٍّ يخرج للشارع من سنّ 7 سنوات إلى 70 سنة.
في صباح يوم السبت 13 آذار 2004م، انطلقتُ من المنزل بمدينتي تربه سپي (المُعربة إلى القحطانية) باتجاه قامشلو؛ للمُشاركة في تشييع شُهداء الملعب، كُنتُ أنقُل ما يجري لحظةً بلحظةٍ باسم «المُراسل سيپان الملا» لموقع «قامشلو.كوم»، حيثُ كان هذا الموقع بالإضافة لمواقع كُرديةٍ أخرى تنقُل الأحداث، ليكون موقع «قامشلو.كوم» في مُقدّمة المواقع ومصدراً رئيساً لمُعظم وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، كما أجرت معي العديد من وسائل الإعلام مُقابلاتٍ باسمي الحركي (سيپان الملا).
انطلقنا من أمام جامع قاسمو بالحي الغربي لمدينة قامشلو حاملين على أكتافنا جنازات الشُهداء نحو مقبرة الشهداء بحي قدوربك في قامشلو، وبعد اقترابنا من المقبرة سمعنا أصوات الرصاص، ونتفاجأ بقدوم سيارتين مكشوفتين تحملان عناصر أمن النظام ويطلقونَ الرصاص نحو المُشيّعين، ليسقُط ثانيةً عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
وفي اليوم التالي قَدِمَ من دمشق وفدٌ أمنيٌّ كبيرٌ، واستنجدوا بمجموعة الأحزاب الكُردية؛ لوقف الانتفاضة، وقبل بدء اللقاءات اشترطوا عليهم إصدار بياناتٍ تطلب من الجماهير عدم الخروج للشوارع، وكان لهُم ذلك؛ بالطبع كانت خطةً أمنيةً وقعت في فخِّها قيادات الأحزاب الكُردية، ومع بقاء أبناء الشعب الكُردي في بيوتِهُم، بدأت حملة المُداهمات الأمنية واعتقال الآلاف، وعلى الرغم من مُطالبتنا قيادات الأحزاب الكُردية بالانسحاب من الاجتماعات مع الوفد الأمنيّ القادم من دمشق، والطلب منهم وقف حملة الاعتقالات كشرطٍ للعودة إلى المُفاوضات، إلا أنَّ تلكَ القيادات لم تصغِ لمطالب الناس، واستمرّت في اللقاءات، التي عُقد مُعظمها في مكتب الحزب الديمقراطيّ التقدميّ، ومنزل د. عبدالحكيم بشار سكرتير الحزب الديمقراطيّ الكُرديّ في سوريا (الپارتي).
طلبتْ مني إدارة موقع «قامشلو.كوم» إجراء مُقابلةٍ مع أحد القياديين الكُرد المُشاركين بالاجتماعات مع اللجنة الأمنية، فاتصلت مع أحد القياديين، وطلبت منهُ لقاءً؛ فأكّد لي بالقدوم لمنزل د. عبدالحكيم بشار في الساعة الواحدة ظهراً، وأعطاني العنوان، فذهبتُ للمبنى وضغطتُ على جرس المنزل، ردّ عليَّ أحدهُم، فقُلت لهُ: لديّ موعدٌ مع القياديّ فلان، فقال: إنَّهُم مجتمعون ولا أستطيع فتح الباب، اتصلت معه بعد ساعةٍ، وكرّرت الاتصال إلا أنّني لم أتلقَّ الرّدّ إلا في اليوم التالي.
والجدير بالذكر أنّني حصلت على صور مُعظم الشُهداء، وأرسلتها لموقع «قامشلو.كوم»، ومعظم صور الشُهداء المُتداولة لليوم، حصلتُ عليها خلال زياراتي لأهل الشُهداء، أمّا شُهداء المناطق الأخرى ككوباني وعفرين و…إلخ، زوّدني بها الأصدقاء من تلك المناطق.
أمّا بالنسبة لما جرى في مدينتي تربه سپي، فكُنتُ شبه غائبٍ عنها يومي 12 و13 آذار 2004م، وعندما عدتُ يوم الأحد 14 آذار 2004م من قامشلو إلى مدينتي تربه سپي، فوجئتُ بأنباء اعتقال الكثير من النُشطاء بينهُم شقيقي الكبير شُكري حسين والأصغر مني علوان، كما اعتقلوا الأطفال والنساء بينهُم أصغر سجينٍ سياسيٍّ في سوريا، وأكبر مُسنّةٍ كان عُمرها حوالي 70 عاماً، اسمها أمينة مراد عيسى «كفرزي»، ما لاحظتهُ في مدينتي هو نظرات الحقد والعداء من شبابٍ عربٍ، كانوا أصدقاءً لنا، وعندما كُنَّا نمرُّ بجنابهم لا يُسلّمون علينا.
* صحفي وكاتب